سوريا عنوان المجد والعزة وقلعة العروبة وعنوان الكرامة، ما لانت وما هادنت يوماً، في الحق تتسلّح بعزيمة وإرادة شعبها العظيم، وهي حمالة لقضايا أمتها، وقفت سدّاً منيعاً في مواجهة قوى الغطرسة الإستعمارية، وهي شوكة في أعين الطامعين من بني صهيون وأدواتهم في المنطقة، تقاوم ببسالة وشرف وعنفوان، وتتحمل مسؤوليتها القومية وهي على طريق الإنتصار ماضية، تواجه عواصف الأعداء بإعصار المقاومة وبتضحيات جنودها البواسل، وسوريا ستبقى عصية على الأعداء وأعوانهم.
هي سوريا، من قبل ومن بعد، وحيدة إلا من صمودها وثباتها على مبادئها وكبريائها التي أحرجت عربان النفط وإسلاميي السلطة والحكم ولو تحت قبعات الحاخامات، وتوصيات هيرتزل وفلسفة برنارد لويس.
وحيدة بياسمينها الذي ما فتئ بياضها يستفزّ سواد فتاويهم ووقفت سوريا في أعتى مواجهة يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، حرب بالوكالة والقيادة الخلفية للأميركان، وحيدة إثر انفضاض مَن شرّعت لهم سوريا أبوابها وناموا بأحضانها آمنين مقاومين!!… فكان نقض العهد سمتهم التي مافتئوا يعرفون بها وهل كان للأعراب عهد وذمة أوليسوا هم الأشد نفاقاً؟!
إنها حرب سقوط الأقنعة عن حليف مخاتل وصديق خائن وبندقية ترى في القدس طريقاً للسلطة والحكم. حرب مرّ عليها ما يقارب السنوات الخمس ما وهنت فيها همة رجالنا رغم هول وعظيم الجراح، ورغم البربرية والهمجية التي كشفت لثامها دمشق لا زال جيشنا يحتفظ بالسر، سر زنوبيا وأبي العلاء، يحتفظ بسر ياسميننا بسر دمشقنا، والتي منها دال الدهر وميم الموت وشين الشوارع التي أرادوها مرهقة بحطامنا، فانتصبت قافها تقصم ظهر المعتدي وتخط مجداً لم يغب.
بعد ما يقارب السنوات الخمس من هذه الحرب البربرية على شامنا تطرح مجلة “منبر التوحيد” مجموعة من الأسئلة والتساؤلات، نطمئن بها ذواتنا وأهلنا عن شامنا وعن مآلات الحرب فيها، وأين نحن اليوم من نهاية أبشع وأعتى حروب العصر، تُشن على مِن بها وبأبنائها خطى المجد وتكوّن التاريخ.
أسئلة توجهت بها “منبر التوحيد” للكاتب والمحلل السياسي الأستاذ خالد العبود، أمين سر مجلس الشعب.
نبدأ من اللحظة الراهنة كيف نوصّف الوضع السوري الآن؟
بتقديري إن صح التعبير نحن في لحظة فض اشتباك، بيننا وبين صاحب العدوان الأساسي الذي هو الإدارة الأميركية تحديدا، ولفض هذا الاشتباك علينا فهم طبيعته والظروف التي مرّ فيها والأدوات التي استعملت والحلفاء الإقليميون الذين استعملتهم الإدارة الأميركية في الإشتباك، لأنه لا بد من التفريق بين أدوات ميدانية استخدمت في هذا الإشتباك وبين أطراف إقليمية ساهمت وموّلت وحرّضت عليه. وهذه الأدوات تشكّلت كي تستطيع ليس تفكيك الدولة السورية بل الإتيان بالقيادة السورية مرغمة إلى تسوية تفرضها الولايات المتحدة بعدما تكون قد كسرت سلسلة التواصل السوري الإيراني مع المقاومة، لأن كسر الحلقة السورية من سلسلة التواصل يعني إلحاق هزيمة كبيرة بإيران وباقي السلسلة. ولمّا لم تستطع الولايات المتحدة فعل ذلك وبقيت السلسلة صامدة وموحدة وقادرة على إدارة صد هذا العدوان بدأت الإدارة الأميركية بالبحث عن خرائط لفض الإشتباك.
