أمين الداخلية والإعلام هشام الأعور
في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات القوى على المستويين الإقليمي والدولي والتفاعلات المرتبطة بإعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم، جاء الإعلان على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن التوصل الى تفاهم بين إيران والدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) في لوزان بعد مفاوضات طويلة، وما جرى خطوة أولى نحو توقيع الإتفاق النهائي في حزيران القادم.
الآن وقد نجحت إيران في التوصل الى تفاهم مع الغرب، فإن حلفاءها في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان بدأوا يهلّلون بهذا الإنتصار التاريخي، كما من حق إيران أن تشعر بالفخر والإعتزاز بهذا الإنجاز التاريخي الذي يقرّ بحق الشعب الإيراني في التخصيب النووي لتصبح إيران دولة نووية، كما أنها ستستعيد أكثر من 120 مليار دولار، والشركات الغربية ستتهافت عليها للإستثمار، فيما العرب منشغلون بحروبهم التي تنمو على أساس العداء المستشري بين أنظمتها ورسائلها الدموية التكفيرية في أكثر من ساحة.
ولكن ماذا عن الغيث المنتظر من مطر لوزان وانعكاساته على الأوضاع الداخلية التي تشهدها بعض البلدان العربية التي تعاني من لهب نار التكفيريين المدعومين من جهات عربية وغربية وأميركية؟
وماذا عن موقف دول الخليج، هل سيمدّ حكامها اليد الى إيران التي تدرك حقيقة مشاريعهم في المنطقة وآخرها عملية “عاصفة الحزم” والهجوم الدموي على الحوثيين في اليمن وقبله دعم الجماعات المسلحة في كل من سوريا والعراق ولبنان؟ وماذا عن الدور الإسرائيلي التي أبدت حكومة نتنياهو بالطبع انزعاجها من هذا الإتفاق التي عملت ليلاً ونهاراً على تعطيله ولكنها فشلت في نهاية المطاف؟
عملياً، إن أفق الخيارات المتاحة أمام الدول الخليجية ضيق جداً، وقد يكون الذهاب نحو خيار الحوار مع إيران، والإقتناع بقبول الدور الإيراني في المنطقة هو الأرجح، فالرهان الخليجي على الدول الأوروبية، التي سعت إلى تحسين علاقاتها معها عن طريق صفقات السلاح، لم يستطع أن يقدم لها أكثر من ضغوط لتحسين شروط التفاوض مع إيران، كما أنها بدت عاجزة عن فرملة إتفاقاً تريد الولايات المتحدة توقيعه، وإلا سوف يؤدي عنادها حتماً في حال استمر الى مراكمتها المزيد من الهزائم، وجرّ المنطقة الى مزيد من التصعيد في أكثر من مكان، خصوصاً في اليمن، وفي نهاية المطاف ستكون جميع الجهات مضطرة إلى الجلوس حول الطاولة نفسها.
هذا ما تؤكد عليه التقارير، حتى الكيان الصهيوني رغم معارضة نتنياهو فهو سيعمد إلى ركوب الموجة، أو على الأقل ستسمح لها ظروفها بالإنتظار حتى خروج الرئيس أوباما من السلطة، لكن الخطر الأكبر سيكون على الرياض التي تحاول جاهدة عرقلة التوصل الى الإتفاق النووي وفضّلت الهروب الى الأمام من خلال عدوانها على اليمن وذلك بعد انتزاع جماعة “أنصار الله” المقربة من طهران دورها للمشاركة في الحكم والقيادة المباشرة والفاعلة في اليمن، وهي لم تعد تلك المنظمة التي حاربتها الرياض قبل سنوات قليلة، لأن خبراتها العسكرية ونفوذها السياسي والشعبي أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها.
في الساحات الأخرى، يمكن القول إن الدور الإيراني أيضاً تنامى بشكل لافت وفرض حضوره الإيجابي والفاعل في كل من العراق وسوريا ولبنان، في حين تراجع النفوذ السعودي كثيراً، أي أن الرياض خسرت المعركة التي تخوضها منذ سنوات طويلة للإبقاء على موقعها في المنطقة بسبب اضطرار الولايات المتحدة إلى التفاهم مع طهران.
إنها “مرونة المصارع” على حد قول مرشد الثورة الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي التي تجسدت في صورة إيران القوية والتي وقفت الى جانب القضية الفلسطينية ودعمت مقاومتها في صراعها ضد العدو الصهيوني ونصرتها للمقاومة في لبنان، ودعمها للشعب السوري والعراقي في محاربة الإرهاب والجماعات التكفيرية المسلحة.
