تتواصل أصداء مزاعم المتحدثين السعوديين عن استعداد الرياض للتدخل بريا في سوريا ، وسط تأكيدات بأن التدخل العسكري السعودي “إن تم” سيكون محدوداً، وسيستهدف فقط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” دون التعرض للجيش العربي السوري الذي يقاتل الجماعات التكفيرية المسلحة.
اسئلة كثيرة تحوم حول الاعلان السعوي عن التدخل العسكري في سوريا بعد مشاركتها في مؤتمر جنيف عبر ما سمي “بمعارضة الرياض”لماذا قررت السعودية التي هي ليست دولة مجاورة لسوريا بل يفصلها عنها العراق والأردن، قتال “داعش” الذي ارتكب أكبر جرائم قتل وتدمير في تاريخ المنطقة؟
وثانياً، هل يستطيع آل سعود قتال “داعش” في سوريا دون تفويض دولي وإلا اعتبر ذلك عملاً عدوانياً، وله تبعات خطيرة، وهل يقتصر التدخل السعودي اذا حصل وهو امر مستبعد في الوقت الراهن على محاربة “داعش” ام يمتد لمقاتلة النظام السوري، فتركيا حالياً ومنذ فترة تقاتل “داعش” داخل العراق وسوريا، لكنها لا تقاتل النظام السوري رغم غضبها منه منذ بداية الأزمة قبل خمس سنوات، ولتركيا أطول حدود مع سوريا، وتملك واحداً من أكبر جيوش العالم، سبعمائة ألف جندي محترف، ويصل إلى مليون فرد مع احتساب الاحتياط، ومع هذا تركيا ملتزمة بالقوانين الدولية، فلا تتدخل عسكرياً؟
ما هو المسوغ القانوني للتدخل السعودي في سوريا،هل من خلال حصولها على موافقة من نظام الرئيس الأسد في سوريا، كما تفعل روسيا اليوم، وهو أمر مستحيل أن تطلبه الرياض ومستبعد أن يوافق عليه النظام، ام ان تأذن به الأمم المتحدة، كما يحدث حاليًا في اليمن؟
وهل قتال “داعش” عمل عسكري لاسياسي خاصة وان السعودية تعتبر الحاضن الاكبر للفكر الوهابي الذي خرجت من رحمه مختلف الحركات التكفيرية المسلحة؟
ان القتال براً في سوريا يبدو أنه توجه جديد بالنسبة لآل سعود ، كونها المرة الأولى التي يطرح فيها الحديث بمبادرة من الجانب السعودي، وبشكل صريح، وكان لافتاً، تشديد العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على أن “من حقنا الدفاع عن أنفسنا من دون التدخّل في شؤون الآخرين”، داعياً الآخرين “إلى عدم التدخّل في شؤوننا”. وأضاف في كلمة له: “نحن ندافع عن بلاد المسلمين، ونتعاون مع إخواننا العرب والمسلمين في كل الأنحاء في الدفاع عن بلدانهم وضمان استقلالها، والحفاظ على أنظمتها كما ارتضت شعوبهم”. وقد لاقى هذا الموقف ترحيب أميركي تركي، ودعم إماراتي
بحجة تدمير الجماعات المتطرفة والمقاتلين الأجانب، كما إن إضعاف “داعش” بالقضاء على معظم مقاتليه، سيعزز برأي الاميركيين وضع المعارضة السورية التي طالما استهدفها المتطرفون وقوات نظام الأسد وحلفاؤه!
تأتي هذه التطورات في ظل قرب انطلاق مناورات “رعد الشمال” المقرر إجراؤها في شمال السعودية خلال أيام، بمشاركة قوات عربية وإقليمية، حيث تشارك كل من مصر وباكستان والأردن والسودان، بالإضافة إلى دول خليجية، في مناورات ينظر لها على أنها الأكبر من نوعها، على الرغم من قلة التسريبات حول طبيعتها، وأعداد القوات المشاركة فيها، وتؤكد مصادر مطلعة
على ان السعودية ترغب القيام بشيء ما بعد تقهقر قواتها في اليمن ، وهي تحاول ايجاد موطئ قدم لها في سوريا لمحاربة نظام الرئيس السوري بشار الاسد،
وهذا ما كشف عنه “أندرياس كريغ” من قسم الدراسات الدفاعية في كلية “كينغ” في لندن عندما اعتبر بأن السعودية “مستميتة للقيام بشيء ما في سوريا”،و” أن المعارضة “المعتدلة” تواجه خطر التعرض لهزيمة كبيرة في حال سيطرت قوات النظام على حلب، خصوصاً بعدما تمكنت “الميليشيات” الداعمة للنظام السوري من السيطرة على بلدات عدة وقطع طريق امداد رئيسياً لمقاتلي “المعارضة” يربط مدينة حلب بالريف الشمالي حتى تركيا، بغطاء جوي روسي.
وأردف “كرينغ” بالقول أنه مع “تعثر” السعودية ودول خليجية أخرى في اليمن، لا يمكن توقع سوى امكانية توسيع عمليات “التدريب والتجهيز” وإرسال قوات خاصة خليجية لمساعدة المعارضة المسلحة في سوريا.ولفت إلى أن “لدى السعودية وقطر شبكات على الأرض”، ويرى الدوحة حلقة وصل بين الرياض وأنقرة وسط تحسن العلاقات بين البلدين.
واذا كانت تركيا متحمسة لخيار إرسال قوات برية الى سوريا منذ بدأ الروس حملتهم الجوية ومحاولتهم إخراج تركيا من المعادلة، كيف ستتطور الاوضاع في المنطقة في ظل الرد الايراني على احتمال حصول تدخل بري سعودي أو تركي في سوريا، حيث اعتبر قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال “محمد علي جعفري” ، أن السعودية “لن تجرؤ” على إرسال قوات الى سوريا، متوعداً بهزيمتها في حال أقدمت على ذلك،
كما حذر وزير خارجية النظام السوري “وليد المعلم” من أي “عدوان” بري في الأراضي السورية، معتبراً أن “أي معتد سيعود بصناديق خشبية” إلى بلاده.
وفي شأن متصل، اتهمت روسيا تركيا بأنها تعد “لتدخل عسكري” في سوريا، اتهامات وصفها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأنها “مضحكة”، متهماً روسيا بدوره “باجتياح” سوريا.
واذا كانت الخطوة السعودية تأتي في الوقت الذي تراجعت فيه الآمال بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة بعد انهيار محادثات جنيف وتراجع الجماعات المسلحة على عدد من الجبهات السورية ،
لكنه يتوقع أن جميع السيناريوهات ستبقى مجمدة حتى اجتماع قيادة حلف شمال الأطلنطي “الناتو” في بروكسل الاسبوع المقبل،
في حين يقلل الخبراء من اهمية التدخل السعودي الذي سيكون برأيهم محدوداً، نظراً إلى كون الرياض تقود تحالفاً عربياً مستقلاً يقاتل في اليمن منذ عام تقريباً، وتحرس الحدود الجنوبية للمملكة من هجمات المتمردين اليمنيين المدعومين من إيران، كل هذا يعني أن التدخّل السعودي مرهون بالتفاهمات ما بين روسيا وحلف شمال أطلسي، أو بشكل أكثر تحديداً، بالتفاهمات الأميركية – الروسية، والتي يبدو بأنها لا تسير باتجاه أي تصعيد في سورية، مع قناعة الولايات المتحدة بإمكانية الإبقاء على الأسد، ومحاربة تنظيم “داعش” قبل أي خطوات لإعادة صياغة الأوضاع السياسية.