حقققت إيران نصراً سياسياً كبيراً في مفاوضاتها النووية مع دول الغرب والولايات المتحدة، فتمسّكت بكامل حقوقها النووية وتوصلت الى تفاهم تاريخي سيكون له ما بعده من نتائج على مستوى الإقليم والعالم، وتمّ الإتفاق على رفع العقوبات المفروضة على إيران وبشكل مباشر، ووضع الأساس لإتفاق شامل، وإذ كان الإتفاق في موضوعه محصوراً بالشأن النووي إلا أنه بمثابة إقرار واضح بدور إيران الإقليمي، حيث أصبحت إيران في قلب الإستراتيجية الدولية، والكرة أصبحت في ملعب دول الغرب والولايات المتحدة.
وهذا النجاح في التوصل الى تفاهم لوزان، لم يكن نتاج النوايا الحسنة أو حصيلة رغبة غربية في الحوار والمنحى الإيجابي، بل جاء ثمرة الجهود التي بذلتها إيران والتضحيات الجسام التي قُدّمت، وصمودها أمام الحصار الجائر وصولاً الى توازن القوى بين إيران ومَن يتحالف معها، وفي الجهة الأخرى الولايات المتحدة ومَن يتبعها، وهذا ما منع الجانب الغربي من اللجوء الى القوة العسكرية وبالتالي الإنخراط في مسار تفاوضي بطيء إستمر لأكثر من عشر سنوات.
وما جرى كشف الوقائع والحقائق على أرض الواقع وفي الميدان، من خلال المعادلات والتوازنات الدولية القائمة وموقع إيران في الإقليم ودورها الفاعل على مساحة جغرافية واسعة وصدق ومتانة تحالفاتها الدولية مع دول مثل روسيا والصين.
هذا الدور الإيراني المتعاظم تمّ ترجمته في ذروة عملية التفاوض، الأمر الذي خيّب آمال العدو الصهيوني الذي لطالما تحدّث عن خطورة البرنامج النووي الإيراني وبأن الإتفاق الذي حصل مع إيران هو خطأ استراتيجي، حيث لم يغلق مفاعل نووي واحد، وهو يسمح بتطوير البرنامج، هذا ما دفع مراقبون للقول، إن الإبتسامات الأميركية في لوزان كانت منفصلة عن الواقع الكئيب حيث سقط الخيار العسكري ضد إيران وبشكل نهائي، لذلك يصف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الإتفاق بأنه خطر على وجود “إسرائيل”، وهو مَن حاول إدخال بنداً في الإتفاق يتحدّث عن الحفاظ على وجود “إسرائيل”، لكنه فشل في ذلك.
والرئيس الإيراني حسن روحاني، قال عن الإتفاق، إن إيران حفظت حقوقها النووية وستفي بوعودها في إتفاق لوزان، ولكن الخيارات مفتوحة أمامنا إذا أخلّ الطرف الآخر بوعوده، ووزير الحارجية الروسي سيرغي لافروف قال عن الإتفاق، بأنه إنتصار سياسي سيؤدي الى حل لأكثر المشاكل.
والمراقبون، أشاروا الى أن للإتفاق آثاراً بعيدة المدى وستغيّر وجه المنطقة، والقلقون من الإتفاق تجمعهم أهداف واضحة، وهم جميعهم شاهدوا، كيف تبحث الولايات المتحدة عن مصالحها في المنطقة وحتى دون إستشارتهم في الإتفاق، وبالتأكيد فإن الخاسر الأكبر هو العدو الصهيوني الذي ضاعت منه فرصة توريط الولايات المتحدة في حرب مجنونة على إيران، وبعد أن فعلت الأزمات فعلها في الإقتصاد الأميركي بالإضافة الى الخسائر الأخلاقية والسياسية التي ماتزال تدفع فاتورتها.
إن محاولات خلط الأوراق في المنطقة على خلفية توصل إيران لإتفاق مع دول 5+1 وتعزيز دورها وفاعليته، لن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، والأطراف الفاعلة هي مَن يفاوض من مركز قوة، أما العدوان على اليمن وتدمير مقومات الحياة لديه لن يخلق أدواراً للآخرين ولكنه سيساهم في زيادة حدة الإنقسام العربي والأعداء هم المستفيد الوحيد.