ليديا أبودرغم
بدأ فصل جديد بين إيران ودول 5+1 بعد التوصل الى تفاهم لوزان الأخير، حققت خلاله إيران جملة من الأهداف، وانتزعت حقوقها النووية وبإعتراف العالم أجمع وكسرت الحصار المفروض عليها، وهي بذلك مهّدت لرفع كامل القعوبات الإقتصادية.
إنه إنتصار تاريخي مؤزر وثمرة جهود كبيرة بُذلت وتضحيات جسام وصبر الواثق المقتدر، لم يرهبها حصار طويل وجائر، وبإرادة شعبها العظيم استطاعت إيران من حصد ثمار إعدادها وقوتها ونظافة قضاياها، تمسّكت بحقوقها النووية وحصلت على ما تريد.
التفاهم مع دول الغرب هو البداية، والعقوبات ستُرفع حتماً وبشكل مباشر، والخطوة الثانية قادمة لا محالة، والإقرار بدور إيران الإقليمي هو العنوان الذي دار حوله الجدل.
حُسم الأمر، إيران في قلب الإستراتيجية الدولية، النجاح لا يتحقق صدفة وهو ليس ناتجاً عن النوايا الحسنة، إيران فرضت إيقاعها وحكمة قيادتها في الميدان والرؤى، ووصلت الى مرحلة التوازن الإستراتيجي من خلال محصلة تحالفاتها الراسخة، وفي الجهة الأخرى الولايات المتحدة ومَن يدور في فلكها، إمتنعت تلك القوى عن اللجوء الى القوة العسكرية، هذا ما سمح لإيران بأن تفاوض من خلال خطوات ثابتة وواثقة لأكثر من عشر سنوات.
والجانب الآخر في قوة إيران، صدق تحالفاتها الدولية مع دول مثل روسيا والصين، استطاعت من ترجمة عناصر قوتها في ذروة العملية التفاوضية، وسقطت حسابات العدو الصهيوني، الذي لم يُفلح في دفع حليفه الأميركي لإستخدام أوراق قوته في مغامرة جديدة ضد إيران، لأن الأميركي كانت حساباته مختلفة بعد أن أرهقته حروبه في أفغانستان والعراق وغيرها، وسقط الخيار العسكري ضد إيران وبشكل نهائي بالتوازي مع حسابات الميدان والجغرافيا السياسية.
إيران أعلنت للعالم أجمع، أنها ستفي بوعودها في إتفاق لوزان بعد أن تمكّنت من حفظ حقوقها النووية، وهي تعلن بأن خياراتها مفتوحة إذا ما أخلّ الطرف الآخر بوعوده.
دول العالم الوازنة اعترفت صراحة بأن إيران حققت إنتصاراً سياسياً سيؤدّي الى حل أكثر المشاكل العالقة في المنطقة، ومثل هذا الإنجاز كان ثمرة الجهود والأثمان الإقتصادية والسياسية التي قدمتها إيران على مدى عقود من الزمن.
وفي حساب الخسائر، العدو الصهيوني الخاسر الأكبر، وبعد أن طوت إيران صفحة مضت ها هي اليوم منفتحة نحو أفق رحب سيحقق لها ولحلفائها فرص أفضل للعيش بكرامة وبعيداً عن التهديدات الخارجية من أي جهة كانت.
من جهتها، تريد القوى الكبرى كبح البرنامج النووي الإيراني ومراقبته بشكل وثيق للتأكد من أن إيران لن تمتلك أبدا السلاح النووي مقابل رفع العقوبات الدولية التي تخنق الاقتصاد الإيراني. وفي صلب المشكلة أجهزة الطرد المركزي التي تتيح تخصيب اليورانيوم الذي إذا خصب بنسبة 90% يمكن أن يستخدم في صنع أسلحة ذرية. وتشتبه المجموعة الدولية بأن إيران تريد امتلاك السلاح الذري وهو ما تنفيه الجمهورية الإسلامية بشدة.
ومرّت مرحلة التفاوض الطويلة بكثير من الجدل وكان من الصعب معرفة أجواء المفاوضات بدقة بعد تصريحات أولى متفائلة، أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين أشار إلى “اتفاق مبدئي على النقاط الأساسية”.
