يحاول الخبراء وكل حسب اختصاصه ومناهجه الخاصة وقراءاته للوقائع أن يحدد جملة من المعادلات مثل تلك التي أصبحت تتحكّم بخريطة الشرق الأوسط بشكل عام، مرة من خلال نظرة كلية ومرة أخرى من خلال العمل على تجزئة القضايا وإعادة ربطها من جديد، وفي النتائج هناك حالة من التخبط لدى دوائر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وتعدد الملفات وسخونة الوقائع تساهم في إرتياب كبير عند تحديد سلم الأولويات.
وتأكيداً لحالة العجز التي أصابت بعض الدول التي ارتبطت بأجندات خارجية، يذهب أولئك للحديث عن الإستنزاف المتبادل كسياسة، واستخدام الإمكانيات المادية، الإقتصادية منها والمالية من أجل تحقيق أغراض سياسية، وفي الناتج هو وصفة لسياسات خاطئة تحاول الهروب الى الأمام ومستبقة الأمور وصولاً الى رسم سيناريوات لا تمتّ للواقع بصلة، ومثال ذلك، فشل دول الخليج ومعها السعودية في تحقيق أي إنجاز في اليمن من خلال محاولتها التدخل ورسم خريطة طريق آحادية وتعميم التجربة في أكثر من مكان، ونقول تجاوزاً، إنقلب السحر على الساحر، وانكشفت أوراق اللعب والحسابات الضيقة التي رتّبت على عجل من أجل قطف ثمار ربيع مزيّف لم يأتِ إلا بالخراب والدمار وإفساح المجال لأدوات القتل والتدمير المبرمج، أي أن سياسة الإستنزاف أثبتت فشلها في اليمن كما في سوريا، وسمحت بتدمير الإرث الحضاري والبنية التحتية على أيدي التدميريين من “داعش” وأخواتها على حد السواء ومن خلال مساهمة محلية مأجورة لبست لبوس الثورة عن غير حق ومن خلال أدوار إقليمية طامعة كما فعلت تركيا وامتداد دولي يمثّله دول الغرب الإستعماري والولايات المتحدة.
وفي المحصلة أيضاً، ثبت بالدليل القاطع، أن لا وجود لإستراتيجيات حقيقية للدول التابعة التي تلعب أدواراً مكملة لكل المشاريع الهدامة التي تستهدف أمتنا، وهذا بحد ذاته وصفة مؤكّدة لحالة الضياع، وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا شيء يخرج من لا شيء.
وفي خضم هذا الصراع، أثبت محور المقاومة قدرته وفاعليته واستطاع تحقيق الإنجازات على أكثر من صعيد، والمعادلات التي يترجمها على أرض الواقع تعكس حقيقة راسخة، الدفاع عن قضايا عادلة تستحق التضحية من أجلها ومواجهة تبعات المشروع الإستعماري الذي يستهدف المنطقة وحتى لو جاء على شاكلة الإرهاب وهو الناتج الطبيعي والأداة التي تخدم المشروع الإستعماري الذي يرمي الى إعادة تقسيم المنطقة وفق ما يمكن أن تسفر عنه الهجمة الجديدة.
وفي الناتج الجديد الذي أفرزته الوقائع، والهدف المعلن الحرب على الإرهاب وهو الذريعة التي تستخدمها الولايات المتحدة لإستكمال حروبها الحالية واللاحقة في الشرق الأوسط وفي أماكن مختلفة في العالم، وحيث تتطلب المصلحة الإستعمارية.
وعندما يطالب عضوان بارزان في الكونغرس الأميركي “بالحضور العسكري الأميركي على الأرض في الشرق الأوسط”، هذا يعني أن الحرب مستمرة ومتصاعدة، ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري جون ماكين والديمقراطي ديان فينستين طالبا “بإرسال قوات أميركية على الأرض الى الشرق الأوسط وفرض حظر جوي في سوريا، وتعزيز وجود الحضور الأميركي في اليمن”، وذلك من أجل الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة الملتهبة.
لقد حاول جورج بوش الإبن إقناع العالم في مشهد تمثيلي بأن “المهمة قد أُنجِزت”، كان يقصد بذلك الحرب على العراق، واليوم وبعد إثني عشر سنة، بدا أن المهمة لم تنجز، ويحاول أوباما إنهاءها ولكن بطريقة أكثر براغماتية، أن لا يندفع بمفرده الى ميادين القتال، بل يعمل على تسخير “الحلفاء” ودفعهم، وهذا ما أشار إليه في خطاب حال الإتحاد، قال: “بدلاً من الإنجرار الى حرب برية أخرى في الشرق الأوسط نحن نقود تحالفاً واسعاً، يضم دول عربية، لإضعاف وتدمير الجماعة الإرهابية”.
والسؤال الى أين يقود أوباما العالم تحت ذريعة الحرب على الإرهاب؟!