من المفترض أن تعقد “القمة” في واشنطن في 13 أيار الجاري وليس في الرياض، ومكان الإنعقاد له مدلولاته وهو رسالة مفادها، أن الولايات المتحدة هي صاحبة المظلة وهي مَن يرسم مسار العلاقات بين الجانبين، والدعوة جاءت من الرئيس باراك أوباما، وما يطمح إليه يتعدى ما عو معلن، من طمأنة لدول الخليج والسعودية بشأن إتفاقه النووي المتوقع مع إيران، لكن مشكلة أولئك كما يدعون “في السياسة التي تحاول واشنطن تدشينها تجاه المنطقة، ويرون فيها تنازلات أميركية قدمها أوباما لتأسيس علاقة مختلفة مع إيران، أي الإعتراف بدور إقليمي لإيران ضمن إطار تفاهم أميركي – إيراني جديد”.
والسؤال الذي يراودهم يتعلق بمدى ما سيقدمه لهم الجانب الأميركي باستثناء وعود بالمزيد من مبيعات الأسلحة ووضعهم في مرتبة حلفاء رئيسيين، أي إتفاق أمني لا يتطلّب موافقة الكونغرس، هذا ما تمّ تداوله ونقلته صحيفة الـ “نيويورك تايمز””، و”بأن هذا الإتفاق يتضمن استعداد واشنطن للدفاع عن دول الخليج في حال تعرضها لتهديد من الخارج، وأن هذا الإتفاق لا يشمل تعرض هذه الدول لتهديد من الداخل”، وهذا يذكرنا بما قاله الرئيس أوباما للصحيفة ذاتها في الخامس من شهر نيسان الماضي: “ربما أكبر الأخطار التي قد تواجهها هذه الدول الخليجية لن تأتي من غزو إيراني، بل من عدم رضا من داخل هذه البلدان”، وأوباما كان واضحاً حول ضرورة التمييز بين الأنشطة الإرهابية التي قد تواجهها هذه البلدان، وما يعتبره من ممارسات قمعية من ناحية أخرى، أي التخويف من ارتدادات الإرهاب على تلك الأنظمة. وهذا يعني بأن أميركا ملتزمة بأمن دول الخليج، لكنها تنتظر مقاربة مختلفة للسياسات الداخلية لهذه الدول، وتدور حالة من الجدل في هذه البلدان ولسان حالهم يقول بأن الرئيس أوباما سلم بدور إقليمي لإيران في المنطقة وسيأخذ الأمر مساراً تصاعدياً، ولكنهم لا يملكون القدرة على الربط بين السبب والنتيجة، وما الذي جعل إيران بهذه القدرات ولاعباً أساسياً في المنطقة، وأصبحت تؤثر في التوازنات الإقليمية والدولية، وهي دولة مؤسسات تتعامل بندية عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية ومصالح الأمة من خلال رؤية واضحة أثبتت صحتها وجدواها.
لم تكن “عاصفة الحزم” كما يدعي أصحابها “أنها هدفت لإعادة التوازنات في المنطقة، بداية في اليمن ومن ثم الى أماكن أخرى وكإخراج للنفوذ الإيراني المزعوم”، بقدر ما كان بحثاً عن دور ضائع، وهي ستحاول استجداء هذا الدور من على موائد قمة كامب ديفيد القادمة في واشنطن، وفي الشكل ستتحدّث الدول عن الحل السياسي في اليمن وهو حل يمني صرف كما تدعي، ولكنها من الناحية العملية تجعل من الرياض مكاناً لإقامة “حكومة عبد ربه منصور هادي” الهارب، وهي تدعي بدعم “المعارضة” في سوريا حتى تتمكّن من تعديل الموازين على الأرض، وهي (السعودية) تسعى جاهدة لتشكيل تحالف إقليمي آخر على وزن “عاصفة الحزم” خليجي – تركي.
وفي كامب ديفيد الجديد في واشنطن ستحاول تلك “الدول” وضع سوريا على قائمة مفاوضاتهم مع حليفهم الأميركي المفترض، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأميركي أوباما بالنص: “هناك رغبة كبيرة في أن تفعل الولايات المتحدة شيئاً في سوريا، لكن السؤال، لماذا لا يكون لدينا عرب يقاتلون هناك؟”.
وحسب فهمهم في دول الخليج، إن ما قاله أوباما هو اعتراف بأن الحل السياسي المطلوب يبدأ بخيار عسكري يفرض ضرورة هذا الحل على الجميع.
نقول إن خطورة ما يجري في المنطقة، جعلت أوباما يبلع تهديداته بضرب سوريا في السابق، وتبنى سياسة تتوافق مع مصالحه وبأقل ما يمكن من الخسائر، وهو بذلك يضع تلك الدول التائهة أمام خيارات محددة مثل استنزاف لمواردها وجعلها رهينة القلق الدائم وتحويلها الى مجرد مكونات تابعة، أما أنابيب النفط والغاز ستظل محمية من الجانب الأميركي وباقي الدول الإستعمارية المشاركة وشأنها في ذلك شأن القواعد المقامة على أراضيها، ولاحقاً إقامة درع صاروخية على نفقة تلك الدول.
نقول، إذا كانت كامب ديفيد الأولى أخرجت مصر من ساحة الصراع وكانت ضربة قاسية للأمن القومي العربي، وأعقبها حروب شُنت على عدد من الدول العربية المتمسكة بخياراتها وثوابتها الوطنية والقومية والخاسر الأكبر كانت القضية الفلسطينية، فإن كامب ديفيد الثانية ستجعل من تلك الدول التابعة مجرد أدوات لتنفيذ السياسات الأميركية في المنطقة الى أجل غير مسمى وبما يضمن استمرار المشاريع التي تستهدف تقسيم بلداننا ونهب خيراتها، وتأمين ظروف جديدة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال العودة الى رعاية أميركية جديدة للمفاوضات التي تعني المزيد من الإستيطان الصهيوني على أرض فلسطين وفرض وقائع جديدة.
ما ذكرناه من باب الفرضيات وتوصيف لما يجري على ساحة الصراع ودور الدول التابعة للسياسة الأميركية في المنطقة، لكن حسابات الحقل لن تتطابق مع حسابات البيدر، لأن النصر في النهاية سيكون من نصيب القضايا النظيفة والعادلة، أما ما بني على الظلم والعدوان والإرتهان لمشيئة اللحظة الراهنة سيكون مصيره الفشل الحتمي.