في الرابط ما بين صفقة السلاح الفرنسي لمصر وما بين الإرهاب الذي يهدّد المنطقة بأسرها والجريمة البشعة التي استهدفت عدداً من المصريين العاملين في ليبيا، هناك الكثير ما يستحق التوقف عنده والبحث في الأسباب والدوافع والمعاني والدلالات.
الإعلان عن قيمة صفقة السلاح الفرنسي التي تزيد عن 5 مليارات يورو، تثير التساؤلات بالنظر الى الصعوبات التي يواجهها الإقتصاد المصري، لكن في حساب الميدان والمصالح والحرب على الإرهاب تبدو كأمر واقع، وهذه الصفقة لا ترتبط بمصر وحدها، وبمن سيموّلها، لكنها تتعلق بحجم الإستهداف الذي يتعدّى مصر ليشمل دولاً كثيرة في الشرق الأوسط.
وهناك أيضاً، الدول الكبرى التي تحاول الإستثمار في الدمار والخراب لتحقيق مصالحها، وخاصة ما يتعلق باستثمارات النفط والغاز المنهوب بأسعار رمزية، فيما شعوب المنطقة ودولها تتقاتل فيما بينها تحت تأثير المشروع الإستعماري الأكبر وبعضها يتحوّل الى مجرد أداة في المشاريع المعادية.
وفي المعاني السياسية لصفقات السلاح تلك، ما يشير الى نهاية قدرة أميركا ممارسة الضغوط على مصر ومؤشر ذلك كلاشينكوف الروسي فلاديمير بوتين الذي أهداه الى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يشير الى استعداد روسيا تقديم السلاح لمصر نوعاً وكماً، ويأتي ردّاً على وقف تسليم المنظومات العسكرية الأميركية لمصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، وتعكس الصفقة أيضاً تحوّلاً في الموقف الأوروبي من مصر، وكذلك فإن حصول مصر على السلاح الروسي أيضاً، يعني إمكانية تغيير ميزان القوى الذي حافظت عليه الولايات المتحدة في المنطقة منذ إتفاقيات كامب ديفيد والذي يدعم التفوق العسكري لـ “إسرائيل”.
ما وراء الصفقة دور فاعل ستقوم به مصر في محاربة الإرهاب وتنفيذ أدوار خارج حدودها، وهي وضعت شروطاً لذلك حول مشاركتها وأكّدت بأن هذه المهمة لن تتم إلا ضمن قوات دولية بقرار من الأمم المتحدة.
والسؤال أيضاً، ما هي الفائدة التي ترجوها فرنسا من وراء خطوتها تسليح مصر؟ أي في الأبعاد السياسية والإقتصادية والإستراتيجية البعيدة المدى، ومن المنطقي القول، إن لفرنسا حساباتها الخاصة في منطقة شمال أفريقيا بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص، وهي صاحبة الإستثمارات الأكبر هناك، وهي تسعى للحفاظ على إمتيازاتها الناجمة عن تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية، لذلك تسعى تحت عنوان مكافحة الإرهاب واستثمارها لمجمل أوضاع المنطقة، وحاجتها الى دور مصري على الأرض لمواجهة الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا، وهي ضرورة تمليها التطورات والحسابات الإقليمية والصراع الدائر في المنطقة الأهم من العالم (الثروات والموقع).
ويمكن القول أيضاً، إن إنتقال مصر من الإعتماد على الولايات المتحدة الى تنويع مصادر السلاح، يتم بالفعل في وقت الذروة الذي بدأت فيه ملامح تغيير الخريطة الإقليمية، ومنه تلوح تغييرات أوسع في النظام العالمي، والصراع في المنطقة سيكون له تأثيرات على مختلف القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وما يجري في المنطقة الآن هو حرب لا مثيل لها في التاريخ تدور رحاها في منطقتنا وعلى حساب أمتنا ومقدرتها وثرواتها ووقودها حرائق ودمار وخراب واستهداف لوجودنا كأمة.
دور مصر هام وأساسي في هذه المرحلة الهامة من تاريخ منطقتنا، وهو دور يعوّل عليه الكثير، وإذا كانت الأولويات محصورة الآن في محاربة الإرهاب، فالأجدى أن تتضافر الجهود لإعادة ترتيب أولوياتنا التي تبدأ بالعودة الى التضامن في شأن القضايا العربية وعودة الأمن القومي العربي لأنه صمام الأمان في مواجهة جميع الأخطار والتحديات…