بعد مشهد معراب الذي رسمه اللقاء التاريخي الذي جمع بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وترشيح الاخير للجنرال لرئاسة الجمهورية ، باتت كل الاوساط في حال ترقب لقراءة ما سسترسو عليه الخارطة السياسية في ازمة الشغور الرئاسي ، والتي تبدو انها متحركة، كما الخارطة المتبدلة دوما على المستوى الوطني، وان كانت لم تصل الى حد الانقلاب.
فالانفتاح السياسي الذي ضرب اطنابه، بين الطرفين الاكثر تأثيرا في الشارع المسيحي ، «التيار الوطني الحر » من جهة، والقوات اللبنانية من جهة ثانية، وان كان انفتاحا «مدوزنا»، ارخى بثقله على الساحة الداخلية ، وهو فرض نفسه ليتصدر حديث الصالونات السياسية في البلد.
وتقول اوساط متابعة للتطورات السياسية الداخلية ، ان الانفتاح المتبادل لاقى ارتياحا ملموسا لدى الطرفين، وهو قابل لأن يؤسس لمرحلة جديدة من المرونة، يبديها الطرفان اللذان راحا يسوقان لعلاقات سياسية مرنة، تريح المسيحيين تيبدد من هواجسهم وتعيد الامل بعودة الحياة السياسية لقصر بعبدا الشاغر رئاسيا حتى هذه اللحظة.وفي رأي الاوساط، فان الطرفين لم يجدا صعوبة لدى قواعدهما، في التسويق للعلاقة «الهادئة» التي تسود الطرفين، منذ «القصف المتبادل» للمبادرات الرئاسية ، حتى وصلت هذه المبادرات الى حد التعايش السياسي في ما خص مقاربة الملف الرئاسي من دون ان ينسحب ذلك بالطبع على المواقف السياسية لكلا الطرفين فلقاء معراب لم يشترط على اي منهما، التخلي عن الثوابت او الرؤية او احداث انقلاب في الاداء السياسي العام، فالمواقف في القضايا الكبرى ما تزال لدى الطرفين على مسافة كبيرة، وبالتالي، فان اي رفع لـ «دوز» الانفتاح لن يعوّل عليه بان يحدث انقلاباً في المواقف السياسية، بخاصة في القضايا الجوهرية، سيما ان الطرفين يتمترسان في معسكرين متصارعين في السياسة، لجهة الرؤية الاستراتيجية التي تتعلق بموقع لبنان على المستوى الاقليمي، وخصوصية كل فريق وتموضعه ضمن منظومة من التحالفات، على المستويين المحلي والاقليمي، لكن المبادرات الانفتاحية بين عون جعجع برّدت الاجواء على مستوى الساحة المسيحية وسهلت طريق الجنرال الى قصر بعبدا.
ولكن وفي سياق التحولات التي يعرفها البلد والتقارب الحاصل على صعيد بعض القوى السياسية ، وسيطرة نظام الكارتل المالي والعائلي والاقطاعي الذي يشكل عقبة امام الانتقال الديمقراطي، وممارسته سياسة التعطيل كاسلوب للحكم ، جاءت زيارة رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب لرئيس حركة الاستقلال ميشال معوض في دارته في بعبدا.
خطوة وهاب تجاه نجل رئيس الجمهورية الاسبق رينيه معوّض تعتبر ضرورية في ظل ما تشهده الساحة اللبنانية من تطورات على صعيد الانفتاح والحوار بين كل القوى السياسية وفي ظل الأجواء السائدة التي اختلطت فيها الكثير من الحسابات، وفي ظل عجز المؤسسات الدستورية عن إحداث التغيير المنشود وتسييس الحراك المدني وعدم قدرته على كسر شوكة الفساد والاستبداد الذي ينخر البلاد.