بأي معنى نقل المعركة إلى ساحات أخرى مثلا؟
الإدارة الأميركية أرادت أن توجد معادل سياسي لفض الإشتباك أي للخروج من حالة الإشتباك مع سوريا لكن ليس إلى مكان آخر، لأن الهدف السياسي الذي عملت عليه الولايات المتحدة ومن أجله ألا وهو إسقاط هذه الحلقة أي الدور السوري لم يحصل، بل الذي حصل هو العكس تماما، حيث لاحظت الإدارة الأميركية أن المردود كان عكسياً وأن هذا المحور طهران – دمشق – المقاومة استفاد من هذا الصمود بالمعنى الاستراتيجي، رغم الضرر المعنوي والمادي الذي أصاب هذا الحلف، لكن بالمقابل أضحى أقوى من السابق. وأصبح يعبّر عن نفسه بقوة أكبر.
كيف لنا تلمّس ذلك وما هي تجليات هذا التعبير؟
يمكن ذلك في مجموعة من العناوين، فقبل العدوان على سوريا على سبيل المثال لم يكن يستطيع الحلف أن يعبّر عن نفسه حيث كنا نلحظ شيئاً من الخجل أو التردد لجهة التعبير عن هذا التحالف، ونذكر كيف اتهم بالمذهبية “الهلال الشيعي”. اليوم الحلف يعبّر عن نفسه بشكل كبير جدا لجهة أنه تجاوز ليس فقط الجغرافيا بل تجاوز تعريف التحالف الاستراتيجي في العلاقات الدولية وأصبحنا نلاحظ أن دمشق في طهران وطهران في دمشق وجزء من المقاومة موجود في كل منهما. ومن ثم دماء المقاومة وحّدت حتى الجغرافيا، الجغرافيا أصبحت واحدة، ونلاحظ أن جملة الخطوط والمعادلات الناظمة للحالة الاقتصادية والاستثمارية والدعم المعنوي والمادي كان مقيداً بجملة من العناوين والآن لم يعد أثر لهذا التقييد. أما لجهة السلاح لم يعد هناك سقف للسلاح الذي يمكن توريده إلى المقاومة، من هنا وجدت الولايات المتحدة الأميركية أن هذا الحلف استفاد من هذا العدوان، على العكس تماماً اشتغل حلف المقاومة وعلى رأسه القيادة السورية وفق مجموعة من الاستراتيجيات لجهة كيف يمكن الإستفادة من فائض القوة الذي استعمل في العدوان عليها.
ماذا تعني بفائض العدوان وكيف استفادت سوريا منه؟
هناك فائض قوة في الجغرافيا السورية نتيجة أن الدولة السورية لم تذهب إلى المواجهة المباشرة مع هذه المجموعات المتواجدة في الميدان والتي دُفعت باتجاه الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها، والذي فعلته الدولة السورية إيجاد إستراتيجية أسمتها بـ “مشاغلة” هذه الأدوات وليس الذهاب إلى الإنتحار فيها ومن خلالها. ففائض القوة الذي تشكّل في جغرافيا تنازلت عنها القيادة السورية شكّل خطراً على الإقليم، فهذه الأدوات التي كان يجب أن تُستعمل في مواجهة الدولة السورية أصبحت تستعمل القوة في وجه مصالح الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما حصل في أكثر من مكان.
