في تصعيد أعاد إلى الأذهان الهجمات الارهابية على العاصمة الفرنسية باريس التي وقعت في تشرين الثاني 2015، وعلى وقع استمرار الحرب على الارهاب في سوريا ضرب تنظيمُ «داعش» أمس بقوّة في عاصمة الإتحاد الأوروبي بلجيكا مستهدِفاً أهمّ المنشآت العامّة في البلاد، حيث دوّى انفجاران في مطار بروكسل وانفجارٌ آخر في محطة القطار، ما أدّى إلى مقتل العشرات وجرح أكثر من 200 آخرين.
هذان الهجومان الارهابيان أدّيا دون شك إلى هلعٍ كبير في صفوف المواطنين البلجيكيين وفي عدد كبير من البلدان الأوروبية التي أعلنت الاستنفار العامّ وتعزيز إجراءاتها الأمنية، فضلاً عن رفع حال الطوارئ القصوى، وتحديدا في كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا الدول المجاورة لبلجيكا.
بالتأكيد فان اوروبا اليوم أمام واقعٍ جديد بعد التمدد التكفيري في العديد من مدنها وشوارعها واحيائها، فعدا عن اعتقال صلاح عبد السلام المسؤول عن هجمات باريس وإمكان أن تكون هذه العمليات إنتقاماً له، غير ان هذا النوع من العمليات الارهابية يحتاج إلى تحضير لأشهر ولا يمكن تنفيذه بين ليلة وضحاها، كما انه كشف عن ثغرات امنية كبيرة في مطار بروكسل مما سمح للارهابيين بادخال الإنتحاريين والمُتفجّرات دون حسيب او رقيب.
واذا كان الانفجار الانتحاري قد ضرب المطار في بروكسل تحديدا لكنه حمل رمعه رسائل بالجملة خاصة وانه حصل قرب مكتب الإستعلامات عند الخطوط الجوّية الأميركية ما يدلّ على أنّ هناك رسالة موجّهة إلى ادارة اوباما التي يحملها تنظيم “داعش” مسؤولية تنفيذ أكثر من 11 ألف غارة أميركية وتدمير آلاف الأهداف ومقتل نحو 5 آلاف إرهابي وخسارة 10 في المئة من أراضيه في سوريا و40 في المئة في العراق»
كما ان غالبية الهجمات التي تعرّض لها «داعش» هي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية وتُشارك فيه دولٌ أوروبية، هذا فضلا عن تضييق الخناق عليهم من جهة تركيا بعد ان كانت الحدود التركية تشكل بالنسبة لهذا التنظيم الارهابي المتنفس الوحيد لتموين نفسه من شبكات التهريب التي كان يديرها في تركيا.
لقد اصبحت المعادلة الداعشية شبه واضحة ، ففي كُلّ مرة يتعرّض لها «داعش» لخسائر في سوريا والعراق وحتّى ليبيا، سيرد عبر العمليات الإرهابية التي ستزداد خارج المسرح السوري – العراقي لأنّ الإمكانات المطلوبة ليست كبيرة»،فلذلك هذا العمل الارهابي ضد بروكسل غير مستغرب في الأوقات الحالية ومن المرجّح تكراره في اكثر من دولة اوروبية.
ما كان يخشاه رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال الذي كان قد لمّح إلى مثل هذه الفرضية قد حصل ، وها هي كرة النار قد وصلت مجددا الى اوروبا وبات بمقدوره الوصول الى اي مكان واستطاع ان يسقط الهيبة الأمنية الأوروبية حاجزُ الخوف لدى التكفيريين .
ولكن ما هو الحل عند الاوروبيين ؟ هل يملكون القدرة على مواجهة الارهاب على ارضهم ؟ وما السبيل الى ذلك؟ هل يمدون ايديهم الى العرب المقيمين في اوروبا لمساعدتهم على مكافحة الارهاب وكشف الخلايا الارهابية المقيمة في بلدانه او القادمين اليها، ام انهم يمتلكون خيارات اخرى ؟
تبقى الحقيقة الساطعة التي لا يمكن ان يحجبها دخان بروكسل المتصاعد انه طالما أنّ هناك دولاً ترعا الجماعات التكفيرية فان الارهاب باقٍ، وستبقى هذه الهجمات على رغم كُلّ العمليات الميدانية الردعية!