أتحفنا الشيخ سعد بموقفه الجديد والذي يعكس تشتتاً وضياعاً فكرياً وسياسياً وكأنني بالشيخ سعد عندما يتحدث عن مطالب السلاح يشبه دولة جيبوتي وهي تصر على ان تقوم الولايات المتحدة الاميركية وروسيا بإلغاء ترسانتهما النووية والاّ…!
مسكين الشيخ سعد يبدو بأن والده الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتقن بحق اللعبة اللبنانية والتوازنات الاقليمية لم يعطه شيئاً من اسرار سياسته ربما لانه كان غير مقتنع بأن الشيخ سعد يستطيع ان يرث سياسة وحجم رفيق الحريري.
مسكين الشيخ سعد يريد سلاح المقاومة مستنداً الى دعم انظمة تتداعى يوماً بعد يوم ولن يكون اصحابه بمنأى عن التداعي خاصة وأنه اوحى بأن كلامه مصادق عليه من الذين اتصل بهم خلال الساعات الماضية ، فإذا كان يريد الايحاء بذلك نطمئن الشيخ سعد بأن موجة القضاء على الفساد في الوطن العربي ستطال معلميه وسيستعيد الناس ثروة امتهم المنهوبة منذ عشرات السنين من قبل معلمي الشيخ سعد.
لقد انتهت اللعبة يا شيخ سعد والسلاح بأيدينا باق طالما بقيت اسرائيل والسلاح في ايدينا باق طالما هناك كرامة عربية منتقصة والسلاح في ايدينا باق طالما هناك انظمة تنهب ثروات الشعب وتستغله خدمة لاميركا و”اسرائيل“.
إنني اقترح عليك التفرغ مؤقتاً لمشاريع اقل طموحاً من الذي اعلنته في البيال وان تقوم بضبضبة امورك المالية لان الحجز الذي طال اموال مبارك وبن علي سيصل الى اصحابك قريباً.
هذه هي اللعبة الاميركية الجديدة فهل ستدركها ام ستبقى كالامير جورج لطف الله الذي نودّ ان يطّلع اللبنانيون على قصته.
جورج لطف الله = سعد الحريري
من يستعرض كتاب ” قبل وبعد رؤساء لبنان كما عرفتهم ” للكاتب اسكندر رياشي يجده زاخرا بمواقف طريفة في ” قصة الأمير ” الذي أرسلته السماء إلى اللبنانيين وفيها مشاهد من حكايات ألف ليلة وليلة .
جورج لطف الله ، هذه القصة التي أضحكت البلد خلال فترة العشرينات من القرن الماضي وأغنت الكثيرين من أهل السياسة والصحافة لمجرد أن قرر صاحب الملايين الذي ورثها عن والده أن يصبح أميرا أو ملكا بلبنان . وهذا بالطبع كلّفه الكثير من المنح والعطاءات والهدايا الثمينة التي راح يغدقها على سماسرة العروش الذين سال لعابهم وضعفت نزاهتهم من شدة ما شاهدوه من ولائم كبرى وأكداس الذهب والجواهر التي وضعت في قصر حديدي عظيم في قصر الأمير . غير ان مغامرة أمير قصر الجزيرة سرعان ما انتهت بعد أن فشل في الوصول الى رئاسته ومطالبته جميع الذين تعرفوا على صناديقه بإرجاع المال الذي كانوا يأخذونه منه .
استعرضنا هذا الحديث لنقول ما أشبه اليوم بالأمس حين يبدو إننا موعودون أن نستمر في الدوران حول الأمير جورج لطف الله التي تتجسد قصته اليوم في شخصية سعد الحريري الذي قرر يوما وعلى غفلة من الزمن ان يصبح رئيسا لحكومة لبنان !
انه التاريخ يعيد نفسه حينما أصيب الحريري بجنون العظمة عندما أوهمه دعاته الموظفين والمأجورين في بلاط قريطم بأن ليس غيره أهلا لأن يكون رئيس حكومة بلبنان .