هل إنقلبت هذه الأدوات على مشغّلها وأي خطر تشكّله “داعش” مثلاً على الأمن القومي الأميركي؟
منذ وقت وجيز طاردت الولايات المتحدة قيادياً في داعش المدعو “أبو سياف” وبتقديري إن الولايات المتحدة لها مجموعة مصالح في المنطقة من بينها النفط، وفي منابع النفط “داعش” ضربت جملة هذه المواقع أو اقتربت منها إلى حد بعيد، “داعش” هو نتيجة فائض القوة الذي تشكّل على الأرض. أميركا من خلال أدواتها شكّلت قوة للعدوان على الدولة السورية، لكن سوريا لم تفعل ما فعله القذافي والدولة الليبية عندما ذهبت إلى المواجهة الكلية مع هذه الأدوات، سوريا امتصت هذه الضربات وفسحت لها أجزاء في الجغرافيا، وأعطت إمكانية لفائض القوة لمشاغلته في الجغرافيا ذاتها، وفائض القوة هنا هو “النصرة وداعش” والمجموعات المسلحة التي تمددت واستطالت إلى جغرافيات أخرى فأثرت على مصالح الولايات المتحدة. فائض القوة هذا ونتيجة مجموعة من الألغام الإستخباراتية التي غرسها حلف المقاومة ضمنه أي ضمن “فائض القوة” هذه الألغام أدت إلى انعكاس دور الأدوات وبدلاً من أن تقوم بدور وظيفي خالص لصالح مشغّلها الولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الإقليمية بدأ فائض القوة ينعكس سلباً باتجاه مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
الولايات المتحدة عند هذه الخاصية وجدت أنها بحاجة إلى فض الإشتباك، وهذا مكلف بالنسبة للأطراف الإقليميين الذين استعملتهم الولايات المتحدة في العدوان على سوريا، فهي تريد أن تخرج من حالة الإشتباك ولكن ثمة أطراف إقليمية متورطة، والولايات المتحدة تدرك أنها استعملت أدوات على مستوى المنطقة بمرتبة حلفاء، وبلحظة اتخاذ قرار فض الإشتباك، هذه الأطراف المتورطة ستبحث عن مصالحها التي لا يمكن أن تكون مضمونة في ظل ما تسعى إليه الإدارة الأميركية، ولا يمكن أن تكون هذه المصالح على خارطة قادمة للتسويات والتفاهمات، فذهبت هذه الأطراف إلى الاستثمار في أكثر العنف.
هل هذا ما يفسر تكثيف العدوان على سوريا في الآونة الأخيرة؟
منذ ما يقارب السنة اتخذت الولايات المتحدة قراراً باتجاه فض الإشتباك. وكل ما نلاحظه من استثمار في العنف أو السياسة هي محاولة من أطراف إقليمية تحديداً السعودية وقطر وتركيا لعرقلة اتجاه الإدارة الأميركية، فالحلف الذي واجه الولايات المتحدة يدرك تماماً ماذا تريد هذه الأطراف الإقليمية وهو يشاغلها حتى اللحظة في أجزاء كثيرة من العناوين التي حاولت أن تشتغل عليها سواء الإستثمار في العنف أو في عناوين أخرى لها علاقة بخارطة إقليمية.
هذه القوة تدرك وإلى حد بعيد بأن أميركا غير قادرة على أن تشملها بخارطة تفاهمات قادمة فذهبت لتؤسس خارطة لذاتها مع كيان الاحتلال، والإعلام يتحدث عن اجتماع في الساعات الأخيرة لهذا وهو ليس الإجتماع الأول بل هناك العشرات أمثاله حصلت في الأردن وغيرها ودرست إستراتيجية رسم خارطة سياسية للإقليم تكون “إسرائيل” أساسية فيها من أجل مواجهة الفراغ الذي يمكن أن تحدثه الولايات المتحدة على مستوى الإقليم.
