إنضمام فلسطين الى محكمة الجنايات الدولية هي خطوة في الإتجاه الصحيح، لآن هذه المحكمة هي محكمة أفراد، وتقديم الطلب يعني أنه سيُقبل تلقائياً، وهذا من شأنه أن يغيّر قواعد الموقف الراهن وسيضع الأمر بيد الشعب الفلسطيني ومنظماته الحقوقية، وبالتأكيد الخطوة هامة ونوعية رغم تأخرها عن موعدها الطبيعي وهدفها جر ضباط العدو وجنوده الى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على جرائم الحرب التي ارتكبت وبأثر رجعي منذ تأسيس المحكمة في تموز 2002 ويشمل الإستيطان الذي يعتبر جريمة مستمرة وفقاً لقانون المحكمة، وتقديم الطلب سيشكّل رادعاً للجرائم التي يمكن أن ترتكب لاحقاً، وهذا ما يفسّر الغضب والتهديدات والإجراءات الأميركية والإسرائيلية.
لكن هذه الخطوة جاءت في سياق رد فعل على فشل مشروع قرار فلسطيني في مجلس الأمن لم يكتب له النجاح، وهو مشروع قرار سقفه منخفض يمس بالحقوق الوطنية الفلسطينية في قضايا أساسية مثل اللاجئين والحدود والقدس، ولم تأتِ الخطوة في سياق المواجهة الحقيقية واستخدام كافة الإمكانيات في المعركة الدبلوماسية المفترضة التي يجب أن تترافق مع استمرار المقاومة كخيار أساسي في معادلة المقاومة تزرع والسياسة تحصد.
ويجري حديث عن إعادة عرض مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن بصيغته السابقة بعد أن تتغيّر تركيبة مجلس الأمن الدولي وانضمام دول جديدة الى عضويته غير الدائمة، وهذا أمر يطرح أكثر من سؤال:
لماذا يتم إعادة إنتاج ذات الأخطاء؟ والعودة الى الرهان من جديد على مشروع قرار سقفه هابط والرهان على تأييد أوروبا والولايات المتحدة أو امتناع الأخيرة عن التصويت؟ والسؤال أيضاً ما هي الشروط الجديدة الواجبة الدفع لتأمين تمريره في مجلس الأمن؟ طالما أن المشروع سيفرغ من مضمونه وربما يؤثر على مكسب الإنضمام الى المحكمة الجنائية الدولية لجهة تجميد ذلك، والعودة الى التفاوض الثنائي من جديد ودون جدوى كما جرى سابقاً.
لقد ظهر بأن الولايات المتحدة متطابقة في مواقفها مع حليفها الإسرائيلي، وهي ستدفع من جديد كي تعيد استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بذات الآليات السابقة التي لم تنتج إلا مزيداً من إضاعة الوقت وإتاحة الفرصة ليستفيد العدو الصهيوني في تعميق احتلاله وتوسيع استيطانه.
يأمل الفلسطيني أن تكون خطوة إنضمام فلسطين الى محكمة الجنايات الدولية كبداية للخروج من قيود ودوامة “أوسلو” وما جرّته من ويلات دفع ثمنها الشعب الفلسطيني وشكّلت مصاعب كبيرة على طريق التحرير والعودة من التنسيق الأمني الى تهميش خيار المقاومة والرهان على مفاوضات عقيمة.
والمطلوب رؤية وطنية شاملة تعيد الاعتبار للأهداف والمنطلقات على قاعدة التحرير والعودة وعدم الرهان على مفاوضات يريدها العدو لخداع العالم وتأمين غطاء لعمليات نهب الأرض الفلسطينية وتهويدها، والمطلوب إعطاء الأولوية لإنهاء حالة الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أسس كفاحية تعيد الإعتبار لخيار المقاومة، وهذا يحتم تغيير قواعد اللعبة جذرياً.
هذا هو الطريق الأجدى لإستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة.