على طريق الإنتصار المؤزر، تستمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تحقيق الإنجازات العظيمة، فاتحة بذلك الأبواب على مصراعيها نحو مرحلة جديدة من التقدم والإزدهار، وبدأت عصراً جديداً في تاريخها الحافل بالتضحيات واقتران الأقوال بالأفعال.
إيران اليوم في المشهد الدولي والإقليمي كقوة إقليمية بأبعاد دولية، أثبتت قدرتها على انتزاع حقوقها النووية، وضربت مثالاً سيظل نبراساً ومعلماً لكل الشعوب التواقة الى فجر جديد في مواجهة قوى الإستكبار العالمي.
وبتوقيعها الإتفاق النووي مع الدول 5+1 يوم 14 تموز 2015، تتحضر إيران لأن تكون الشريك الشرق أوسطي القوي في المنطقة، وتسارع خطى الدول الكبرى صوب إيران يعني أن إيران تكرّس معادلة جديدة في طريقة التعامل مع الدول الكبرى، وفي مشاركتها لأن تكون في صدارة المشهد الإقتصادي وتحقيق الإستقرار في المنطقة من خلال الإلتزام بثوابتها والوفاء لتحالفاتها.
أثبتت الأحداث مدى صحة وصوابية الحسابات الإيرانية التي عبّرت عنها مواقف قيادتها الحكيمة والشجاعة، وهي اليوم قوة إقليمية ومسؤولة وباعتراف خصومها أيضاً، وبعد أن تخلّت الدول الست (5+1) عن أدوات تأثيرها وحيث لم تُجدِ العقوبات وكل محاولات الحصار والعوائق، لم تفلح التهديدات عن حرفها عن مسارها وأهدافها ومطالبتها بكامل حقوقها النووية.
إيران دولة إقليمية كبرى
وأهمية إيران وموقعها الاستراتيجي اقتصادياً وسياسياً في المنطقة، جعلها محط أنظار الدول الكبرى كلاعب إقليمي ووازن وبدور فاعل لمحاربة الإرهاب، والإندفاع الأميركي نحوها كان صائباً وعبّر عن استراتيجية أميركية جديدة استفادت من أخطاء الماضي وتجاربه، وهو اعتراف أميركي بفشل سياسة الإحتواء، وهذا حدث تاريخي بالغ الأهمية ويؤسس للمراحل اللاحقة، وهو يعني اعترافاً أميركياً ودولياً بنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو يعني الكثير في الحسابات الأميركية والغربية عموماً، وأميركا بذلك قررت المهادنة ورفض المواجهة واختارت العودة الى لغة العقل والمصالح بعيداً عن المعارك الخاسرة، والعودة الى طريق الرؤى الصائبة والاستراتيجية الجديدة التي استفادت من تداعيات وأحداث الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
والإتفاق النووي الذي أبرم مع إيران ودول 5+1 يقر لها بكامل حقوقها النووية ذات الطابع السلمي ويجعلها عملياً جزءًا من النادي الدولي، أي أن ما يحصل يمثل تحولاً جذرياً وهو لحظة تاريخية وصفحة أمل جديدة، ويمهد الطريق أمام فصل جديد في العلاقات الدولية، وهو يراعي الخطوط الحمراء التي أعلنت عنها القيادة الإيرانية عندما حددت سقف الإتفاق وحدوده وموانعه.
وبالتأكيد، فإن ثمرة الصمود الإيراني، هي ما دفع الدول الكبرى لإستخلاص العبرة وتقديم التنازلات، وهذا ما فاجأ أولئك الذين حاولوا في السابق رفض مشاركة إيران في مؤتمر جنيف المتعلق بالأزمة السورية، وكان هناك “فيتو” غربي وعربي، وعملوا على إبعادها عن “التحالف المفترض” لمحاربة “داعش”، وهم حاولوا عزلها ومناصبتها العداء واستنزاف قدراتها في أكثر من مكان على مساحة الإقليم، أي دفع إيران للإستسلام، لكنها صمدت وقاومت وحافظت على ثوابتها وتحالفاتها وأصرّت على رفض أي إتفاق لا يلبي حاجاتها وحقوقها ودورها.
اليوم تغيّرت المعادلة بفعل تضحيات إيران ومعها سوريا والمقاومة اللبنانية، وأصبحت تلك الدول بحاجة لها في مواجهة “داعش” وغيرها من قوى الإرهاب صنيعة تلك الدول وأداتها، وتتسابق تلك الدول صوب إيران لكسب ودها وإقامة علاقات اقتصادية جديدة معها ولبناء استراتيجية تساعد على تحقيق الإستقرار في الشرق الأوسط.
إتفاق فيينا هو ثمرة الإنتصار الإيراني، وعملياً يلغي العقوبات مع سريانه وسارع مجلس الأمن الدولي الى المصادقة على الإتفاق بالإجماع بموجب القرار 2231، وبذلك يمكن القول، إن الإتفاق نقل المعركة الى ساحة الغرب و”إسرائيل” بعد الإنتصار الدبلوماسي الإيراني.
وتثبت التجارب مدى ترابط العلاقة ما بين الوقائع الميدانية والصراع في المنطقة وبكافة أبعاده، وكيف انعكس التأثير على مدى تقدم المفاوضات سلباً وإيجاباً. ولوحظ خلال عملية التفاوض، ومع اقترابها من بلوغ نتائج معينة، أن الصراع يشتد اشتعالاً في الميدان في محاولة لتحقيق اختراق ما يخدم الأجندة الأميركية، لكن نتائج الميدان لم تعطِ للجانب الأميركي ما أراده من مكاسب أو عوامل ضغط على المفاوض الإيراني، وبقي موضوع التفاوض يرتكز أساساً على الملف النووي الإيراني، وفي المحصلة بقيت المعادلة السياسية كما هي وبخطوطها الحمر التي رسمتها القيادة الإيرانية وقطعت الطريق على أي ابتزاز أميركي، وأصرّت على رفع العقوبات، واستطاعت أن تحصل على ما تريد من مشروعية دولية وإقليمية ستؤهلها لقطف الثمار السياسية للإتفاق النووي.
وفي لعبة التفاوض كما هي لعبة الحرب المفترضة، ولأن المعركة بطابع دبلوماسي، تمكّنت إيران من قطف الثمار والوصول الى الإتفاق مع تجنب الخسائر، وواقع الأمر كان مفروضاً على الجانب الأميركي الذي أقرّ سلفاً بقوة إيران وقدراتها التفاوضية وبمدى تحكمها في الميدان وعلى مساحة الصراع في المنطقة، وهذا ما اعتبره مراقبون بأنه تنازل أميركي واضح واعتراف بدور إيران كدولة إقليمية كبرى.
إنتصار دبلوماسي وسياسي
ومن خلال استراتيجيتها الثابتة، استطاعت إيران إنتزاع الإعتراف الأميركي والدولي بشرعية نظامها بعد أن حاولوا محاربته وحصاره عقوداً من الزمن مع التعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية أو أي عمل من شأنه الإساءة الى النظام الإيراني القائم، بالإضافة الى إقرار أميركي ودولي بمكانة إيران كقوة إقليمية وبالإنتماء الى النادي الدولي وحقها بتخصيب اليورانيوم وتؤخذ مواقفها ومطالبها بجدية وتجاوب من الأسرة الدولية.
وما بعد الإتفاق النووي الإيراني سيؤدي الى حشد دولي لمكافحة التطرف الإسلامي ولمواجهة الإرهاب التكفيري بكل مسمياته وأمثاله من “داعش” وغيرها.