يــقــول ”ونستون تشرتشل ” : ”لا بد أن نواجه أنفسنا بالحقيقة الكاملة، نحن امام نكسة حقيقية”. هذه المقولة الشهيرة تدفعنا إلى طرح السؤال الإشكالي التالي : هل تحل الازمة اللبنانية بانتقال ديمقراطي أم بـــــانفتاح سياسي ؟
كل المؤشرات تدل أننا أمام انفتاح سياسي هدفه انقاذ البلد وعدم جره الى اتون الفتنة التي تعصف من حوله جراء ما تتعرض له بلدان عربية من نيران تكفيرية وفي طليعتها سوريا والعراق ومصر التي تخوض جيوشها اشرس المعارك ضد الجماعات الارهابية. ولكن هل يكفي الانفتاح السياسي لانقاذ بلد بات نظامه السياسي مليء بالتجاعيد وتفوح منه رائحة الفساد والمحاصصة والتهميش والاعتداء على المال العام؟
وحده الانتقال الديمقراطي الحقيقي للسلطة الذي يتطلب توفر الارادات السياسية المبنية على إعادة الثقة للعمل السياسي النبيل وترسيخ ثقافة المشاركة والاختلاف .بالإضافة إلى تنظيف السياسة بعض الشيء، من أنماط معينة من المسؤولين والسياسيين الذين لا يحملون من هذه الصفات غير الاسم
كفيل بمعالجة ازمة اللبنانيين، وانتهاج المزيد من الخطوات المتسارعة نحو الانفتاح السياسي والمشاركة الشعبية، وتفويت الفرصة امام الساسة التقليديين، الذين بستميتون للحفاظ على امتيازاتهم داخل الدولة على حساب لقمة عيش المواطنين ، وذلك عبر الانتزاع منهم قانون للانتخابات على اساس النسبية ووضح حد لسرقة اصوات الناخبين من خلال قانون اكثري مازال يشكل اطارا مشتركا لاصحاب العقول العفنة والمتحجرة والرجعية.
واذا كان المطلوب هو انتهاج المزيد من الخطوات المتسارعة نحو الانفتاح السياسي فانه يمكن النظر الى زيارة وهاب لرئيس حركة الاستقال ، والتي سبقتها اتصال وهاب بعون وجعجع وتهنئتهما بمصالحة معراب ، على انها اضافة تحمل بين طياتها الكثير من الامل والطموح السياسي لاحداث نقلة نوعية على مستوى المؤشرات الاولية لبدايات حل الازمات الدستورية والسياسية وفي طليعتها رئاسة الجمهورية.
وذا اردت ان تعرف ماذا يجري في بيروت فعليك ان تعرف ماذا يجري في عواصم القرار الدولي، فحرائق المنطقة المشتعلة بصراع الأدوار والأحجام والمصالح والايديولوجيات ، لا يحتاج الى عناء كبير لاكتشاف حجم الموجات المتوالية من التحولات مع التفاهم بين كيري ولافروف على إطلاق يد الروس في سورية والانحناء الدولي امام ايران النووية وإشغال السعودية بحربٍ مفتوحة في اليمن.
وعلى وهج هذه الحقائق تستمر التأويلات الصاخبة عن «الأسباب الموجبة» التي دفعت الرئيس سعد الحريري الى اعتماد خيار النائب سليمان فرنجية، الذي قيل الكثير عن انه صديق للرئيس السوري بشار الاسد ولصيق بـ «حزب الله»، وعن الدوافع التي حدت بجعجع الى تبني ترشيح العماد عون، الذي يقال الكثير ايضاً عن انه المرشح رقم واحد لـ «حزب الله» والرئيس الاسد وايران، وهي التأويلات التي يختلط فيها السياسي بالشخصي، والوطني بالطائفي والمحلّي بالاقليمي. والى حين ترْك اللعبة تأخذ مجراها، وبانتظار الافراج عن الاستحقاق الرئاسي في إطار تسوية سعودية – ايرانية تلبي الارادة المحلية في إحداث تغييرات فعلية في تركيبة الحكم ليس على قاعدة تَقاسُم جديد لـ «كعكة»السلطة تتوجه الانظار الى المتغيرات الميدانية في سوريا لمصلحة نظام الرئيس بشار الاسد والا فان درج القصر الجمهوري سيعلوه العشب الى أجَل غير مسمى.
،