في الفرضيات، يتحدث البعض عن حال الشرق العربي المتهاوي، وبأن “المنطقة لم تعد تحتمل الصراعات العبثية”، كلمة حق يراد بها باطل لأنها صدرت في مكان وزمان له مدلولاته وخلال زيارة الرئيس التركي أردوغان للسعودية، جرى الحديث عن تعاون سعودي – تركي ضروري للمواجهة المقبلة، وبأن محور اللقاءات كان أكبر من مسألة هامشية مثل “الإخوان”، وإنما الإعداد لسياسة شاملة لوقف حال التداعي الجارية وبناء شرق عربي جديد بمشاركة القوى الفاعلة في المنطقة والتي قرأت المشهد بشكل واضح!؟ ولكن لم يتم تحديد تلك القوى، والسؤال، هل المقصود دور تركي جديد في المنطقة؟!
في الإستنتاج هناك حالة من خلط الأوراق في المنطقة بعد أن فشل المشروع الأميركي ومَن يدور في فلكه، وهناك بداية لتوافقات روسية – أميركية لحل الأزمة السورية، وهذا الأمر يتعلق بالمصالح الأميركية وبنجاح السياسة الروسية في المنطقة في تكريس مفهوم العالم الثنائي القطب، وخلق توازن جديد، وباختصار نجح الدب الروسي، بينما يحاول الحمار الديمقراطي الأميركي إبقاء الأوضاع كما هي ولكنه فشل لأكثر من سبب وأهمها صمود سوريا ومحور المقاومة والإنتقال الى مرحلة الهجوم وقبر المشاريع المعادية في المنطقة.
وبعد أن طالب محور السعودية ومعها دول الخليج من الولايات المتحدة ما لا تستطيع الأخيرة تحقيقه، مثل التدخل العسكري في سوريا وحسم الأوضاع بناء على رغبات هذا المحور، لكن ما حصل هو العكس تماماً كانت هناك روسيا حاضرة ومعادلة للوجود الأميركي في الأزمة، وهذا ما جنّب الأميركي الإنزلاق في متاهات جديدة وعدم فرض أي حل بالقوة، وكذلك الأمر في الملف النووي الإيراني، وهذا أيضاً ما منع الإنزلاق في متاهات حرب عالمية جديدة وفوّت الفرصة على الكيان الصهيوني الذي عمل على دفع الولايات المتحدة الى هذه الحرب.
اليوم أصبحت منطقة الشرق الأوسط بأسرها بلون النظام العالمي الجديد القائم على الثنائية القطبية، وفي النتائج أيضاً فإن حلفاء روسيا في إيران ومحور المقاومة بأكمله، هم مَن حققوا الإنتصار، وتحوّلت إيران الى لاعب إقليمي وبكل قوة في الميدان ونالت غطاء روسياً في مجلس الأمن، وبدورها سوريا انتقلت الى مرحلة الهجوم المعاكس وهي تحصد الإنتصارات وتهزم المشروع الذي استهدفها منذ أربع سنوات، بينما حلفاء واشنطن من الدول التابعة، بدأوا يعبرون عن امتعاضهم من أميركا، ويتحدثون عن متطلبات وشروط الحلف المتجدد، والحديث عن استراتيجية واستحقاقات على الطرفين، وبدأوا في الحديث عن الخطر المزعوم المتأتي من “إيران والعراق واليمن” وهم لا يذكرون الخطر الذي تمثله “إسرائيل” على الأمة جمعاء، وهم يتهمون واشنطن بأنها تقايض على المنطقة من أجل تحقيق مكاسب في مكان آخر، وينسون أنهم مجرد ألعوبة بيد واشنطن ودول الغرب الإستعماري، وهم مازالوا “يحدثونك عن مراجعة شاملة والمستقبل الخليجي – الأميركي”، لذلك تتم الإستدارة نحو تركيا التي لعبت أدواراً بربرية وسهّلت دخول الجماعات المسلحة لتعيث الخراب والتدمير في سوريا والعراق، ونقول هنا “ما عجز عنه الأميركي لن يحققه التركي”.
ويبدو أيضاً، أن الحل السياسي القادم في سوريا هو عنوان ترتيبات الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، والحل يبدأ من خلال حوار سوري – سوري، والأغبياء وحدهم يجهلون ما هي سوريا وموقعها الجغرافي والسياسي، وحاول هؤلاء أيضاً التقليل من دور مصر العروبة التي تعتبر استقرار سوريا جزءًا من أمنها القومي، وهي ترى نفس المخاطر التي تهدد سوريا واستوعبت الدرس بجدارة.