صور عديدة سرعان ما تترسب في الأذهان وهي تصح لعقد إجراء مقارنة بين لطف الله والحريري، إغداق الأموال، شراء الضمائر ، أجور باهظة ، هدايا ثمينة … ولكن سرعان ما يتبدل المشهد و تتلاشى الرئاسة فيما يبقى الفساد لطالما أن بيروت بيروت ، والجبل هو الجبل …لمزيد من التفاصيل إليكم قصة الأمير جورج لطف الله التالية :
جورج لطف الله: المرشح لعرش لبنان !
من كتاب اسكندر رياشي بعنوان:”قبل و بعد 9 رؤساء لبنان كما عرفتهم“
مضت رئاسة الدباس الاولى بسلام، من سنة 1926 الى 1929، ولعلها الرئاسة الوحيدة التي لم يكن لها قصة – اللهم اذا حسبنا قصة الامير جورج لطف الله قصة!
وإنها لقصة طريفة، وغنية، ومضحكة، وكان يغذيها نهر من الجنيهات.
وعند الفرنسيين مثل مأثور يقول: “هناك رب للفقراء!”.
ونقول بالمناسبة: هناك رب للصحافيين والسياسيين!
وهو ذاك الرب الذي جاء بالامير جورج لطف الله الى هذه البلاد، يطلب رئاسة، ثم عرشا!
كان ذلك قبل نهاية ولاية الدباس الاولى بأشهر، ولم يكن حتى ذلك الوقت، أحد يقول بترشيح نفسه للرئاسة.
إذ أن الرئاسة كانت ملكاً للمفوض السامي، يعطيها لمن يشاء. وكان المجلس النيابي ينتخب الرئيس اسمياً، ولكن المفوض السامي كان يحكم بالمجلس النيابي كما يريد ويشاء، ما دام يستطيع، ليس فقط ان يوقف قرارات المجلس، بل أن يرسله الى بيته بدون ان يكون مجبوراً ان يعين سبباً لذلك!
ولم يكن أحد قد تكلم عن الملكية في لبنان، قبل ذلك بطريقة صريحة، منذ انفصاله عن تركيا، غير رجل مستنير مؤمن بما كان يقول، هو الاستاذ حبيب البستاني، الذي كان عنده نشاط وشغب وعنف ابن عمه معاصرنا الان النائب اميل البستاني، ولكن لم يكن عنده ملايينه!
وكان يقول إنه أنشأ حزباً بالبلاد يطالب بملكية بلبنان لا جمهوريته، يكون الملك فيها أجنبياً مسيحياً – كما كان متصرف جبل لبنان يوم كان لا يزال ولاية تابعة للسيادة العثمانية!
ولكن تبين بعد ذلك ان ذاك الحزب الملكي كان مؤلفاً فقط من صاحبه كرئيس وكنائب رئيس وكأعضاء…
ومات حبيب البستاني، وأخذ حزبه معه، وما عاد احد تكلم عن الملكية في لبنان بعد ذلك حتى ظهر ذات يوم الخديوي عباس، وقد كان لاجئاً في سويسرا، بعد أن أخرجه الانكليز من مصر أنه يريد شراء عرش بلبنان!
وجاء عمال له يتحدثون عن الاموال التي سيصرفها عندنا في هذا السبيل.
ولقد عرضوا علينا المشروع، وعرضوا منافعه وميزات مكانة سمو الخديوي، واستعداداته الطيبة للدفع. ولكنهم لم يعرضوا فعلاً شيئاً من جنيهاته، مما جعل الناس يعرضون بسرعة عنه وعن مشروعه.
وهنا يجب ان نروي قصة الامير…
القصة التي اضحكت البلد زمناً وأغنت عدداً كبيراً من المشتغلين بالسياسة. وقد كانت قصة ذهبية لما رمى فيها الامير جورج لطف الله من مال!
..ولما حام حولها من شبهات وطرائف، ولما ظهر فيها عند أكثر السياسيين من جشع، وكذلك لما أظهره الشيخ محمد الجسر وبعض نوابه من الاستخفاف بالمال.
ولكن كيف كانت حكاية ترشيح الامير جورج لطف الله لرئاسة الجمهورية، وقد كان يقول عنها:
– طبعاً سأعمل مثل نابوليون الثالث: الرئاسة ستكون عندي طريق العرش!