وفي باريس أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن المحادثات “أحرزت تقدما لكنه ليس كافيا” للتوصل إلى اتفاق.
وقبل ذلك أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن وجود “إطار عام” لتسوية مع إيران غير أنه مازال يتعين القيام بكثير من العمل.
وقال هاموند “اعتقد أن لدينا الإطار العام لتسوية لكن مازال هناك مسائل أساسية يتعين العمل عليها”، مضيفا أنه “تم إحراز تقدم هام في الأيام الأخيرة لكن التقدم مازال بطيئا”.
من جهته قال دبلوماسي ألماني إن “المحادثات تعثرت عند عدة مسائل هامة، معتبراً أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق “بوجود حسن النية”.
ووفقا للتقارير، ركزت الأطراف المشاركة في المحادثات النووية الايرانية على حل ثلاث خلافات رئيسية، الزمن المحدد، رفع العقوبات وما يسمى بـ” آلية العقوبات”.
أولاً، المهلة الزمنية، تأمل القوى الست من أن تعلق إيران أنشطتها النووية لفترة لا تقل عن 10 سنوات مقبلة. في حين أن أيران التي اشترطت في البداية أن لا تتجاوز المهلة الزمنية سبع سنوات توافق على الشرط من حيث المبدأ، إلا أنها طلبت إلغاء جميع القيود بعد هذه الفترة، كما تأمل إيران تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتخصيب اليورانيوم بوتيرة أسرع، وعائدات أعلى، هذا يجعل الدول الغربية تخشى من أن تستمر إيران تطوير برنامجها النووي بعد 10 أعوام.
ثانياً، رفع العقوبات، تتطلع إيران الى التوصل الى إلغاء العقوبات فور تحقيق إتفاق شامل، وقد قدمت إيران تنازلات كبيرة لتحقيق هذه الغاية، وقبلت بتقليل أجهزة الطرد المركزي بمعاملها النووية إلى أقل من 6000. لكن، الدول الست الكبرى المشاركة في المحادثات النووية الإيرانية تعتقد أنه ينبغي رفع العقوبات المفروضة على إيران تدريجياً، وينبغي الحفاظ على القيود المفروضة على استيراد إيران للتكنولوجيا النووية لعدة سنوات.
وأخيراً، آلية العقوبات، تريد أميركا وحلفاؤها الأوروبيون استعادة فرض العقوبات على إيران بسرعة في حال إنتهاك الأخيرة للإتفاق، حتى لمحوا الى زيادة فشل إتفاقية المحادثات النووية الإيرانية وزيادة العقوبات الجديدة على إيران في حال عدم قبول الأخيرة الإتفاق في إطار غربي، وهذا لم تقبله إيران.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن المفاوضات النووية قبل الوصول الى التفاهم، “إنه في الوقت الراهن، بدأت الخلافات تتشكل بوضوح، وتشكل طريقة لحلها، والخلافات بين الأطراف تتقلص تدريجياً. مضيفاً، أن الجانب الصيني يشارك بنشاط في المفاوضات كطرف مهم، وتلعب دوراً بناءً. وجميع الأطراف تعلق أهمية كبيرة على تعليقات واقتراحات الجانب الصيني”.
ولعبت الخلافات القائمة بين الأطراف المشاركة في المفاوضات النووية الإيرانية دوراً في تأخر الإنجاز، وهناك مجموعة من العوامل المعقدة الأخرى التي أثّرت على المفاوضات مثل الأزمة في العراق وسوريا والحرب في اليمن، كما تأثّرت بالقرارات السياسية للرئيس الأميركي باراك أوباما والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. لذلك، فإنه على الرغم من أن مستقبل المفاوضات مشرق، إلا أنه لا تزال تواجه عقبات عديدة بعد إنجاز تفاهم لوزان.
ومع ذلك، نجاح المحادثات النووية الإيرانية لن يؤثر على العلاقات بين إيران وأميركا والغرب فحسب، وإنما اختراق مهم نحو تحول إيران الى وضعها الطبيعي، وسوف يكون لها أيضاً تأثير كبير على الهيكل الإقليمي. وقال أحد المحللين الاستراتيجيين الأميركيين إن تنامي النفوذ الإيرانية في الساحة الدولية لا يمكن وقفها، بغض النظر عن نجاح المفاوضات النووية الإيرانية، وهذه حقيقة لا جدال فيه.
الرهان على عامل الوقت في مصلحة إيران
وعمل الوقت لصالح إيران في مفاوضاتها النووية، هذه إحدى نقاط قوتها، التي تفرض على إدارة أوباما إنجاز اتفاق معها، لكنه ليس مكمن القوة الوحيد، إذ تحتفظ إيران في جعبتها بأوراق كثيرة، منها ما بات معروفًا ومنها ما لم يكشف عنه بعد، وهي تستفيد من التوازنات الإقليمية الجديدة في المنطقة ما يحقق فوائد لها ولحلفائها.
وأدارت إيران ملفها النووي اعتمادًا على عدد من عناصر القوة، يدرك الأميركيون جيداً مدى نفوذها الإقليمي وقدراتها العسكرية والدفاعية، وأي حرب معها لها كلفتها. هذا فضلًا عن العوائق الاقتصادية، والداخلية الأميركية التي تحول دون هذه الخطوة، أيضاً التحديات الآتية من المارد الصيني، والدب الروسي.
في الحسابات الأميركية يعمل الوقت لصالح إيران، التي ستستمر بإجراء الأبحاث النووية، ويمكّنها ذلك من تطوير جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي الذي يعمل بقوة تزيد أضعاف المرات، بالمقارنة مع قوة الأجهزة التي تملكها حالياً، يؤكد هذا الأمر أنه كلما تأخر إنجاز الاتفاق، تقدمت إيران خطوة إضافية في برنامجها النووي.
من هنا ذهب الطرفان إلى المفاوضات، وهناك مَن يعتقد في أوساط الخبراء، والمراقبين، أن مكاسب إيران من التفاهم ستكون أكثر من مكاسب أميركا، مثل هذا الإتفاق ينطوي ضمنًا على اعتراف دولي بتحول إيران من لاعب إقليمي أساسي إلى طرف دولي فاعل يحسب له ألف حساب، إذا لم تصل المفاوضات النووية إلى نتيجة والمتضرر الأكبر ستكون أميركا وليس إيران، كلام أعلنه منذ أيام قليلة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي. وأكد على أن إيران لن تتضرر وطريق الحل لديها هو الاقتصاد المقاوم، وهي لن توقّع الإتفاق النهائي إلا إذا رُفعت كامل العقوبات.
وفي جولة المفاوضات الـ 14 بين ألمانيا والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين) وألمانيا من جانب، وإيران من جانب آخر، وكانت التوقعات من تلك الجولة عالية، فإمّا اتفاق وإمّا إنتهاء لمسار التفاوض. وارتبط سقف التوقعات المرتفع بجملة الإتصالات المباشرة بين واشنطن وطهران، سواء عبر الرسائل المتبادلة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، مروراً بالمكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، وانتهاءً بالإتصالات المباشرة بين وزارتي الخارجية الإيرانية والأميركية.
وما تبين بعد حوالي عام من التفاوض أنه لا اتفاق إلا على الحد الأدنى، وهو الاستمرار في التفاوض وتحديد موعد نهائي للتوصّل لإتفاق بين طهران والقوى الست، يكون مطلع صيف 2015.
التصريخات الأميركية المتحمسة وتداعيات المفاوضات
وألقت التصريحات الأميركية المتحمسة للوصول إلى اتفاق “بأي ثمن” مع إيران في ملفها النووي، بظلالها على العلاقة الباردة بين واشنطن والرياض. ولا يخفي المسؤولون السعوديون قلقهم من سعي الأميركيين إلى إمضاء اتفاق مع إيران.
وسبق أن عبّر السعوديون عن هذا القلق للمسؤولين الأميركيين الذي زاروا الرياض في السنتين الماضيتين وبينهم الرئيس باراك أوباما الذي أوضح أن التوصل لإتفاق مع إيران هو السبيل الأمثل الذي يحقق مصالح الجميع في المنطقة.
وفشلت محاولات إدارة أوباما المتكررة في طمأنة السعوديين ومن ورائهم بقية دول الخليج حول الانفتاح على إيران. ويثير استعجال إدارة أوباما على إبرام اتفاق مع طهران الكثير من الأسئلة لدى حلفاء واشنطن.
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله “لن تقبل إيران المطالب المبالغ فيها وغير المنطقية”، في إشارة إلى مقترح أوباما بأن تلزم طهران نفسها بتجميد أنشطتها النووية الحساسة لمدة عشر سنوات. وقال ظريف: “موقف أوباما جرى التعبير عنه بعبارات غير مقبولة وتنم عن تهديد”.
وتساءل مراقبون عن السر الذي يجعل إدارة أوباما أكثر عجلة من الإيرانيين على عقد الإتفاق، مع أنه سيمكن إيران من تحقيق عدة مكاسب أهمها رفع العقوبات المفروضة عليها، وتمكينها من استعادة الأموال المجمدة في البنوك الأميركية.
والإنفتاح الأميركي المستعجل على طهران جعل الرياض، وخاصة مع تسلم العاهل السعودي الجديد الملك سلمان مقاليد الحكم، تفكر في استراتيجية جديدة في الشكل وفي المضمون هي تبعية مفرطة وتدّعي أتها تسعى إلى فرض التوازن بالمنطقة، حيث تتّجه الأنظار الى ما قد تسفر عنه الحرب على الإرهاب التي لا يبدو أن أميركا راغبة في الرمي بثقلها لتغيير المعادلة على الأرض، بل هناك دوائر في واشنطن وعواصم غربية عدة ترى أن الصراع المذهبي في الإقليم حرباً داخلية بين المسلمين، فلماذا تتدخل؟
إن حلفاء واشنطن في المنطقة وتحديداً دول الخليج لا سيما السعودية سعوا أيضاً الى عدم الإسراع في إنجاز الإتفاق النووي الإيراني ريثما يجري الإتفاق وتسوية الأزمات في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بتداعيات خلافاتهم مع إيران حول العراق وسوريا (فالسعوديون يخافون من أن يقوم أوباما بحل قضية البرنامج النووي الإيراني ويترك الأمور الأخرى جانباً كما فعل بالنسبة للحرب في سوريا حيث اكتفى بالحصول على تعهّد سوري – روسي بإزالة الترسانة الكيميائية) وعدم حسم الحرب والتدخل المباشر لمصلحة العصابات المدعومة من السعودية.
وبدا من تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بعد استقباله وزير الخارجية الأميركي أن المملكة لا تحبذ التوقيع على الإتفاق بين واشنطن وطهران قبل معالجة آثار المواجهة مع إيران لاسيما بعد أحداث اليمن المتسارعة.
وبتقدير المصدر الدبلوماسي إن الإدارة الأميركية تأخذ بعين الإعتبار خلال تفاوضها مع الحكومة الإيرانية المشهد الراهن في المنطقة، بل إنها لا تتخذ موقفاً سلبياً مما تقوم به الحكومة العراقية في حربها ضد “داعش” بما في ذلك الاستعانة بالحرس الثوري الإيراني، كما أن إدارة أوباما التي أعلنت تأييدها للرئيس اليمني المنتقل الى عدن، لا تذهب بهذا الموقف كما السعودية وبعض دول الخليج الى حدود التعبئة العسكرية ضد الحوثيين.
من هنا، يعتقد المصدر أن واشنطن تحاول مسايرة السعودية وباقي حلفائها في الخليج، لكنها تتصرف وفق أجندتها في المنطقة آخذة بعين الإعتبار التوازنات السياسية والعسكرية، وحجم النفوذ الإيراني المتعاظم في الشرق الأوسط، لا بل إن الإدارة الأميركية أدركت مؤخراً أن هناك تحولات أخذت تتضح أكثر في الموقف الأوروبي أو بعض الدول الأوروبية بعد “تشظي حظر” التنظيمات الإرهابية التكفيرية بأشكال كبيرة في أوروبا.
إن الدولة في إيران تدرك مخاطر العقوبات الإقتصادية لذلك تبحث عن تسوية، أما الولايات المتحدة فهي استنفدت قدرتها العسكرية في الشرق الأوسط وخرجت من العراق بعد أن عزز تدخلها هناك من نفوذ طهران في شكل كبير، وتخرج من أفغانستان أيضاً.