لذلك إيران اليوم في صدارة أولويات تلك الدول ولكن من خلال ثوابتها الإستراتيجية التي تمّ انتزاعها في التفاوض وفي الميدان دعماً لقضايا أمتنا، وتمّ هذا الإنتصار بعد أن واجهت إيران قبل 35 سنة دول الغرب مجتمعة، وهذه المدة كانت كافية للإقرار بدور إيران في المنطقة وهو تجاوز حدود التطبيع الذي حاول البعض تسويقه في محاولة عبثية لتقزيم الإنجاز الهام الذي تمّ تحقيقه، وما تريده إيران أولاً هو رفع العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن، وهذا بحد ذاته يشكّل إنجازاً عظيماً وهذا تحقق في خطوته الأولى بالإجماع في قرار مجلس الأمن الذي صادق على الإتفاق.
إيجابيات كثيرة حملها الإتفاق لجميع المتحاورين، لكنها لا تنسحب على حل المشاكل الخلافية بين إيران والولايات المتحدة، فالحوار على الملف النووي إتّخذ صيغة تقنية، لكن التعاون بين أميركا وإيران بشكل كامل وطبيعي مازال أمامه عوائق كبيرة ومن طبيعة استراتيجية، ووفق الرؤية الإيرانية “العلاقات مع واشنطن تحمل بعداً إيديولوجياً لما تجسده من استكبار عالمي”.
إن قوة إيران وجدارتها ودورها وصولاً الى إتفاقها التاريخي مع دول 5+1 هي عملية مترابطة ومتكاملة، وليست القدرات النووية وحدها مَن يمثّل قوة إيران، لكنها عملية تراكمية مستمرة وخطوات ناجحة في كافة المجالات والميادين وامتزاج الحكمة بالرؤية وشجاعة القيادة وتضحيات الشعب الإيراني كلها كانت دافعاً لإبرام الإتفاق النووي.
وإيران التي إلتزمت بقضايا أمتها، تعاظم نفوذها ودورها في المنطقة وبقوة على بقية أدوار إقليمية أخرى في المنطقة بغض النظر عن الإتفاق النووي، وفي إيران لا يمكن فصل منطق “القضية” عن منطق “الدولة – الأمة” وهذا هو عامل قوة ساهم في تحقيق جميع الإنجازات ومواجهة كافة التحديات والوصول الى شاطئ الأمان وتحقيق الإنتصارات.
والإتفاق مع إيران ودول 5+1 وضعها في قلب الإستراتيجية الدولية، وهذا الفعل لم يتحقق صدفة وهو ليس ناتجاً عن حسن النوايا الأميركية والغربية عموماً، وجاء بفضل الإنجازات الإيرانية على كافة الأصعدة وصولاً الى مرحلة التوازن الإستراتيجي، ومن خلال محصلة تحالفاتها الراسخة استطاعت لجم القوة العالمية المتوحشة التي تراجعت عن أي مجازفة عسكرية ستدفع أثمانها الباهظة، هذا ما سمح لإيران بأن تفاوض من خلال خطوات ثابتة وواثقة لأكثر من عشر سنوات، والبعد الآخر في قوة إيران صدق تحالفاتها الدولية مع دول مثل روسيا والصين، ما مكنها من ترجمة عناصر قوتها بالشكل الأمثل والأقوى تأثيراً، وبذلك سقط الخيار العسكري ضد إيران وبشكل نهائي بالتوازي مع حسابات الميدان والجغرافيا السياسية.
بالتأكيد، إن إنجاز إيران إتفاقها هو خطوة واعدة في الإتجاه الصحيح، أضافت قوة جديدة لقدراتها على الصعد الإقتصادية والسياسية ستنعكس بالضرورة على الداخل الإيراني كحصانة جديدة للمجتمع الإيراني الذي وقف الى جانب قيادته الحكيمة والشجاعة وكان العامل الأول في تحقيق الإنتصار، والمنطقة بأسرها على موعد لقطف ثمار هذا الإنتصار وخاصة أركان محور المقاومة في أمتنا، شركاء الإنتصار وهم سيسجل لهم التاريخ صفحة مشرقة من العطاء والوفاء.