في هذه القصة أشياء تكاد لا تصدق. وفيها مشاهد من حكايات ألف ليلة وليلة، مال وحسان، ومبارزات، وليال رومانية، وأنهر من اللآليء والذهب، ودسائس ومشاغبات… وتزوير في وزارة الخارجية بباريس، وشيخ معمم رئيس مجلس نيابي بلبنان، يضيع أكبر فرصة للاثراء والسعة، في الوقت الذي كان فيه اكثر زعماء السياسة بلبنان يتصدون لانتهاز الفرصة الصحيحة، وللتعرف الى كنوز هذا الامير الذي ترسله السماء إلينا!
اجتمع ذات مساء، في مطلع العام 1929، بعض الصحافيين ورجال السياسة اللبنانيين، من اهل المتاجرة والتملق، حول مائدة سخية في قصر الجزيرة بالقاهرة. وكان صاحب القصر لطف الله يرأسها.
جاؤوا كالعادة، يرسلون المدائح والاطراء لصاحب القصر، الذي كان حساساً كثيراً من هذا الجانب، مما كان يجعله يغدق النعم على هؤلاء الاساتذة في فن الكلام!
كان ضعيفاً جداً امام التمداح والثناء مع انه كان جباراً ومغرياً بعضلاته القوية، ذا شعر مبعثر حالك السواد، ولون اسمر حادق.
وكان مليونيراً كبيراً، من وراء ثروة كان والده قد وضع قاعدتها عندما هاجر من لبنان لمصر، حيث استطاع ان يربط مصيره بمصير الخديوي عباس المالك يومذاك…
وعندما كبرت ثروة الرجل وكان مصاباً بمرض العظمة وهو مرض اصاب انجاله من بعده بطريقة أقوى واشد قلنا وعندما كبرت ثروته ابتاع القصر التاريخي الجميل المدعو بقصر الجزيرة في ضواحي مصر، وجعله مقراً لسكناه ومنزلاً لضيافة عظماء الارض وكبارهم.
وكان الخديوي اسماعيل قد ابتنى هذا القصر بسرعة وبكرم عظيمين لتنزل فيه الامبراطورة اوجيني الحسناء عندما تأتي لمصر مع ملوك اوروبا تدشن افتتاح قناة السويس فلا يتبدل عليها شيء في قصر الجزيرة مما هو في قصر التويلري بباريس، حتى الفراش والشراشف والمرايات واواني الزينة وباقي مفروشات القصر.
ويقال بالمناسبة ان الخديوي اسماعيل جعل في جدران غرفة نوم الامبراطورة وحمامها ثقوباً خفية، يستطيع ان يمتع انظاره بعري اوجيني دي مونتجو الساحرة الجذابة.
وعاش مواطننا المهاجر الثري في ذلك القصر مع انجاله الاربعة، ذوي القامات الجبارة يتنشقون في جنباته هواء العظمة والجاه وهو الهواء الذي كان يسكرهم ويضيع توازنهم ويجعلهم يحلمون بالعروش.
وتلك الليلة حول تلك المائدة الفاخرة كان جماعة المتملقين النبهاء من ساسة وصحافيين واكثرهم لبنانيون يحيطون بالامير جورج لطف الله .
وكانت الامارة اخذها والده من الملك حسين بن علي عندما اعتلى هذا الاخير عرش الحجاز في الحرب الكونية الاولى فانضم حبيب لطف الله الكبير مع اولاده اليه ينادون بالعروبة ويجاهدون بجانبه حاملين له هدايا ثمينة واموالاً طائلة وضعوها في خدمة عرشه، مما جعله يقربهم اليه ويعطيهم لقب الامارة.
وكان الحديث على المائدة طريفاً وظريفاً، وكل من الحضور يفتش عن افضل الطرائف يقولها لسيد المكان حتى خطر فجأة خاطر جديد لاحدهم، هو المرحوم أنطون الجميل، رئيس تحرير “الاهرام” يومئذ وقال بمناسبة الحديث عن الجمهورية اللبنانية الجديدة وقيامها بالطريقة الارتجالية التي جرت:
– ولماذا لا يتكلمون في بلادنا لبنان عن عرش وملك؟ فإنما كل ايامنا عندنا عرش وإمارة.
