نبيل مرعي
في تداعيات الأوضاع الأمنية والأحداث في اليمن، يستمر الصراع في المنطقة بين مشروعين متناقضين، أحدهما يستغل الأوضاع الجديدة التي نشأت قبل أكثر من أربع سنوات من أجل الإستفادة من الوقائع وإبراز دوره في المنطقة من خلال أجندة المشروع الأميركي – الغربي الذي يستهدف المنطقة بأسرها، والمشروع الآخر هو مشروع مقاومة الهيمنة والهجمة التي تشن على المنطقة لتغيير الأوضاع في عدد من الدول العربية لصالح المشروع المسمى الشرق الأوسط الجديد، أما النيران المندلعة في المنطقة فهي مجرد وسيلة لتهيئة البيئة المناسبة لإضعاف الأنظمة القائمة وإعادة تقسيم المنطقة حسب النتائج المتوخاة.
نحن اليوم في ذروة الصراع، واليمن يقع في منطقة استراتيجية هامة، يجعل من هذا البلد محط أنظار وأطماع الدول الإستعمارية وأدواتها في المنطقة.
وأدرك فريق يمني ومكوّن أساسي هو “أنصار الله” ( الحوثيون) بأن المرحلة أصبحت مناسبة لإنتزاع حقوق هُدرت على مدار عقود من الزمن وبالتالي فهم المعادلات الداخلية والخارجية التي غابت عن الدول الخليجية والسعودية وأظهر الإستعداد لهذا التطور.
وبداية اختارت دول جوار اليمن تبني الإستنزاف المتبادل كسياسة، وهذه سياسة خاطئة، لأنها توازي ما أريد للمنطقة من استنزاف وتدمير والإستفادة من النتائج لتحقيق أهداف سياسية واستثمار في خسارة الآخرين.
اليمن ساحة صراع ملتهبة
ويرى مراقبون، أن دول الخليج فوجئت بأحداث اليمن وفي هذا تبرير لحالة العجز وعدم صياغة إستراتيجيا إزاءها، وفي حين تمكّن فريق دولي من الحصول على معلومات مفصلة والقيام بتحليل منطقي وواقعي لإفرازات الحالة اليمنية وتداعياتها، إلا أن رد الفعل لدول مجلس التعاون الخليجي كان سلبياً، وتقول المعلومات تلك إن تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية يستفيد من الحساسيات ويقوم بتجنيد رجال من القبائل السنّيّة للقتال ضد “أنصار الله” (الحوثيين) وظهر لاحقاً حقيقة ما يدبّر من أدوار مكملة تقوم بها القاعدة وأمثالها.
وبالتأكيد فإن حالة الإستنزاف المتبادل في اليمن، هي وصفة للضياع والإختباء وراء الإصبع وهي رسالة سيئة تعني دع الحرائق تستمر، لكن السعودية ودول الخليج إختارت تأجيج النيران والتدخل في شؤون اليمن من خلال عدوان عسكري كبير أعدّ له من قبل، ويزعمون بعد ذلك، بأن الغياب الخليجي والأميركي هو السبب في تفاقم الأمور أخيراً في اليمن، وهو في حقيقة الأمر اعتراف ضمني بسياسة الإستنزاف المتبادل وتعبير عن الفشل، وهذا يعني أن المبادرة السعودية في اليمن سقطت وأي مبادرة جديدة سيكون مصيرها الفشل، لأن التدخل في شؤون بلد آخر ومحاولة فرض حل ما لا يرضي مكونات اليمن، وفي أتون صراع داخلي وخارجي، يصبح اليمن مستهدفاً لتحقيق مكاسب للآخرين على أرضه بعد فشل أولئك في تحقيق أي إنجاز في سوريا من خلال دعمهم لقوى تكفيرية وعصابات هدفها القتل والتدمير لتحقيق مآرب سياسية لأصحاب المشروع الذي يستهدف المنطقة.
وفي المقابل، وكما تشير الوقائع، نرى أن السياسات الأميركية والخليجية تتخبّط في سائر أرجاء المنطقة وخسائر سياسية بدأت ولم تنتهِ بعد وآخرها العدوان الهمجي الذي تقوده السعودية على اليمن.
