التخلف هو امتلاك الإمكانيات والقدرات وعدم الإستفادة منها كما يجب، وهو في الأصل “مرض” قاتل ويصبح أشد فتكاً عندما يتم تغذيته من جانب الدول الإستعمارية من أجل تمكينها من السيطرة على دول أخرى وصولاً الى الهيمنة الكاملة واستنزاف مواردها وجعلها رهينة الفقر بأنواعه وخاصة الفقر السياسي وانعدام الرؤية، وبالتأكيد، التخلف هو وصفة الدول الاستعمارية للدول الواقعة تحت الهيمنة، في فقدان حرية الوطن والمواطن.
ما سبق ليس وصفاً إنشائياً إنما هو واقع الحال في معظم البلدان العربية التي أصبحت أداة بيد الدول الطامعة، والجديد هو تطور التخلف بإتجاه تدمير هياكل المجتمعات وتبذير الثروة في غير إتجاه بما يخدم مصالح الدول الإستعمارية، والعلاقة ما بين التخلف والإرهاب تكاملية، والأخير هو آخر مراحل ظاهرة التخلف، يضرب الفكر ويعدم الرؤية ويضيع إتجاه البوصلة.
والحروب المتنقلة التي تجري في عالمنا العربي، ليست وليدة اللحظة الراهنة، هي نتاج عقود من التخلف الفكري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي.
وبعد أن تغيّر شكل الحروب نتيجة عوامل عدة، ومنها الحروب الفاشلة التي خاضتها الدول الإستعمارية في أكثر من مكان في العالم الرحب، والخسائر التي مُنيت بها وما سببته من أزمات مالية واقتصادية، جعلها تبحث عن أساليب جديدة لإدارة الحروب والأزمات في العالم ولكن من خلال تكاليف أقل وفوائد أعظم، واستخدام الدول التابعة للقيام بأدوار معينة بحيث تساهم في تعميق الإنقسام في محيطها وداخل مجتمعاتها وتسمح للدول الإستعمارية بتصدير السلاح والسلع وإنعاش اقتصادها والحصول على الموارد النفطية وغيرها بأسعار متدنية للغاية.
والسؤال، لماذا تُشن الحروب على سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا ويتم استخدام الإرهاب ليضرب في بقية البلدان العربية الأخرى؟
بالتأكيد مصالح الدول الإستعمارية أولوية وكذلك تأمين أمن الكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة. ومن خلال أوهام القوة تحارب بعض الدول مثل السعودية وتستهدف الجار والشقيق العربي اليمن مستخدمة بذلك ذرائع لا علاقة لها بوقائع الأمور، ومن خلال هذه الأوهام ذاتها، تحاول قطر القيام بدور تدميري وإشعال حروب التفتيت والتقسيم، وتحاول تركيا إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وذلك طمعاً في الإستيلاء على مزيد من الأراضي العربية ومستغلة بذلك ما تراه فرصة سانحة، والإصرار على التحدث بطريقة متغطرسة.
وأيضاً، يحاول المعتدون، خلط الأوراق والتحدث بطريقة متغطرسة وكأنهم يحققون إنتصاراً!؟، والدوافع الحقيقية هي المكابرة والخشية من دفع الأثمان السياسية والإقتصادية عن جرائم إرتكبوها بحق أمتنا وشعوبها على امتداد السنوات الماضية.
والسؤال أيضاً، أين ذهبت وتذهب مليارات النفط والغاز العربي؟ وأين التنمية الإقتصادية والتكامل العربي؟ وأين التضامن والشعارات التي استخدمت في الماضي؟
ما نراه اليوم، تُدفع الأموال لمحاربة الذات العربية، والتوغل في التقسيم والتجزئة، وتُدفع الأموال لمساعدة الدول الإستعمارية للخروج من أزماتها المالية والإقتصادية، فيما تعيش معظم الشعوب العربية تحت خطر الفقر المدمر، وحتى في الدول الخليجية، هناك مشاهد من البؤس والفقر لا مثيل له في أفقر أي دولة أخرى في العالم.
وهل لأولئك خصومة مع حواضر الأمة وهويتها وتاريخها ودورها، أم أنهم يحاولون البحث عن دور وظيفي، لذلك يلجأون الى التدمير، وكيف نفسر هذه الحالة ولماذا أقيم ذلك؟ وهل هي عقدة الدونية والنقص أم أن المأزوم بالتبعية والإرتهان افتقد رؤيته تماماً وسلم أوراقه للمستعمر ليحمي عروشه الورقية؟.
إن التصعيد ضد روافع الأمة وبناة نهضتها في سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن ولبنان لن يؤتي ثماره، فهذه الدول لها حضارة ضاربة في عمق التاريخ وفي وجدان كل عربي غيور على أمته، وعبثاً يحاولون ولن يحصدوا إلا المذلة والهوان، ومهما اشتدت الأزمة فالفرج آتٍ، لأن النصر هو حليف القضايا النظيفة وهناك مَن يمتلك الإرادة التي هي أقوى من سلاح المؤامرة والفتنة.