ولمعت عينا الامير، وظهرت على فمه ابتسامة عريضة وضرب بقبضته القوية على المائدة فاهتزت الاطباق والملاعق وطار الديك الرومي في الفضاء وقال:
اذا كان ليس هناك احد في لبنان يتكلم عن عرش وامارة فأنا سأتكلم عنهما! وعندئذ انتهز المدعوون، الذين كانوا قد احتسوا الخمور الفاخرة النادرة فرصة ما اثاره هذا الحديث عند الامير من اطماع فراحوا يباحثونه فيه ويؤكدون له امكان تحقيق تلك الامنية وانه الوحيد الذي يليق به العرش وليس غيره اهلاً لان يكون اميراً بلبنان!
وما انتهت الهيئة الا وكان جورج لطف الله يعتبر نهائياً انه صار اميراً او ملكاً بلبنان وكان ايمانه بذلك مطلقاً لدرجة قيل انه في اليوم الثاني ارسل يستحضر رسوماً عن صور تيجان الملوك وصولجاناتهم وعروشهم ليوصي على افضل تاج وصولجان وعرش للملكة المنشودة!
وبعد ايام من ذلك صار قصر الجزيرة ملتقى تجار السياسة واهل الدعايات والمغامرات فضلاً عن جيش من الصحافيين العاملين في اسواق الاستثمارات السياسية، يقومون بالبروبغندا اللازمة للامير.
وبالغت الدعوة له مبالغات مستغربة حتى ان بعضهم وبمذكرات مطبوعة ارجع الامير جورج لطف الله عشرة اجيال الى الوراء ووجد له محتداً ملكياً قديماً جداً وجعله سليل بيت مالك عظيم في بلاد المشرق وصوره للناس داهية وعبقرية في العلم والسياسة والادب واميراً من امراء الف ليلة وليلة بلغت مكارمه الحد الاعلى في المنح والعطاءات والهدايا التي يقدمها حتى انه اغرق مئات الحسان بأنهر من الماس والجواهر!
وطبعاً كما قلنا اعلاه كان مرض العظمة والتفشير قديماً جداً في اشقائه ايضاً. فكان كل منهم له جنون جديد يشابه جنون أخيه اللهم الا واحداً منهم هو الامير ميشال.
وأذكر أن احدهم وقد كان في البداية وزيراً للملك حسين في روما أنعم ذات مساء على نفسه بلقب مارشال فارتدى بزة عسكرية مذهبة ذات نجوم وسيوف عديدة واخذ يعرض خدماته على حكومة بولندا، التي كانت يومئذ في خصام مع روسيا البولشفية!
وأكد انه مستعد ان يقدم لها فرقة الخيالة الصحراوية البالغة مائة الف مارس التي انشأها في الجزيرة العربية وهو قائدها الاعلى!
وبدأ الامير جورج لطف الله حالا اتصالاته بوزارة الخارجية الفرنسية مدركاً ان هذه الوزارة هي التي يمكنها ان تعمله رئيساً لجمهورية عن طريق مفوضيتها السامية ببيروت ثم بعد ذلك يبقى يمشي وحده نحو الامارة ومن بعدها نحو الملكية! وسافر الامير الى باريس قبل ان يأتي لبيروت!
وهناك في وليمة كبرى اقامها على شرف سكريتير وزارة الخارجية اخفى عقداً من اللؤلؤ نادر المثال ثميناً جداً ضمن منشفة السفرة فوق طبق الطعام المعد لزوجة السكرنير العام.
وكانت دهشة السيدة عظيمة جداً عندما جلست الى المائدة واكتشفت هذا الكنز الثمين ولم تستطع اخفاءه بالرشاقة اللازمة مما جعل اكثر الصحافيين الحاضرين يتحدثون في اليوم الثاني عن ذلك العقد.
وطبعاً عدا عن العقد دفع الامير بباريس لسماسرة العروش ما دفع ومنها الثلاثين الف جينه التي اعطاها لموظف كبير في وزارة الخارجية مقابل كتاب حمله من باريس عليه توقيع سكرتير الوزارة العام يطلب فيه السكريتير العام باسم الوزارة الى المفوض السامي الفرنسي ببيروت مساعدة الامير جورج لطف الله ليكون رئيساً للجمهورية اللبنانية!