كأنكم تفصلون ما بين الأميركي والإسرائيلي في المصالح؛ هل يمكن أن يكون هناك خارطة مصالح سياسية تجمع هذا الإقليم مع الكيان الصهيوني بغض النظر عن الإدارة الأميركية؟
نحن نخطئ عندما نقول مَن يؤثر على مَن، للأسف الكثير من الباحثين ضاعوا في هذه المتاهة، فالمسألة ليست كذلك، ليس المؤثر دائماً الولايات المتحدة الأميركية والمتأثرة هي “إسرائيل”. هناك علاقة تبادلية فأميركا تمتلك عناصر قوة في التأثير على “إسرائيل” كذلك “إسرائيل” تمتلك عناصر قوة للتأثير على الولايات المتحدة في مجموعة من الأمور، لذلك القضية ليست مَن يؤثر بل يجب الإنتباه إلى أن الولايات المتحدة الآن لن تتخلى عن “إسرائيل” بل الولايات المتحدة ستمرّر صفقة كبيرة على مستوى الإقليم تصبّ في مصلحة هذا الكيان.
ما هي معالم هذه الصفقة؟
لنلاحظ أولاً صمت “حماس” في هذه الفترة وصمت قيادييها لجهة أي عنوان على مستوى الإقليم، وما يحصل أن الأميركي سيقدم رشوة كبرى لكيان الاحتلال من خلال دور تلعبه استخبارات عربية لتوقيع اتفاق بين “حماس” والسلطة الفلسطينية، ويُقدَّم على أنه إنجاز خلّاق لجهة المصالحة الفلسطينية، لكنه في حقيقته إتفاق ترعاه الولايات المتحدة لسحب الذريعة من يد حلف المقاومة كي لا يتدخل في الشأن الفلسطيني لأن الأميركي ذاهب إلى إتفاق نووي وخارطة قادمة على المستوى الإقليمي، ولن يُبقي بالقضية الفلسطينية ذريعة بيد حلف المقاومة؛ لأنه في ظن الولايات المتحدة يمكن إسقاط هذه الذريعة من خلال سحب “حماس” إلى موقع السلطة وتقديم هذا الأمر على أنه إنجاز عربي خلّاق لجهة توحيد الجبهة الفلسطينية. والحديث لا يتم عن هذه الصفقة لأن هذا دور المخابرات والسياسيين حيث يعطون فسحة. هناك تواصل استخباراتي بين أنظمة عربية واستخبارات غربية إسرائيلية أميركية وقيادات من “حماس” تحديداً وهم غير موجودون في الداخل من أجل تمرير هذه الصفقة.
تحدثتم عن إرادة أميركية في فض الإشتباك القائم في سوريا، لكن أوباما في “قمته” مع عرب الخليج تحدث عن حل سياسي في سوريا لكنه لن يكون في عهده؛ هل نفهم بأن زمن الحرب مفتوح؟
الأساسية الرئيسية التي حضر من خلالها مجلس التعاون إلى “كامب ديفيد” هو مستقبل الخليج بعد الإتفاق النووي. وما من أحد تحدّث عن شكل الخليج القادم للإعلام. وعندما حضر مجلس التعاون إلى القمة كان هناك إعلام أميركي يغطيهم ويقول بأن المجلس سوف يضغط على الكونغرس الأميركي من أجل الوقوف ضد أوباما في الإتفاق النووي، وكان أغلب قادة الخليج يتحدث عن الضرر الذي سيلحق بمصلحة الخليج على مستوى المنطقة جرّاء هذا الإتفاق. لكن الذي جرى أنه وبعد نهاية الإجتماع وقف تميم قطر ليقول “نرحب بالإتفاق النووي”، لأن الأميركي أفهم قادة دول الخليج أن “أميركا” وصلت إلى حائط مسدود والاستمرار يعني أن تخسر ويخسر الخليج معها، والأفضل التأسيس لإتفاق نووي والتفاهم مع الإيراني حول المنطقة، ومن الطبيعي أن يكون حديث أوباما عن سوريا والحل السياسي الذي لن يكون في عهده لأن هناك أدوات على الأرض سوف تنهار إذا قال غير ذلك، والأميركي يريد أن يحافظ على أدواته المسلحة ريثما ينتهي من رسم خرائطه، لذلك نقول إن كلام الأميركي لا يؤخذ منه إلا جزء يسير، فجزء للداخل، وجزء للحلفاء، وجزء للأدوات.