إن سياسة الإقصاء، التي مورست على مكونات يمنية أساسية في اليمن ومنهم “الحوثيين” الذين يطالبون بزيادة حصتهم في إدارة البلاد وتمّ تعريضهم للمزيد من الإقصاء في أعقاب المبادرة التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي وأرغمت الرئيس علي عبدالله صالح تسليم السلطة الى عبدربه منصور هادي رغم مشاركة “الحوثيين” في الحوار، شكّلت استياءً كبيراً الى جانب الحكومة اليمنية في ظل رئاسة هادي وتبعات التدخل السعودي في شؤون اليمن من خلال مبادرات هدفها فرض أجندة لا تحقق طموحات اليمنيين.
وكانت أحداث أيلول 2014 فاصلة هامة في تاريخ اليمن، أدّت الى استقالة هادي وحل البرلمان وتغيير المعادلات في البلاد.
إستهداف اليمن بعد فشل المشروع الأميركي في المنطقة
وفي هذا الوقت، كانت “القاعدة” في جزيرة العرب، تراقب هذه التطورات بعين الإهتمام، إذ أنها تستفيد من الفوضى، وترى في البلدان التي تتسم بحكومة ضعيفة فرصة لفرض سيطرة التنظيم عليها.
وبالتالي فإن فشل القاعدة وأخواتها في العراق وسوريا سيدفعها الى التعويض في مكان آخر واليمن مرشح لهذه الغاية، وستحتاج “القاعدة” الى طريقة للتعويض عن هذه النكسة، وستحاول تعزيز نفوذها في جنوب اليمن ومن شأن ذلك أن يساهم في منافسة “داعش” في العراق وسوريا، وكذلك فعلت السعودية وبقية دول الخليج.
ويرى مراقبون، أن توصل إيران الى إتفاق مع واشنطن ودول 5+1 سيساهم في تغيير المعادلات من جديد في المنطقة، ونجاح السياسة الخارجية الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان من شأنها أن تنعكس في اليمن أيضاً، بعد أن حقق “أنصار الله” (الحوثيون) نتائج هامة على صعيد تحقيق الإستقرار وفرض أجندة وطنية يمنية، أي أن إيران التي نجحت في فرض حضورها على مضيق هرمز، وهو أهم مضيق بحري استراتيجي ومثل هذا له حساباته الإستراتيجية، مرشحة الآن لتحقيق إنجازات أكثر أهمية.
وتنحو المساعي السعودية في اليمن نحو التصدي للثورة اليمنية وتدمير قدرات اليمن وإضعافه ومحاصرته وجعله مجرد تابع للأجندة السعودية، وجاء العدوان السعودي الأخير وما يسمى “عاصفة الحزم” لنفس الغاية.
والأهداف السعودية كما يروّج لها هدفها دفع الأطراف اليمنية بما فيها الحوثيين، نحو صيغة ما مختلفة، وهناك مَن يرى بأن لا أحد يستطيع أن يكسب كل شيء في اليمن، وهذا يعني عملياً التدخل في شؤون اليمن وفرض أجندة معينة تجعل من السعودية لاعباً أساسياً في شأن اليمن الداخلي.
من هنا كان السيناريو الجديد، تمّ الدفع بإعادة الرئيس عبدربه منصور هادي الى الحكم، وهذا طلب الإستنجاد بتدخل “قوات درع الجزيرة” لتغيير مسار التحولات..
ولوّحت السعودية بإستخدام القوة واتخاذ إجراءات جاءت على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل: “لحماية المنطقة في حال عدم وجود حل سلمي للفوضى في اليمن”، أي أن السيناريو السعودي – الأميركي الذي جرى الإعداد له، هو العمل على تعزيز موقف الرئيس المتراجع عن استقالته من خلال التهديد والوعيد واستخدام القوة، وتشكيل تحالف “عربي – إسلامي” للقيام بالمهمة وكانت “عاصفة الحزم” بداية لدور سعودي جديد في المنطقة يأخذ على عاتقه أهداف المشروع الأميركي في المنطقة أي خدمة هذا المشروع والإندفاع نحو تبعية مفرطة، وتمّ إختيار إجتماع ما يسمى “القمة العربية” لتأكيد هذا النهج التدميري الجديد في اليمن والمنطقة وهو تعبير عن الفشل الذي مُني به هذا الدور في أماكن أخرى.
وكل المؤشرات تؤكّد أن دولاً إسلامية مثل الباكستان، بدأت تنظر بواقعية لحقيقة ما دبّر للمنطقة بشكل عام واستهداف اليمن بشكل خاص، وهناك توافق ما بين باكستان وإيران بأن الحوار اليمني هو السبيل الأنجح لحل المشاكل الداخلية في اليمن.
إن محاولة خلط الأوراق من جديد في اليمن والتدخل في شؤونه، هو عمل خطير على الأمن القومي العربي ويغذي الصراعات الطائفية والمناطقية، وأصبح اليمن بذلك مظهراً بارزاً يعكس التنافس الإقليمي ويؤثر في المعادلات القائمة في منطقة هامة من العالم، وهذا سيمكّن القوى اليمنية الفاعلة والحريصة على مستقبل بلادها من حسم الصراع هناك وسيمكّن “أنصار الله” الحوثيين والقوى المتحالفة من السيطرة التامة على الأوضاع وصولاً الى باب المندب وهو مضيق استراتيجي هام، وستعمل إيران بالتوازي من إحكام سيطرتها على مضيق هرمز كقوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط، وستتواجد على أهم الطرق البحرية التي تنقل النفط عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر وهذا سيعزّز دورها وأهميتها بالنسبة للإقتصاد العالمي.
وفي أبعاد ما يجري في الشرق الأوسط، هناك البعد الإقتصادي وحساب المصالح وترابط الملفات في المنطقة والعالم والحرب على الإرهاب بما فيه إرهاب “القاعدة” في اليمن، واليوم تتكرّس وقائع جديدة في المنطقة، ومن العبث التدخل في شؤون اليمن لأنه سيعني امتداد اللهيب الى أماكن أخرى يعتقد البعض بأنها بعيدة، وفي ظل ما يجري في المنطقة من أحداث وحرائق سنتوقع الكثير إذا ما استمرت سياسة اللعب على أوتار التناقضات وهي كثيرة.
وعملية “عاصفة الحزم” هي المعبّر عن تحالف مشبوه تقوده السعودية شكلاً وهو يؤتمر من خلال أدوات المشروع الأميركي – الصهيوني في المنطقة، وهو يعني استلاب الإرادة والإنخراط في العدوان، ومحاولة فاشلة لإعادة التوازنات الجديدة في المنطقة تلك التي أثبتت فشل المشروع وأدواته وفي هذا كشف للحقائق والأوهام ومحاولة للسيطرة على بلد عربي مستقل بإرادته وتاريخه الحافل بالإلتزام بالقضايا القومية حيث يجري تدمير مقدراته وإضعافه وإفقاره ودفعه للقبول بالحلول الأميركية في المنطقة وبعيداً عن حقوق اليمنيين التي هُدِرت، وتغذية الضغائن والأحقاد ورسم مساراً للأحداث من خلال عدوان مبيت.
والسؤال، هل بدأ موسم الحصاد وتبادل الأدوار بعد أن فشل المشروع الأميركي – الصهيوني في المنطقة، ويتم تهيئة المسرح لحروب جديدة من نوع آخر تُبقي على الأهداف ذاتها مع نقل الأعباء والتكاليف الباهظة على دول بعينها مثل السعودية وبقية دول الخليج وبنفس الوقت استخدام الشعوب وقوداً لإبقاء حالة الإستنزاف مستمرة.
إنها حروب مجنونة هدفها التدمير وإضعاف دول المنطقة وجعلها رهينة بيد الدول الإستعمارية والتنصل نهائياً من القضايا العربية ومنها قضية فلسطين التي يتم تصفيتها عملياً، ألم تجري الإنتخابات الإسرائيلية تحت شعار “إسرائيل دولة اليهود في العالم”، أي أن “عاصفة الحزم” جاءت في وقتها المناسب لفرض حلول أميركية – صهيونية بأدوات عربية، والرئيس الأميركي أوباما أعلن عن استعداده لتقديم سلاح نوعي “للقوة العسكرية المشتركة” المزمع تشكيلها للقيام بدورها في المنطقة وطبعاً لن يكون من مهامها تحرير فلسطين أو حماية شعبها.
نقول، إن حسابات أعداء الأمة ستسقط حتماً، والساحة اليمنية مفتوحة على شتى التطورات ومختلف أنواع التحالفات بعد أن طوت السعودية صفحة مضت، وبعد أن سقطت الأقنعة وتبيّنت الوجوه كما هي، ونسأل من جديد عن مصدر الإرهاب وأهدافه ومتى سيتم هزيمته وإسقاط المشاريع التي تدعمه؟!