وطبعاً اتضح ان الكتاب كان مزوراً وان الموظف الكبير في وزارة الخارجية الفرنسية ضحك على الامير واخذ المال واعطاه ذلك الكتاب بعد ان مهره بخاتم الوزارة فقط… مما هو سهل عمله على كل موظف فيها يستطيع دخول مكتب السكرتير العام.
وكان المفوض الاسمي قد عرف حالاً بالتزوير ولم يفصح الامر محافظة على سمعة وزارته بباريس ولكن الامير ظل حتى الساعة الاخيرة لا يعرف ان الكتاب كان مزوراً لهذا كان مدهوشاً جداً من موقف المفوض السامي ضده بعد ذلك ومتابعته مساعدته للدباس على تجديد رئاسته!
قلنا حمل الامير جورج لطف الله كتاب وزارة الخارجية وقد تخيل انه المصعد الذي سيصعد به الى الرئاسة ثم العرش وجاء لبيروت بطبل وزمر تتقدمه حاشيةمن السكريتيرة والخدم السود والدعاة والصحافيين وذلك بعد ان نظم عماله له هنا مهرجان استقبال عظيماً
ونزل في قصر سرسقي استأجره بأغلى الاثمان وكان اول ما اعتنى به ساعة وصوله انه سحب من المصارف وبطريقة علم بها الناس اموالا كبيرة ثم استخدم عنده امهر واحذق طباخ في ذلك الزمان طانيوس الشمالي الاستاذ الاكبر في علم الطعام بالامس وصاحب محلات وفنادق طانيوس الشهيرة الان.
وكان الامير يعرف عن حق ان هناك شيئين اساسيين يمكن بهما جلب الناس اليه بطنهم وجيبهم اي الطعام الشهي والذهب
وفتح ابواب القصر على مصراعيه، يدخله الناس بين سياجين من الخدم الزنوج المرتدين الاثواب المزركشة ذات الالوان الصارخة واتخذ له ديواناً في احدى غرف القصر حيث وضع مقابل المكان الذي يجلس فيه الزائرون صندوقاً حديدياً عظيماً يفتحه دوماً وبطريقة حاذقة عند المناسابت فيشاهد زواره اكداساً من الذهب والجواهر ليس لها مثيل حتى في افلام السينما فيسيل لعابهم وتضعف نزاهتهم
وهاتوا اخباراً حسنة ووعوداً جميلة عن الرئاسة لسموّه وخذوا جنيهات
وكنت انا شخصياً قد اعطيت الامير القابا كبيرة جداً ومنها لقب مونسنيور ولقب المونسينيور سياسياً يعطى فقط للامراء المالكين او المنحدرين من اصل ملكي
ويتساءل القارئ طبعاً كم كلف هذا اللقب وكم دفع الامير ثمنه؟
ولكن لم يكن هناك بيننا وبين سموّه كلفة في هذا المعنى فقد كان كريماً وكنا نتساهل!
لقد كان كريماً معناً كما كان كريماً مع جميع الصحافيين الكبار في هذه البلاد الذين كانوا يجتمعون كل ليلة على مائدته الشهية ويعللونه بالامال حتى في الاوقات التي تكون الامال برئاسته قد ماتت تماماً!
وهؤلاء الصحافيون الذين كان بينهم من يصلي بالنهار ويفخر على العالم بتجرده ونزاهته ومع ذلك يبيع نفسه بالليل هؤلاء لم يكن بإمكانهم بعد ان انتهت حكاية الامير ان ينكروا انهم كانوا دعاته المأجورين وذلك أقام عليهم الامير الدعوى بعد ان خسر المعركة نهائياًَ يطالبهم فيها بإرجاع المال الذي كانوا يأخذونه منه ونذكر من هؤلاء الزملاء جبران التويني خليل كسيب جبرايل خباز خير الدين الاحدب محمد اليافي نحن وغيرنا.