تحدثتم عن مستقبل الخليج بعد “الكامب” هل يمكن تخيّل خريطة الخليج التي تسعى إليها الإدارة الأميركية؟
الخليج من خلال مجلس حكامه في تقديري عبارة عن أدوات تستعمل لحماية مصالح ومشاريع كبرى سواء بريطانية أو أميركية، وورطة الخليج أنه طوّر دوره الوظيفي لدرجة لم تستطع بعدها الولايات المتحدة الأميركية أن تتبنّى هذا النموذج من الأنظمة للإبقاء على علاقة طيبة فيما بينها، والأساس كان الصمود السوري. فدول الخليج هي مَن دعمت وأوجدت وسلحت أدوات العدوان على سوريا، فأنظمة الخليج كشفت عن وجهها الحقيقي لذلك لاحظنا مساحات هائلة وكبيرة من الإرهاب وجز الرؤوس والقتل وغيرها، وهذه ما كان يمكن أن تظهر لولا الصمود السوري، فلو كانت السلطة السورية قد سقطت، ما كان هؤلاء قد ظهروا بهذه الطريقة الفجة والعلنية والمكشوفة.
وما يجري في ليبيا هو ذاته ما يجري في سوريا لكن سقوط الدولة الليبية السريع لم يمكّنها من تظهير حقيقة الإرهاب الموجود، وفرادة السوريين بقيادتهم أنهم استطاعوا تظهير حقيقة الحاصل في سوريا، فلذلك مساحات كبيرة من الإرهاب انكشفت ورد الإرهاب إلى جذره الحقيقي الذي وراءه مجموعة من الأفكار على رأسها الوهابية، والنظام الذي يمثلها هو السعودية، وهذا النموذج انكشف وليس من مصلحة الإدارة الأميركية الدفاع عنه، ولا يمكن لمن يخوض الإنتخابات في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً أن يضع من ضمن برنامجه الانتخابي توثيق العلاقات مع السعودية التي تمثّل نموذجاً إرهابياً في المنطقة، أصبح هناك رأي عام دافع باتجاه تغيير هذا النموذج ليس حباً ولا أخلاقية من أميركا بل هو الواقع والمصالح.
كيف يمكن تجاوز هذا النموذج؟ هل التقسيم هو البديل؟
بل أكثر من التقسيم بتقديري هناك تشظٍ سيطال الخليج بمعنى الإبقاء على الدور الوظيفي لهذه الأنظمة، سيبقون نواطير كاز وغاز ولكن ليس وفق النموذج الحالي. بتقديري أميركا ذاهبة لضرب البنية الخليجية من داخلها لتجاوز النموذج الذي كان حاضراً.
نتحدث عما تريده الإدارة الأميركية وما هي ذاهبة لفعله كأنه أمر محتوم؛ أليس هذا استلاب كلي للشعب العربي في شبه الجزيرة العربية؟
أنا لا أؤمن بحركة الشعوب، الشعوب غير قادرة على الحركة ولتتحرك هي تحتاج إلى نخب وأعني بهم القيادات الفنية والفكرية والسياسية، لأن النخب هي التي تحرك الشعوب. فما يسمى بالشعب السعودي الذي يصفق لـ “عاصفة الحزم” والملك وأولاده، هذا الشعب نفسه إذا خرج الآن ناصر بن سعيد أو مَن يحاكيه تاريخياً وقاد هذا الشعب سنرى هذا الشعب يحمل على الملوك والأمراء، وإذا ما تقدمته نخب تضعه في حقيقة ما يحدث سيسير خلفها. ومثال ذلك أبناء الجنوب السوري حوران في عامي 67 و73 حيث شكّلوا حليفاً وظهيراً للقوات المسلحة السورية وأقاموا ما يسمى وقتها بالجيش الشعبي وكانوا في حرب تشرين يرقصون على أسطح المنازل، ولم يتحدث أحد منهم عن نظام طائفي أو حزب بعينه يقود المجتمع والدولة، وعندما هدّدت تركيا في الثمانينات بدخول سوريا أكثر الأصوات التي “انتخت” وعلت هي من الجنوب السوري…
ما الذي تغير على هذا الجنوب السوري!؟
اليوم، هناك نخب خرجت من هذا الجنوب ولُعب عليها بشكل أو بآخر من خلال عناوين طائفية ومذهبية وتمّ اختطافها فتغيّرت بوصلة هذا الجنوب.
تحدثتم عن صفقة تعمل عليها الإدارة الأميركية لسحب الذريعة من حلف المقاومة وإبعادها عن القضية الفلسطينية، هل يمكن أن توافق إيران مقابل الإتفاق النووي؟
إذا وافق الشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني على أي عنوان هو يرتأيه، وإيران لن تضغط على هذا الشعب بما يخالف إرادته، ونحن كمثقفين ونخب وشعب في إيران وسوريا لا نملي على أي شعب ما نريده، وإذا بقيت مجموعة من الفلسطينيين تنادي بعناوين ذات صلة بحق العودة؛ عودة كامل التراب الفلسطيني؛ فنحن مع هذه المجموعة.
من هنا، علاقتنا مع القضية الفلسطينية ليست حسابات سياسية وإنما هي علاقة حق وباطل، وطالما هناك فلسطيني واحد ينادي بحق العودة وثوابت الشعب الفلسطيني فنحن منحازون له.
بالعودة لـ “حماس” دمشق كلام الرئيس بشار الأسد واضح؛ العلاقة مع “حماس” ماتت، كيف نفسر تمسك إيران بعلاقتها مع “حماس”؟
يجب التفريق بين مستويين في “حماس”، بالأصح “حماس” لها رٍأسين، رأس سياسي وآخر عسكري، والرٍأس العسكري هو عبارة عن خارطة عسكرية وأمنية وتعنى بالسلاح والتدريب ومن المستحيل أن يشرف على هذا الجزء من “حماس” أردوغان ومملكة آل سعود، هناك جزئية لم ينتبهوا لها تقول بأن هذا الرأس العسكري مشرف عليه حلف المقاومة. أما جزئية الرأس السياسي كخالد مشعل، استطاع نظام قطر وأردوغان اختطافه ليس تحت عنوان القضية الفلسطينية بل تحت عنوان إيديولوجي أي الإخوان المسلمين. دخول الرأس السياسي تحت هذا العنوان يعني أن ثمة تناقض بينه وبين النظام في سوريا، وبعد تراكم عنصر الزمن والفصل الحاد الذي حصل في خارطة الإقليم والنظرة التي تقول بأن الإخوان سيتواجدون على مستوى المنطقة بعدما اختطفوا مصر بشكل أو بآخر، تكرّست حالة القطيعة بين الرأس السياسي لـ “حماس” وحلف المقاومة الذي أبقى على تواصله مع الرأس العسكري لأنه لا يريد الهزيمة له، ونتيجة لتفكير استراتيجي معين يرى حلفاء سوريا أنه لا بد من هزيمة المشروع الذي ينتمي إليه الرأس السياسي، وعندها يمكن استعادة “حماس”.
وما أريده هو استعمال “حماس” في مواجهة العدو الصهيوني نتيجة جملة من العوامل لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني. أنا لا أحب مشعل ولا أريد رؤيته في سوريا لكن إذا استطعت أن أخطف “حماس” من يد الطرف الآخر أو إن استطاع حليفي في المقاومة أن يسيّرها بشكل أو بآخر ويعيد اصطفافها فليكن؛ لكن على المستوى الوجداني قيادة “حماس” السياسية متورطة بدماء السوريين ولا أستطيع رؤيتها.
