الحرب المجنونة التي شُنّت على اليمن من جانب الحلف الذي تقوده السعودية هي نوع من اللعب على هوامش الأحداث، لأن قرار الحرب هو قرار أميركي بإمتياز والهدف منها يتعدى مساحة الإقليم ومسرح العمليات وصولاً إلى تداعيات الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق، و”عاصفة الحزم” لم تجنِ ثمارها رغم تكاليفها الباهظة مادياً ومعنوياً، وشكّلت ضربة في الصميم للأمن القومي العربي.
وفي أهداف الحرب وأبعادها سقطت كل الرهانات على إنجازات تصب في مصلحة العدوان الخارجي، ويأتي هذا بعد دخول المنطقة سنتها الخامسة وهي تغلي من وقع الأحداث، الشيء الوحيد الذي تحقق هو إنكشاف أصحاب المشروع وأدواتهم، وعجزهم عن تحقيق أي إنجاز، وهم مَن افترضوا بأن “عاصفة الحزم” ستتجاوز اليمن الى مناطق أخرى وثبت بأنها مجرد وعود غير قابلة للصرف.
إن محاولات تجار الحروب عرض مدى قوة نيرانهم وإمكانياتهم التدميرية، هو مجرد وسيلة لإثبات حضورهم في المنطقة وبالتالي هم يتحدثون عن دور ما في التسوية السياسية التي روّجوا لها من خلال “عاصفة الحزم” وثبت أنها بمثابة وهم لن يغيّر في المعادلات.
إن عملية الهروب الى الأمام لن تخفي الحقائق الماثلة وحالة الهوان التي أصابت تلك الأنظمة التي ارتبطت بالعجلة الأميركية وهذا أسلوب غير مألوف لدولة تطرح نفسها كقوة إقليمية من خلال شن حرب على دولة عربية أخرى وهي مؤشر هام يفيد بأن مشروعهم الأكبر الذي كلّف المليارات من الدولارات الممولة من حساب النفط العربي، لم يحقق لهم ما أرادوه من أهداف بغيضة.
ومظاهر المأزق السعودي، كانت واضحة منذ بدأ الحلف المفترض بالتفكك، وقرار البرلمان الباكستاني وقراره أن تكون بلاده طرف في هذه الحرب من ناحية والموقف المصري المتحفّظ حيال الإنخراط في العملية وحيث لا قرار مصري لمشاركة قوات برية، أي أن العدوان لا يحظى بالتغطية لكي يستمر وهناك عملية تفكك في صفوف التحالف المفترض، ويضاف الى ذلك الصبر الإستراتيجي للقيادة اليمنية والتحذيرات من رد فعل قوي يتجاوز المألوف من جانب الشعب اليمني وقواه الممثلة بالجيش واللجان الثورية و”أنصار الله” ومختلف القوى الوطنية التي عبّرت عن مواقف جذرية، كل هذه العوامل ساهمت في تعرية العدوان الذي تقوده السعودية ومَن يدعمها.
وكل الدلائل والمشرات والتحذيرات كانت تؤكّد بأن السعودية دخلت في مستنقع وهو ما ينذر بكارثة سترتد عليها.
من هنا جاء الإعلان السعودي عن وقف العمليات العسكرية بعد 27 يوماً على عدوانهم الهمجي ولم يحقق أي من أهدافه المعلنة، ولقد فشلت الحرب بالوساطة التي شُنّت على اليمن، حيث أراد أصحاب العدوان بذلك دعم “القاعدة” وتوابعها التي تمكّنت من السيطرة على حضرموت، وهذا ما يضع اليمن أمام تحديات مستمرة وحصار بحري بهدف الضغط عليه وتحقيق بعض المكاسب السياسية التي تجعل من السعودية لاعباً في المنطقة.
وفي اليمن انتصرت إرادة وعزيمة الشعب اليمني وتلاقي قواه الوطنية، وفي التحولات الهامة سقط المشروع التدميري الذي يبغي جعل اليمن ساحة لتصفية الحسابات بسبب خسائره في مكان آخر، مثل هذه الفرصة المفترضة في عقولهم ضاعت، اليوم يخرج اليمن من المعادلة السعودية وهو أشد قوة وتصميماً على منع التدخلات في شؤونه الداخلية، وتداعيات ما يجري سينعكس سلباً على أولئك الذين تورّطوا في عدوانهم على اليمن.
وأيضاً لقد ساهمت المواقف الشجاعة والحكيمة للقيادة الإيرانية في وقف العدوان السعودي على اليمن، وهي التي أكّدت دائماً على عدم وجود حل عسكري للأزمة، ولعبت الدبلوماسية الإيرانية دوراً أساسياً وتحرّكت بمنطق البحث عن الحلول بالرغم من محاولة الزج بها في صراع هامشي المستفيد منه هم أعداء أمتنا.
واللافت أن إعلان الحرب على اليمن كان من واشنطن، هكذا أرادوه وهذا مؤشر هام لمدى التورط الأميركي في تلك الحرب التي لم تحقق أهدافها، أما إعلان وقف الحرب فقد جاء من طهران ومن قبل نائب وزير الخارجية الإيرانية وقبل ساعات من الإعلان السعودي وقف العمليات العسكرية، وهذا يؤكّد نجاح المبادرة الإيرانية لوقف الحرب وهو ما أيّدته روسيا، أي إنتهت زوبعة الوهم للسيطرة على اليمن وانتصار الدم اليمني على التحالف.
ومن ها، فإن الحرب عزّزت معادلات سياسية على غير ما يتوخى أصحاب العدوان وداعميه، وهي ستعزّز معادلة داخلية في اليمن تشكّل بديلاً للوصاية الخارجية التي روّج لها تحت عناوين الشرعية، وهذه بمثابة هزيمة مدوّية للمراهنات على العدوان الخارجي ليس في اليمن وحده ولكن في المنطقة بأسرها.