يرى مراقبون، بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما “مازال يتأبط الغموض كركيزة لسياساته الخارجية”، وهي وصفة مؤكّدة للتردّد والخشية من إتّخاذ قرارات نهائية في أوضاع دولية وإقليمية بالغة التعقيد في أكثر من بقعة في العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، ولهذا يوصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأنه يتقن الإبحار على حركة البوصلة المتحركة للرئيس أوباما وهو الدبلوماسي البارع في تشكيل أي مشهد سياسي وتلوينه بما يلائم المصالح الأميركية المباشرة أولاً وقبل كل شيء، وظهر هذا واضحاً في المفاوضات النووية مع إيران التي وصفت بالإنجازات.
ورغم أن الفجوة ضاقت إلا أنها مازالت عميقة، والخلافات تتعدّى الملف النووي الإيراني الى دور إيران الإقليمي المتصاعد.
ومع انتهاء المفاوضات النووية الإيرانية بين “اللانجاح واللافشل” كما تصفها أوساط أميركية، إلا أن الضغوط على الرئيس أوباما زادت وتيرتها مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بعد الإنتخابات النصفية، ومجالها في السياسة الخارجية، المفاوضات مع إيران والحرب على “داعش” ومصير العملية التفاوضية بين فلسطين و”إسرائيل” والقضايا المتعلقة بالأزمة السورية.
اللافت هو تصريح الرئيس التركي أردوغان الذي وصفه حليفه الدولي (الأميركي) بالوقاحة وبرفض مطالبه اللامتناهية، وذلك بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً لإسطنبول، وبعد يوم من انتهاء الزيارة، قال أردوغان في تصريحه: “إن النفط هو عنوان الدافع الاستراتيجي الوحيد للأميركيين في المنطقة”، وهذا يدل بأن الجانب الأميركي لم يلبِّ مطالب حليفه التركي بإنشاء “منطقة عازلة”، أي أن طموحات أردوغان لا مكان لها في الأجندة الأميركية والمطلوب هو الدور التركي الذي يخدم المشروع الأميركي في المنطقة.
في زيارة بايدن لتركيا، حاول تغيير موقف الحكومة التركية القاضي “بالإمتناع عن المشاركة في “الحرب على داعش” بقوات برية ويفتح قاعدة إنجرليك لطيران التحالف طالما لم تتحقّق شروطها”، تلك المتعلقة بـ “إعلان منطقة حظر جوي وإقامة منطقة عازلة وتدريب مسلحين من “المعارضين” ورؤية تركيا لحل المسألة السورية”.
وفي الوقائع والإستنتاج أيضاً، تجنّب الجانب الأميركي تماماً الحديث ولو تلميحاً عن تلبية الشروط التركية وحصر الإتفاق التركي – الأميركي بدعم ما يسمّى المعارضة السورية المعتدلة للسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها “داعش”، وضمان مرحلة إنتقالية وهي ليست هيئة الحكم الإنتقالية التي تمّ الترويج لها في جنيف 1 و2 والتي طُويت صفحتها.
وفي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى روسيا ومقابلته الرئيس بوتين في سوتشي، كان المعلّم واضحاً للجميع، فهو رفض فكرة تنظيم مؤتمر دولي على نمط مؤتمرات جنيف، فهي أصبحت من الماضي والوقائع تغيّرت كثيراً والأولوية هي لمحاربة الإرهاب وبيئته الحاضنة وتجفيف مصادر دعمه، وأكّد أن الحل الممكن والواقعي للأزمة السورية، يتمثّل في الحوار السوري – السوري، ومحاولات التدخل الأجنبي فشلت، ونقاط الخلاف التي تراكمت منذ سنوات، أصبحت موضوع استثمار من جانب أعداء سوريا، وأكّد المعلم تأييده لمهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على قاعدة فهمه فكرة تجميد النزاع في بعض المناطق كمدخل وعلى تعزيز المصالحات المحلية التي نجحت في مناطق عديدة في سوريا وهي مسار لعودة الحياة الطبيعية.
ما يمكن قوله إن كل المؤشرات التي بدت في الآونة الأخيرة، مثل اشتعال الخلاف الأميركي – التركي، وسقوط مشروع جنيف وتوابعه، كلها تؤكّد فشل المشروع الذي استهدف سوريا، وتداعيات هذا الفشل مستمرة بين صانعيه وأدواته، ولن تنجح محاولاتهم الرامية للعودة بعقارب الساعة الى الوراء.
يرى البعض بأن الأوضاع مفتوحة على مزيد من التصعيد، وفرص إيجاد حل لا تبدو قريبة، وهذا يؤكّد بأن الصراع مستمر في المنطقة وفشل أعداء سوريا من تحقيق أي إنجاز في حربهم ضدها، وتبدو الخلافات اليوم أكثر وضوحاً بين تلك الدول التي خطّط لعدوانها وبين الأدوات الإقليمية صاحبة التنفيذ والتمويل، والسبب في ذلك صمود سوريا وهي تمضي منتصرة ومعها محور المقاومة الذي أثبت مدى فعاليته وقوته وثباته على المبادئ وهو يحقق المزيد من الإنتصارات على كافة الصعد وفي الميدان.