ماذا عن العلاقة الإيرانية بتركيا وثمة آراء تتساءل أين هو الحليف الإيراني في مواجهة ما يحصل في سوريا بدعم تركي صريح للمجموعات الإرهابية؟
أولا يجب أن نفرّق بين تركيا وأردوغان. وعندما نقيم علاقات فنحن نقيمها مع الدولة والشعب التركي ومؤسساته، وهذه العلاقة نستفيد منها كما يستفيد منها التركي. الإختلافات موجودة على جملة من العناوين من بينها الملف السوري. لسنا نحن السوريون مَن سيهزم أردوغان أو نعدمه بعد فترة من الزمن، بل الأتراك أنفسهم وعلينا تظهير هذا الشيء بأن لا نتواجه مع الشعب التركي، الحلفاء يقيمون علاقات طيبة مع الدولة والمؤسسات التركية ويبقون على حالة الشذوذ الأردوغاني وتظهيره على حقيقته، والتعامل مع الشعب التركي على أنه شعب صديق وشقيق وتحكمنا الثقافة والتاريخ والدين بالمحافظة على هذه المصالح، وانطلاقاً من هذا المنطق نهزم أردوغان، أما الطلاق مع تركيا دولة وشعباً ومؤسسات وقطيعتها، سيوظفه أردوغان في مشروعه السياسي العدواني تجاه المنطقة.
نحن لا نتحدث عن قطع علاقات مع الشعب التركي لكن هناك موقف يريده الشعب السوري من الحلفاء خاصة بعد الهجمات الأخيرة وبرعاية تركية صريحة؟
أكبر موقف أن نرى كل عشرة أيام مسؤول إيراني في دمشق وكل ثلاثة أو أربعة أعوام أرى هذا المسؤول في أنقرة، وأكبر موقف أن يكون هناك كل عشر ساعات تصريح إيراني بالوقوف إلى جانب سوريا ويخطّئ أردوغان وسياسته. هذه هي السياسة، فهي ليست قائمة على فعل ورد فعل، بل كيف يمكن تأمين الغطاء السياسي لموقف أو عمل ما، وكيف يمكن أن لا أعطي قوة إضافية لمن أدير معه اشتباكاً في السياسة.
الحلف التركي – السعودي – القطري إلى أين؟
هذا الحلف كان يمكن أن يحكم المنطقة وكان من الممكن أن يكون أساسياً ورئيسياً، ونكون نحن سوريا وحلف المقاومة في مكان مختلف تماما، لو أن سوريا سقطت، ولو أن إخوان مصر لم يسقطوا، هنا سيتآلف الإخوان مع المنظومة الملكية على مستوى العالم العربي ويديرون المنطقة. لكن مجرد صمود سوريا يعني أن الحلف الذي تشكل في مواجهتها بلحظة من اللحظات يتفكك ويتصدّع.
أين دور النخب على صعيد الأزمات في المنطقة؟
في كل المجتمعات البشرية يوجد نخب، وهي أما معطلة أو مغيبة أو يؤخذ برأيها. في الحالة المصرية النخب محيّدة تحييداً مطلقاً. فعندما نسمع بتوجيه دعوة من السيد حسن للكاتب حسنين هيكل ومجالسته لساعات طويلة واستمزاجه بمجوعة من الأفكار، نتساءل بالمقابل هل يقرأ أو يصغي الرئيس المصري لما يقوله هيكل؟. مثالاً آخر، الرئيس بشار الأسد كان على تواصل مع هيكل في أكثر من محطة وأصغى له في أكثر من موقف. لا يعيب الزعماء والقادة عندما ينصتون للمثقفين، وإذا جمعنا جملة الأفكار التي قالها المثقفون السوريون خلال الأربع سنوات الماضية ونحاكيها مع ما قاله الرئيس بشار الأسد نجدها وإلى حد بعيد متطابقة في كثير من الحيثيات، لنقارن بين ما يقوله المثقف المصري وما تقوله السلطة المصرية، سنجد هناك تباعداً كبيراً.
