كل مَن راهن في الماضي والحاضر على السياسة الأميركية، بدأ في موسم الحصاد مبكراً وخاصة أولئك الذين سلموا أوراقهم بالكامل لواشنطن، وفي تداعيات الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق مَن دفع ثمنه هم حلفاء واشنطن، وطريقة دفع الثمن جاءت على أشكال مختلفة مادية ومعنوية أي استنزاف مالي ويأس وإحباط وأزمات متتالية بدأت ولن تنتهي.
وفشلت السياسة الأميركية عندما لم تتمكن من الإنتصار على إيران من خلال الحروب التي شنّتها بالواسطة مستخدمة البعض بأسلحتهم والبعض الآخر بأمواله وارتهانه للمشاريع الأميركية في المنطقة.
وفشلت واشنطن مرة أخرى عندما لجأت الى “الإحتواء المزدوج” وفرضت حصاراً اقتصادياً على إيران والعراق معاً على أمل تحقيق أهداف سياسية، وفي حين تمّ اجتياح العراق وتدمير كل قواه الذاتية بمباركة حلفاء واشنطن وعلى حساب ثروات الأمة وتركه فريسة الفوضى والخراب والإنقسام المذهبي والطائفي والأمني والهدف كان إضعافه وإسقاطه من معادلات الصراع في المنطقة وتأمين الأمن للكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
وإيران بقيت سدّاً منيعاً وثبت بأن كل الأساليب لم تنجح في إجبارها على السير في الخطى الأميركية وبقيت بوصلتها تشير الى إتجاه طبيعي ألا وهو تعزيز قدراتها في مواجهة قوى الإستكبار العالمي وهي التي تمكّنت وبحكمة قادتها من السير على خطى ثوابتها ومصالح شعبها بعيداً عن الإنخراط في دهاليز التودد الى أصحاب المشاريع الإستعمارية، بل ذهبت بعيداً في فضح تلك الأساليب وحاربتها دون هوادة واستطاعت فرض حضورها في الإقليم كرقم صعب في معادلات المنطقة واستطاعت بذلك العبور الى بر الأمان وتعزيز قدراتها الذاتية.
واللافت بأن “عرب” أميركا الذين ساهموا في الوقيعة ما بين العراق وإيران وبتخطيط أميركي، ما لبثوا بعد حرب الخليج الأولى الى الإنقلاب على العراق وساهموا في تمزيقه من خلال وقوفهم الى جانب الغزو الأميركي ضده (العراق)، حيث تمّ فرض عزلة مالية واجتماعية على العراق قبل الغزو وما بعده ولكن باختلاف الذرائع، وتوهموا بأنهم خرجوا منتصرين وبأن باستطاعتهم فرض الشروط على المحيط، وهم بذلك ساهموا في وضع الأسس لتقسيم العراق من خلال إعطاء الأكراد “استقلالاً” لا ينقصه إلا الإعلان رسمياً، ما شكّل سابقة بالنسبة لمناطق أخرى ونذكر هنا مشروع “جو بايدن” لتقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم، لكن “عرب” أميركا دفعوا الثمن مرتين ودخلوا في استنزاف لم ولن يتوقف من خلال إرتباطهم بالمشاريع الهدامة في المنطقة.
و”عرب” أميركا يحدثونك اليوم عن أفغانستان “وأجواء الإنتصار التي امتدّت الى الرياض عشية خروج القوات السوفياتية آنذاك شباط 1989 ومن ثمّ فتح كابول عام 1992، وبأن رجال الإستخبارات السعودية والباكستانية وقيادات “الإخوان” الذين توافدوا على “كابول” ورغم نفوذهم الواسع هناك لم يتمكّنوا من تقريب وجهات النظر بين الأفغان لوضع آلية للإتفاق فيما بينهم بشأن تشكيل حكومة إنتقالية”، والذرائع “بأن الأطراف الإقليمية لم يكن لديها وقت كافٍ لترتيب الوضع ودخلت عندها أفغانستان في أتون حرب أهلية طاحنة لا تزال تدفع ثمنها…!” وهم يزعمون بأنهم حققوا إنتصاراً لم يستثمروه، وحان موسم القطاف في مكان آخر!.
والسؤال الذي تفرضه الوقائع، ما علاقة ما جرى في أفغانستان في الماضي وبأوضاع المنطقة في اللحظة الراهنة؟
يجيب على ذلك بعض الذين يسوّقون للخراب والدمار بقولهم، بأن “السعودية مشغولة باليمن حتى توفر له السلم، والأتراك مشغولون بالإنتخابات التشريعية وهي مصيرية ولا بدّ من إنتصار كاسح كي يعدل أردوغان الدستور وتحويل النظام الى رئاسي”، وما يقال عنهم بأنهم “ثوار” “لن ينتظروا في سوريا وهي فرصة يجب أن تستغل!”، والحديث هنا عن تفاعل سعودي – تركي مع الواقع السوري أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه مجرد أحلام الواهمين والمرتبطين بأجندات استعمارية وهم مَن دخلوا في مستنقع لن يخرجوا منه إلا بهزيمة مدوية، وقد بدأ العد التنازلي، وسوريا ليست وحدها، هي الأمة بأكملها وهي مَن سيغيّر المعادلات في المنطقة الى الأبد، وما جنته أيادي حلفاء واشنطن هو استحقاق سيداهمهم وبالتالي فإن رهانهم على عصابات مستوردة وتحالفهم مع العثمانيين الجدد، لن يكون سوى محطة على طريق سقوط المشاريع الأميركية في المنطقة وأدواتها، وأولئك لم يتعلّموا من دروس التاريخ وما نادى به رواد عصر النهضة ومن ثم عصر المقاومة الذين دافعوا عن عروبتهم ووضعوا حجر الأساس للعبور الى عهد جديد.
نقول، إن مَن يحاول العودة بالتاريخ الى الوراء دون الإستفادة من حكمته، ليس باستطاعته التعلّم وهو بذلك فقد عقله وارتهن لمشاريع الأعداء، وسقطت أوراقه كافة.