ويجب القول ان كل واحد منا مديون بوقف الملاحقة القضائية ضده للرجل نفسه الذي كان جورج لطف الله قد كلفه بإقامة الدعوى وهو الاستاذ الكبير عبدالله اليافي الذي اكتسب منذ ذلك الحين صداقة الصحافيين ومن هذا تبين له كما كان يقول دوماً ان صداقة الصحافيين لا تأتي ابداً مجاناً.
وكان ديوان الشيخ محمد الجسر في ذلك الحين اظرف ديوان والبقه يجتمع فيه كل صباح اهل الروح من ساسة وصحافيين يتناولون الطرائف والظرائف ومعظمها عن الامير جورج لطف الله واخباره المبجلة ومغامراته السياسية والعاطفية التي كانت تلعب فيها حسان معروفات ادواراً مغرية مقابل اجور باهظة وهدايا ثمينة عدا عن ان الامير وقد كان جواداً جموحاً قوياً كان ذلك الامير يفتش بين نصيراته كثيراً عن ارواء غليله من محاسنهن.
وكان ذات يوم ديوان الشيخ محمد يغص بالنواب واهل السياسة واللطافة وبينهم الاستاذ اميل اده الذي اتصف دوماً بفكاهة لسانه وظريف حديثه وسألنا حضرته وكنا نفراً من الصحافيين كيف اننا أمضينا اوراقاً مقابل المال الذي كنا نأخذه من جورج لطف الله. واستاذنا بالجواب من الرفاق الاكارم ولا ننسى لا الخباز ولا كسيب ولا التويني ولا بشارة الخوري الشاعر ولا شبلي الملاط ولا باقي اسياد الصحافة الذين كاناو حضوراً وقلنا:
ولكن الحساب بيننا وبين الامير سددناه القاباً وتمداحاً واشعاراً وبروبغندا ومع ذلك ماذا يمكنه ان يسترجع منا غير الذي اورثنا اياه الوالد؟
وكان هذا الكلام بعد ان غادر الامير البلاد طبعاً
ولا شك ان رئاسته كادت تتحقق لكثرة ما اشترى الامير رجالاً ودعاة لو ان الشيخ محمد الجسر الذي كان خصم الامير رضي بالثلاثين الف جينه التي حملناها له نقداً وعداً من اوراق المئة جينه المصرية حملناها انا وسكرتير الامير المدعو جورج خوري في الهزيع الاول من ذات ليلة ورفضها الشيخ رفضاً باتاً
ولكن لماذا؟
لانه كان وحده لا يزال في هذه الجمهورية السعيدة يؤمن اولا بالنزاهة ثم يؤمن ثانياً بالمفوض السامي الذي كان قد طلب منع منع المجلس من انتخاب جورج لطف الله رئيساً وتأمين تجديد الرئاسة للدباس.
والان لا يجب ان يتساءل القراء اذا كنا انا وجورج قد ارجعنا الثلاثين الف جينه كاملة كما اخذناها
هكذا انتهت مغامرة امير قصر الجزيرة ولكننا اثنائها عرفنا ان الكثيرين من كبار زعماء السياسة واركانها العالية وبينهم احبار من امراء الدين في البلد الذين كانوا يفتخرون امامنا بالتجرد والنزاهة والكرامة كانوا قد تعرفوا كثيراً على صناديق جورج لطف الله ولكنهم لم يكونوا صريحين كما كنا نحن بل كان عندهم الوقاحة لأن ينكروا كل ما كانوا يعرفون اننا نعرفه عنهم.
اسهبنا في هذا الحديث لنقول تماماً للجيل الحاضر ولاصحاب الانقلاب الاخير بلبنان الذين يدّعون ان الفساد ولد بعد الاستقلال اسهبنا لنقول لهم ان الفساد قديم جداً وقد كان في عهد الجمهورية الاولى كما كان وكما هو في عهد الجمهوريات الثلاث التي تبعت وسيبقى هكذا في الجمهوريات الاخرى التي ستتبع طالما ان بيروت هي بيروت والجبل هو الجبل
وجلّ ما هناك ان الاشياء كانت تجري في السابق بنوع من الظرف والكتمان ولم تكن العين قد وصلت للوقاحة التي هي فيها الان.
0