إن نهاية التفاوض بين إيران والدول الخمس الكبرى وألمانيا يدل على أن تلك الدول بدأت بالتفاهم وهي على موعد في حزيران القادم لإنجاز الإتفاق النهائي، ويرى بعض المحللين السياسيين أنه إذا أنجز هذا الإتفاق فلن تكون هناك مباركة أميركية تلقائية للنفوذ الإيراني في المنطقة والخليج ولن تعود العلاقات الأميركية – الإيرانية الى وضع طبيعي، إنما سيشكّل الإتفاق بيئة إيجابية للتفاوض حول الملفات الخلافية في المنطقة بدل بيئة التوتر السائدة حالياً.
وبالتالي إن الإيرانيين لم يقبلوا بإضافة ملفات عالقة أخرى إلى عملية التفاوض خلال مرحلة التفاهم، كما رفضوا السماح بتفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية فيما وافقت على خفض التخفيض إلى 5% والتفتيش الكلي والمفاجئ لمنشآتها النووية، هذا من جهة ومن جهة أخرى إن البيئة الدولية مؤاتية ومستعجلة إنجاز الإتفاق النهائي، نظراً إلى تهافت الشركات الغربية للاستثمار في إيران عقب إنجاز الإتفاق الأولي.
وعن تداعيات المفاوضات حول الملف النووي بحد ذاتها، فقد انعكست ارتياحاً نفسسياً لدى الشعب الإيراني دون أن يتحسّن الوضع الإقتصادي بعد، فيما خلقت انزعاجاً لدى السعودية و”إسرائيل”، التي إنزعجت من اعتراف الدول المفاوضة بحق إيران بالتخصيب مما يبقي لها القدرة النووية، فيما يعود الإنزعاج السعودي إلى الخوف من أن يؤدّي التفاوض إلى تسليم أميركي بنفوذ إيران في المنطقة.
على الرغم من كافة العراقيل، مازالت كل أطراف التفاوض تأمل بالوصول إلى نتيجة إيجابية، وبالنسبة إلى إيران والولايات المتحدة الأميركية فإن المنافع المتبادلة وكذلك المخاوف والتهديدات المشتركة تعزِّز من رغبة كلا الجانبين في إنجاح الإتفاق النووي؛ لأن نجاحه يعني مكاسب سياسة مهمَّة في مقدمتها التنسيق على صعيد مواجهة تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسوريا، ومهما يكن من أخذٍ وردٍّ بين الطرفين الأميركي والإيراني؛ فإنهما لا يحبِّذان العودة بالمسار التفاوضي إلى ما قبل جنيف المؤقت، ويراهن مختصون إيرانيون في طهران على أن الإدارة الأميركية لا تملك خيارًا سوى إدامة المحادثات والقبول باتفاق “جيد” بالنسبة إلى طهران؛ وذلك على الرغم من أنه لن يكون من السهل في قضية استراتيجية كهذه أن تنتهي المفاوضات باتفاق “رابح/رابح” وهي الصيغة التي تريدها إيران.
في أي حال من الأحوال، لم يعد الهامش الزمني المتاح لجميع الأطراف، أمراً مساعداً، بل بات عاملاً ضاغطاً لتكوين بيئة ما، لا تتيح التخلص من التواريخ المحددة حزيران القادم، بل من الممكن التوصل وكما بات متعارفاً عليه، إلى اتفاق لا يظهر كسر التوازنات القائمة، ولا يلغي مخاوف بعضهم، في موازاة عدم تسجيل نصر أو خسارة مدوية لأي من الأطراف المنخرطة في المفاوضات، وهو أمر يسعى إليه الجميع، باستثناء “إسرائيل” التي فقدت صبرها، وربما وعيها، الأمر الذي سيحرك غرائزها العدوانية باتجاهات عربية عدة، ومن بينها لبنان أو قطاع غزة، وهو أمر في مطلق الأحوال أيضاً، يعتبر كباشاً إيرانياً “إسرائيلياً”، جُرب مرات عدة منذ العام 2006 ولغاية 2014، فهل سيكون صيف 2015 حاراً؟.