لذلك، قادرٌ مَن هو في رأس السلطة أن يحيّد كل كلام المثقفين والنخب التي نتحدث عنها، وقادر أن يستعين بها بشكل غير مباشر.
المنطقة تشهد جملة من اللقاءات من بينها وبعد تباعد زمني عادت الإدارة الأميركية لتجتمع مع الروس كيف يمكن قراءة هذه اللقاءات وكيف يمكن أن تنعكس على الواقع السوري؟
هناك مجموعة من اللقاءات بين الأميركي والروسي فوق الطاولة وتحت الطاولة وهم يصدران للإعلام غير ما يتمّ الإتفاق عليه، لأن هذه قوى كبرى وليست بكل أسف لبنان أو الأردن. وبالتالي لديهم ملفات على مستوى العالم يدرسانها كل ملف على حدة، ولا تتداخل الملفات مع بعضها البعض، الأميركي والروسي لا يتخاصمان من أجل سوريا مثلاً، لكن الصمود السوري يستفيد منه الروسي، لكن لو انهارت سوريا منذ الأيام الأولى سيتقاسم سوريا مع الأميركي وربما كان يحاول معه للحفاظ على قاعدة طرطوس مثلاً، أو ربما كان يفاوض الأميركي على بضعة أمتار؛ وبما أن سوريا لم تهزم، هذا عزّز أوراق التفاوض الروسي.
فبالمحصلة هناك اتفاق روسي – أميركي على مستوى الإقليم تحدّد معالمه من خلال جملة من الملفات والملف السوري أساسي في هذه المعالم.
الحل السياسي يتطلب حواراً بين الأطراف السورية، تسريبات عن جنيف 3 وقبلها كان حوار موسكو 1 و2، بصراحة هل تنتهي الحرب السورية بحوار؟!
أعتقد بأن مقولة الحل السياسي، وهذا عنوان تمّ الإشتغال عليه لضرب مقولة إسقاط الدولة السورية، يعني هناك حل عسكري ولصالح الدولة السورية أن يكون هناك حل سياسي. الشيء الذي كنت أتابعه وأعترض عليه كمثقف طبعاً، أن هناك عدواناً خارجياً فلماذا الحديث عن حل سياسي، وبين مَن ومَن، بين السوريين؟ نعم هناك اختلاف في بعض القضايا ولكنه ليس لدرجة أن يتم طلب التدخل الخارجي لفرض الحل السياسي بين المكون السوري. ولو أتينا مثلاً بكل المعترضين السوريين واجتمعنا وتحاورنا، هل سيتوقف العدوان وينتهي التدخل الإقليمي؟ بالتأكيد لا، لذا باعتقادي أن الدولة السورية وضعت منذ اللحظة الأولى بديلاً للحل العسكري وهو الحل السياسي.
أما اليوم الأمر مختلف، وباعتقادي أن في جعبة الدولة السورية مجموعة من العناوين التي سوف تتجاوز الحل السياسي.
ما هي هذه العناوين التي ستتجاوز الحل السياسي؟
هناك شيء غير منطقي في مشهد العدوان، ومن الطبيعي كدولة أن أصد هذا العدوان وأدافع عن وجودي. المعتدي استطاع خلق مناخ وبيئة في ظل هذا العداون وتقوية بعض المعارضين وجعلهم يعوّلون على هذا العدوان، وتخيلوا أي المعترضين أن بإمكانهم الإملاء على النظام خارطة سلطة جديدة. أعتقد أن الدولة السورية في مواجهتها لأطراف العدوان من خلال أدواته على الأرض والمشاغلة بعنوان الحل السياسي تسعى لشيء آخر، وأميركا حسمت وعلمت أن الدولة السورية غير آيلة للسقوط لكنها تحتاج لسيناريو إخراج لفض الاشتباك وتحتاج لمساحة من الزمن لبعض المعالجات.
حوار: هدى مطر
مكتب دمشق