قد تشمئز من الاسم المجرد أول ما يطرق سمعك (زبالة)، فكيف إذا ارتبط بشراب ما “مشروب زبالة”؟!، لكنك ما أن تتذوقه حتى تصبح من المدمنين عليه، ولاتستغرب ذلك فقد سبقك إليه الرؤساء والزعماء ورؤساء الوزارات وكبار الأدباء والمثقفين، حتى صار علامة فارقة لمدينة بغداد، فما تُذكر عاصمة الرشيد حتى يُذكر معها شربت زبيب “حجي زبالة”؟
هذا في بغداد امام في لبنان فللزبالة طعم آخر وهو الممزوج بعصير الفساد الذي تفوح منه رائحة كريهة تشبه كثيرا رائحة هؤلاء المتربعين على كراسيهم في قلعة باتت مهددة بالسقوط .
منذ ايام تتراكم القمامة والنفايات في مختلف أحياء وساحات وأزقة المدن والمناطق اللبنانية دون استثناء ، ولأن زمن الأعذار ولّى فقد ولت معها ايضا عبارات التغاضي والتقصير واللامبالاة التي تتعامل بها الحكومات المتعاقبة مع ملف النفايات وتحديدا مع شركة “سوكلين” التي استمرت طوال أحد عشر عاماً (1994 ــ 2005)، في العمل من دون أي محاسبة أو اعتراض سياسي، على الرغم من ارتفاع الكلفة على دافعي الضرائب اللبنانيين والتي بلغت نحو 128 مليون دولار سنويا،هذا فضلا عن ارتفاع الكلفة البيئية، فعلى الرغم من أن 50 في المائة من نفايات لبنان عضوية، أي قابلة للمعالجة، و39 في المائة مواد بلاستيكية وورق وحديد وزجاج، أي قابلة لإعادة التدوير، وذلك بحسب تقرير مجلس الإنماء والإعمار، فإن معظم هذه النفايات حوّل للطمر بدل المعالجة.
بعد عام 2005، بدأت تعلو أصوات الاعتراض على “سوكلين”، خصوصاً مع احتدام النقاش السياسي الداخلي. لم يكن تمديد عقود الشركة سهلاً عام 2011، لكنه حصل ومُددت العقود. وفي نهاية العام 2014، بدأ مجلس الوزراء اللبناني يُناقش خطة بديلة للنفايات أقرت في بداية عام 2015. جوهر هذه الخطة، إيجاد نماذج عدّة من “سوكلين” بدل حلّ أزمة النفايات. فشلت الخطة الجديدة، بسبب رفض البلديات استقبال مطامر جديدة. فثقة المواطن اللبناني في السلطة السياسيّة والإدارة التنفيذية معدومة. يُدرك اللبنانيون، أن المطمر يعني تحوّل مناطقهم لمكب جديد للنفايات.
في زمن اللا معقول يصبح المواطن اللبناني عاجزا تماما عن مواجهة ظروفه المعيشية واحتياجاته التي هي حق أصيل من حقوق الإنسان والكل يعلم تماما ما هي تلك الاحتياجات وبكل بساطه هى عباره عن (مأكل مشرب ملبس) . ولكن حينما لا يوجد المأكل ويصبح المشرب ملوث تماما أو غير موجود فى الأساس ويصبح الملبس أحيانا أغلى من المعادن النفيثه، وتصبح شوارعنا واحياءنا ملوّثة بالنفايات ، عندها لا نستطيع فيه السكوت فقد مضى زمن تكميم الافواه للأبد فهذا هو الوقت الذي لا نتحدث فيه فقط ولكن نتحدث ونعمل ايضا وهذا الامر ليس على عاتق الحكومه وحدها بل كل مواطن مسؤول وعليه واجب وطني بالمبادرة من أجل التغيير قبل أن تغوص السفينه فى الوحل الى الأبد. ولبعض المسؤولين عندنا الذين يريدون تغيير المنطقة كلها ونشر الديمقراطية فيها نقول عليكم اولا اصلاح الامتار القليلة التي تقفون عليها بعد ان حولتم قضية الوطن الى قضية زبالة ونفايات على حساب القضايا الاخرى مثل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتفعيل عمل المؤسسات واجراء التعيينات الامنية والعسكرية وتمتين الشعور بالعدالة والمساواة وتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والمعيشي للبنانيين .
بالفعل لقد باتت زبالتكم تفوح منها رائحة الصفقات والسمسرات وروائح العبث بأمن المواطن حتى وصل الامر بكم الى طمر المواطن بقذاراتكم على حساب صحته وحياته وامنه الشخصي.
في الدول المتحضرة تتحول النفايات الى “نعمة” ان على صعيد توليد الطاقة الكهلابائية او غيرها من المنافع الاخرى ، كما حصل مع الفنان “جريجوري كولين” من مدينة “أوكلاند ” الذي قضى الصيف مقيماً في حاوية قمامة كان قد حولها لمنزل يحتوي على طاولة فخمة من مادة الجرانيت وأرضية من الخشب الصلب وشرفة على السطح بها موقد للشواء.
وقد قام لاحقاً بإهداء هذا المنزل لشخص متسول بلا مأوى في الحي الذي يسكن به، هذا المنزل معروف باسم “منزل المشرد الصغير” وهو بحجم الكنبة المزودجة فقط! ولكن مزودة بسقف لتحميك من الشمس أو المطر، وبعجلات ليسهل عليك التنقل به.
اما في لبنان فقد اصبحت النفايات “نقمة ” بعد ان رفض الممسكون برقاب اللبنانيين الاتفاق على مشروع يؤمن محرقة زبالة أو فرز زبالة لأن كلا منهم يريد حصته “المشروعة” من مردود الزبالة، حتى اصبح لبنان بالفعل اخضر ولكن ليس بأرزه المنتشر على سفوحه وجباله وانما بلون عبوات النفايات المنتشرة على جوانب الطرقات .