ولكن ألم يكفي منطقتنا العربية دماءً ودموعاً وتكفيراً وفتناً متنقلة من هنا وهناك؟ أليس من المسؤولية العربية والإسلامية أن تبادر المملكة العربية السعودية لطي صفحة الماضي والمساهمة في عملية وقف سيل التكفير الجارف والزاحف الى المنطقة عبر”داعش” و”النصرة”، والأجدى أن تسارع السعودية للتعاون مع إيران، الذي سيفتح المنطقة أمام نهضة اقتصادية وأسواق مشتركة واستثمارات هائلة وتبادل تجاري واسع، بدلاً من الإستمرار في حالة الغليان والتي كان آخرها عملية “عاصفة الحزم” على اليمن وبتدخل أميركي فاضح بعد أن كشفت “وول ستريت جورنال” الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، مشاركة الجيش الأميركي في تقديم المساعدات اللازمة إلى المملكة العربية السعودية في حملتها الجوية ضدّ الشعب اليمني، ومن خلال توفير المزيد من المعلومات الإستخبارية، والقنابل ومهمات التزوّد بالوقود في الجو للطائرات التي تنفّذ الغارات هناك.
لقد شكّلت “عاصفة الحزم” صاعقاً كهربائياً أصاب اليمنيين وهم “فقراء” الخليج، بعد استباحة طيران التحالف العربي لأرض اليمن. وإذا كان القرار بإنشاء “القوّة العربية المشتركة”، وحده حدثاً تاريخياً، ولكن أين الشهامة العربية عندما يرى العالم جنود هذه القوّة وهم يتدخّلون في اليمن أو ليبيا وغيرها من البلدان العربية لسفك الدماء وقتل شعوبها وتدمير ممتلكاتها والقضاء على ثرواتها الوطنية. لقد كان من المفترض أن تتشكل هذه القوة العربية منذ زمن بعيد ليس لقتل شعب عربي وإنما لنصرة الشعب الفلسطيني والدفاع عن مدنه وقراه في مواجهة الإستيطان الصهيوني الزاحف ومساعدته لنيل حقوقه بدلاً من تقديم المبادرات التي تخدم العدو وتفرض تنازلات على الفلسطينيين. و”إسرائيل” تستغل حكومتها “عاصفة الحزم” العسكرية لتصدير حالة من الفزع عقب وصول القوات البحرية المصرية مضيق “باب المندب”، زاعمة أن فى ذلك تهديداً لأمنها، وهي محاولة لخلط الأوراق بشكل أكبر في المنطقة والإستفادة من التناقضات.
في أي حال وإن كانت الحسابات في بداية الحرب تختلف عنها أثناء العمليات، فلا شك أن عاصفة التفاهم النووي ستطغى على ما عداها من رياح هوجاء لا تحصد سوى الذل والمهانة بدءًا من إتفاقية كامب ديفيد مروراً بوادي عربة وصولاً الى أوسلو، فيما يبقى الحل السياسي – وليس العسكري – الخيار الأنسب الذي يتوجّب على جماعة “عاصفة الحزم” اللجوء إليه عند التعامل مع الحوثيين والإعتراف بحجمهم الديموغرافي والسياسي، حفاظاً على المجتمع اليمني ونسيجه الوطني وبنية البلاد التحتية التي يمتد عمرها إلى أكثر من نصف قرن، وما تبقى من دولة ومؤسسات وأمن وسكينة في البلاد. وإذا جنحت المملكة العربية السعودية نحو الحوار في اليمن، وهذا ما سيحصل عاجلاً أم آجلاً على اعتبار أن الغارات ستفقد وهجها، وأن المسرح اليمني شديد التعقيد إذا فكّرت السعودية وحلفاؤها في شن حرب برية فأهل القبائل بطبيعتهم مسلحون ومقاتلون، وبالتالي عواصف يمنية داخلية ستخلفها “عاصفة الحزم”، فضلاً عن عواصف إرتدادية داخل دول خليجية، ومنها إلى كل المنطقة بغياب أي خطة بديلة لدى هذه الدول على وقع ما يردده كثيرون، قد يشكل ذلك مؤشراً ومثالاً ربما يشجعها في ما بعد على البحث عن تسوية ليس في سوريا فحسب، بل في العراق ولبنان… على قاعدة الإقرار بمكانة إيران ودورها الرئيسي في مواجهة “إسرائيل” وحلفائها في المنطقة.
وعليه هل تدفع “عاصفة النووي” الجميع إلى طاولة الحوار والتسويات، أم ستتحول “رياح الحزم” إلى إعصار لا يرحم أحد… ويكون اليمن نموذج الخرائط الجديدة في المنطقة؟