بعد زيارة وزير الخارجية الأميركية الى المنطقة، كثرت التصريحات التي تناولت مسألة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة العدو الصهيوني، وكأن المفاوضات قد أصبحت في متناول اليد، وبأن ثمارها باتت ناضجة، مرة بالحديث عن التفاؤل وإحداث اختراق ما لتحريك عملية السلام! حكومة العدو قالت: إنها تطمح لهذا السلام! ولكن أي سلام هذا؟ أظهر كيري التفاؤل، والسؤال من أين يأتي مثل هذا التفاؤل وما مصدره وما هي الأسس التي انطلق منها، وانطلقت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن شروط هذا الطرف وشروط أخرى مضادة، وكأن في الأمر طبخة ما يتم الإعداد لها.
الشيء الوحيد المؤكد من هذا الضجيج المثار، هدفه خلق حالة ما افتراضية توحي بإمكانية استئناف المفاوضات، وتنافست وسائل الإعلام الإسرائيلية في نشر تفاصيل ما يحمله كيري في جعبته، وانقسمت في الحديث عن خطط هنا ولقاءات هناك، وإمكانية جمع الطرفين للتوصل الى تقاطعات معينة، أي ما يجري هو عملية مدروسة بعناية فائقة عنوانها “استئناف المفاوضات” والحديث عن مبادرات أميركية لاحقة تلي الجولات الاستكشافية وهكذا.
وبعد هذا، انطلق الجانب الإسرائيلي وألقى الكرة في الملعب الذي تشغله السلطة الفلسطينية واتهمها بوضع العراقيل أمام مهمة كيري لإصرارها على تقديم خريطة إسرائيلية للتسوية المفترضة، ولإعطاء الأمر مصداقية معينة أعلن موظفون في الخارجية الأميركية، أنهم يحتفظون بخطة سلام لكنهم يشككون في قدرة الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها، وبغض النظر عن تلك الخطة التي هي مجرد خداع بصري أو تلاعب مكشوف له أغراضه المحددة.
وبالتوازي مع ذلك تمّ تداول معلومات مفادها، بأن هناك مجموعة دعم من دول الخليج وتركيا ودول شمال أفريقيا، ستساعد السلطة الفلسطينية من جهة وتطرح مبادرات تجاه “إسرائيل”، بروح المبادرة العربية للسلام، وسيكون لهذه المجموعة دور في الخطاب الإقليمي الشامل؟!
والسؤال هنا، ما هي أهداف واشنطن من إشاعة أجواء التفاوض الافتراضية هذه؟ يمكن القول، إن إدارة أوباما تحركت في الوقت المناسب، وهي أرادت بذلك أن تجني ثمار ما يسمى “الربيع العربي” وأن توزع الأدوار بالاتفاق مع حليفها الصهيوني ورأس حربتها في المنطقة، وتحاول واشنطن تهيئة الساحة الإقليمية من جديد وفق رؤيتها، أعلنت المصالحة بين تركيا و”إسرائيل” وأرادت ما هو أبعد من ذلك من حليفيها الأساسيين في الشرق الأوسط.
اطمأنت واشنطن أن العداء “العربي – الإيراني” قد بلغ نقطة اللاعودة بعد أن ارتهنت دول الخليج لمشيئة التحالف الأميركي – الصهيوني، وأرادت أيضاً من وراء الحديث عن المفاوضات نزع الورقة الفلسطينية من طهران وأعطت دوراً جديداً لتركيا لتهيئة طرفي السلطة الفلسطينية للاعتراف بحق “إسرائيل” في الوجود ولحسم مواقف المترددين مقابل تقديم الوعود لهم بقبول انضمامهم الى مسيرة السلام الافتراضية وذلك بمباركة مصر “الإخوانية”، وبتعبير أدق، واشنطن ترى أن تشكيل حلف جديد لمواجهة طهران قد حان أوانه وهدفه تعطيل دور إيران في المسألة الفلسطينية وفي سوريا والعراق، والمصالحة التركية – الكردية هي أحد بوادر هذا التوجه، وتمتين علاقة تركيا مع إقليم كردستان، وعليه فإن واشنطن تستغل المسألة الفلسطينية، لانتزاع المزيد من التنازل من الدول “العربية” التي قبلت الهوان وارتبطت بالمشيئة الأميركية على حساب القضية الفلسطينية.
محمود صالح