حظي الربيع العربي في بداية انطلاقته بحماسة واعجاب عدد كبير من العرب والمسلمين بعد ان اتخذ من الثورة السلمية عنوانا للاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في تونس ،ولكن عندما انتقلت عدواه الى الدول العربية الاخرى جعل من مصر تنوء تحت الفوضى والتقاتل المذهبي نتيجة تفرد “الاخوان المسلمون “بالسلطة ،بينما ترك ما يسمى ب “الربيع” ليبيا تحت رحمة الجماعات المسلحة التي لم تتردد عن قتل المواطنين والاعتداء على كراماتهم واقتحام المؤسسات الدستورية ،وهذا هو حال اليمن الذي تحول ايضا الى بؤرة للقتل والسرقات والفساد والمحسوبيات ،الى ان حط هذا “الربيع ” رحاله في سوريا التي تعاني اليوم من القتل والدمار والحرق والخراب فضلا عن الفتاوى التكفيرية التي تطلق بين الحين والآخر للاقتصاص من الشعب السوري الذي مازال يلتف في غالبيته الساحقة الى جانب وحدة سوريا ونظامها وجيشها في المواجهة المفتوحة مع الجماعات التكفيرية المسلحة.
خرج السوريون يطالبون بالاصلاحات فإذا بهم يجدون أنفسهم بلا حرية وبلا ديمقراطية، بعد ان ارادت “جبهة النصرة” المدعومة من جهات دولية واقليمية العودة بالمجتمع السوري إلى عصور التخلف والتطرف والحروب المذهبية والطائفية والدينية.
السوريون مندهشون من ممارسات هؤلاء، وباتوا يشعرون بأن هناك افكاراً جديدة تعرض عليهم، يبشر بها بعض حاملي اللحى والوجوه العابسة والكفار الذين يحملون السيوف والخناجر ويقتلون كل من بطريقهم، ولا يعتبرون ان “اسرائيل” عدوة، وبالتالي يمكن لهم تلقي العلاج في مستشفياتها، ويمكن الحصول على أسلحة منها للجهاد في سوريا !
بالأمس القريب دعا النائب وليد جنبلاط بخطاب فتنوي الى “استباحة دم” الموحدين المسلمين الدروز الموالين للنظام في سوريا ، منصّبا نفسه شيخا تكفيريا على عرش اطلاق الفتاوى بهدر دماء ابناء جبل العرب والعائلات الدرزية التي يقاتل ابناءها في صفوف الجيش السوري دفاعا عن الوطن والممتلكات وحرمة البيوت والاعراض التي اراد جنبلاط بفتواه البغيضة ان يحولها الى سلعة رخيصة في سوق “جبهة النصرة” واسياده في الغرب .
والسؤال هنا: ما الذي دفع جنبلاط الى مثل هذا الموقف ،وهل هناك من رابط بين فتواه الاخيرة ودعوة ايمن الظاهري قبل ايام قليلة الى اقامة امارة اسلامية في سوريا ، وما هي حقيقة ضبط مخابرات الجيش اللبناني كميات كبيرة من المدافع وقذائف هاون وقواذف ب 10 وذخيرة آر بي جي”، وصواعق وكميات من المتفجرات ، في عين زحلتا (الشوف) ؟
حسنا فعل شيخ عقل طائفة الموحدين المسلمين الدروز في سوريا حكمت الهجري حين قال انه “لا يحق لأي رجل يعتبر نفسه سياسياً أن يصدر أي فتوى أو توجيه سياسي خارج حدود بلده“.وأضاف: “نحن طائفة المسلمين الموحدين في سوريا لا نقبل ان ينظر الينا احد على اننا مزرعة له ويتصرف بها كما يريد ويصدر الفتاوى لها وفق ما يشتهي“.
وأكد الهجري إن طائفة الدروز في سورية “تعتبر كل من يخرج عن احترام الدولة والقانون ذاهبا باتجاه الفراغ ولا يخدم مصالحنا التي هي بالدرجة الأولى أمن واستقرار أبناء شعبنا وطمأنينتهم في بيوتهم ومناطقهم“.
دون ان ننسى وصف الشيخ أيمن زهرالدين جنبلاط بـ ” حرباء السياسة المتقلبة وزئبق المواقف المتخاذلة”، قائلاً: ” طالما نعق علينا بافكار سامة. فتارة يطلب من ابناء الجبل الاشم الصامد المضحي الجزء الذي لا يتجزأ من القطر العربي السوري، الانشقاق عن الجيش، وتارة يطلب منهم الانضمام الى المتآمرين على سوريا وشعبها“
وقال إن جنبلاط “عندما فشل في طلباته الماضية تعلم فتوى جديدة من أسياده في الغرب وجبهة النصرة ودويلة قطر فأفتى بهدر دماء ابناء جبل العرب أبناء واحفاد سلطان باشا الأطرش وعائلات الجبل المناضلة التي تقف مع وطنها سوريا“.
ترى، أي مبادئ يريد وليد جنبلاط ترسيخها في جبل العرب ، وأي قيم يجري نشرها، وأي سياسات وقناعات يحاول تثبيتها؟ ورغم ذلك، يصرّ البعض على المضي قدماً في دعم امثاله والله من وراء القصد
^