يسجّل التاريخ وبعظمته إنتصار إيران، إنتصار الحق، وكم هو جميل هذا الحصاد، إنه عصر جديد يسجل لصالح القضايا العادلة، فلم تذهب التضحيات دون مقابل عظيم.
إيران اليوم تنتزع حقوقها النووية وباعتراف العالم أجمع، إنها جدارة الحياة والتموضع في صدارة المشهد الدولي والإقليمي.
إيران قوة نووية وبأبعاد دولية، ضربت مثالاً لكل الشعوب التواقة الى فجر جديد في مواجهة جبروت القوة والإستكبار العالمي. ولقد أثبتت الأحداث صحة الحسابات الإيرانية التي عبّرت عنها مواقف قيادتها الحكيمة والشجاعة، تمّ توقيع الإتفاق والإعتراف بإيران قوة نووية مسؤولة من قبل دول 5+1، وهذا يعني تخلي الولايات المتحدة عن كل أدوات تأثيرها وحصارها وعقوباتها بعد أن استمرّت إيران في ثباتها ومقاومتها وخياراتها وكل المبادئ التي أصبحت معلماً وأسلوباً نضالياً مميزاً ومهما كانت العوائق والصعوبات.
لم تفلح التهديدات الأميركية ومًن يدور في فلكها من حرف إيران عن مسارها وتمسكها بكامل حقوقها النووية، وأثبتت أنها قادرة على تحقيق الإنتصارات العظيمة.
تمّ توقيع الإتفاق مع دول 5+1 يوم 14 تموز 2015، وإيران تتحضر لأن تكون الشريك الشرق أوسطي القوي في المنطقة ومعادلة جديدة يتم تدشينها في علاقاتها مع الدول الكبرى التي تتصدر المشهد الإقتصادي في العالم.
وأصبح واضحاً مدى الإندفاع الأميركي للقبول بإيران قوة إقليمية هامة ووازنة في المنطقة وفعالة في الحسابات الدولية، ونحن اليوم أمام مرحلة استراتيجية جديدة وحدث تاريخي سيؤسس للمراحل اللاحقة، وأمام اعتراف أميركي ودولي بإيران كرقم أساسي في المعادلات الناظمة لأي تطور فاعل في مشهد المنطقة وفي معادلاتها السياسية والاقتصادية، وهذا يعني الكثير، وبأن أميركا قررت المهادنة ورفض المواجهات الخاسرة واختارت العودة الى لغة العقل والمصالح، وطريق الصواب والرؤية الأبعد، وبترتيب جديد للأولويات والإستفادة من تجارب العقود الماضية.
دخلت إيران النادي النووي من أوسع أبوابه وما يحصل يمثل تحولات جذرية تستحق استراتيجيات جدية بعيدة المدى، إنها صفحة أمل جديدة ولحظة تاريخية كما وصفها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، وتمهد الطريق أمام فصل جديد في العلاقات الدولية كما وصفته وزيرة خارجية دول الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.
وفي صلب الإتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، هناك إقرار واضح بالخطوط الحمراء التي أعلنها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، حيث ستستمر المنشآت النووية الإيرانية بالعمل بمقتضى الإتفاق الذي جرى التوصل إليه، وتوقيع إتفاقاً تاريخياً في فيينا (النمسا) يلغي العقوبات مع سريانه ويسمح بزيارة المواقع العسكرية لا تفتيشها، وفي التداعيات، الإتفاق ينقل المعركة الى ساحة الولايات المتحدة ودول الغرب و”إسرائيل”، لذلك هدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما كل مَن يقف ضد الإتفاق من الجمهوريين في بلاده باستخدام صلاحية “الفيتو”.
وفي حساب الأرباح الإستراتيجية يسجّل هذا الإتفاق إنتصاراً كبيراً لمحور المقاومة بكافة أركانه، ولسوريا الصامدة والمقاومة ورأس الحربة في مواجهة المشاريع التي تستهدف المنطقة ونصر عظيم للمقاومة البطولية التي يمثلها “حزب الله” وبكافة أبعادها دفاعاً عن الأمة وإعلاء للحق ومواجهة القوى العاتية التي تمثلها “إسرائيل” ومَن معها ومَن يشاركها من قوى التيه والخسران في المنطقة والعالم.
إن مسارعة إيران في دعوتها الأخوة العرب لمواجهة التحديات المشتركة والماثلة في المنطقة، هي دعوة صادقة وصريحة وصائبة من أجل عملية مراجعة جريئة هدفها توحيد طاقات الأمة خدمة لقضاياها، وهذا ما أكّد عليه أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن روسيا ستبذل كل جهدها لتفعيل طاقات هذا الإتفاق، وهذا ما دفع وزير الخارجية الألماني فرانك فالترشتاينماير لإنتقاد معارضة “إسرائيل” للإتفاق، وقال إن الإتفاق يساهم بنشر الأمن في الشرق الأوسط، وبشكل عام هناك ترحيب دولي بالإتفاق وإجماع على وصفه بالتاريخي والهام وعدم وجوده يعني المزيد من الحروب في الشرق الأوسط.
يحق لإيران ومَن معها الإحتفال بالإنتصار الذي جاء ثمرة للصمود الأسطوري الذي فاجأ الغربيين، اليوم يسقط “الفيتو” الغربي على مشاركة إيران في حل المشاكل الكبرى في المنطقة، وهي اليوم اللاعب الأساسي في تحديد مصير المنطقة بعد أن رجحت الكفة لصالح تحكيم العقل والإستفادة من القدرات الإيرانية في محاربة الإرهاب وحشد الطاقات الإقتصادية في مواجهة الأزمات، مأزق الدول التي راهنت على العدوان هو ما دفع الى هذا المسار.
إنها خطوة في الطريق الصحيح وسيتبعها خطوات أخرى ستحدد معالم طريق جديد من التعاون بين الدول.