في الحديث عن فرص إبرام إتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، وبين إيران ومجموعة دول 5+1، يمكن القول بأن عملية التفاوض وصلت الى ذروتها ونحن في يوم 24 تشرين الثاني، ما تمّ تسريبه يفيد أن التفاوضات لم تحقق تقدماً مهماً في القضايا الرئيسية العالقة سواء على صعيد القدرات الإيرانية لتخصيب اليورانيوم أو رفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
ورغم ذلك مازالت الأمور تراوح بين ما قاله وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن “استمرار وجود فجوات كبيرة” في المحادثات، وما قاله وزير الخارجية الألمانية فرانك فالترشتاينماير بعد لقائه كيري إن “تحقيق نتائج ملموسة مفتوحة تماماً، على رغم الفجوات الكبيرة، ونرى أننا لم نكن يوماً أكثر قرباً من إتفاق”.
الموقف الإيراني واضح وحازم: “والوفد الإيراني يجب أن يحصل على رفع تام للعقوبات الدولية، وإذا لم نتوصل الى هذه النهاية، فذلك يعني أننا لم نتّفق على شيء”، ومن الناحية العملية يمكن القول، إن التعقيدات المستمرة في المفاوضات تفيد بعدم إمكان بلوغ النتيجة المثالية، وهي الرفع التام للعقوبات، ولكن أيّاً تكن النتائج ستكون إيران رابحة، من خلال موقفها الصادق والمبدئي وتمسكها بحقوقها النووية.
وحول مسار التفاوض، فإن المفاوضات كما يراها مراقبون، تسير الى الأمام، والخيارات الأربعة التي كانت موضوعة على الطاولة تغيّرت، والحديث يدور عن ثلاثة خيارات، حيث تمّ اسبعاد خيار فشل المفاوضات، والمسار الجديد المتوقع يتمحور حول، إما تمديد المفاوضات الى فترة قصيرة إضافية، أو يكون إتفاق جديد، أو أن الأمور تتّجه الى إتفاق من نوع معيّن.
وحول الظروف التي عُقدت فيها المفاوضات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة، يمكن القول، إن القضايا الأمنية والسياسية كانت على جدول المفاوضات ولو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها على نوعية الإتفاق الممكن، حيث تواجه الولايات المتحدة تحديات جدية (المشاكل مع روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا، والتطورات الإقليمية تزيد من المشاكل الأميركية في المنطقة) وهناك التحالف الدولي ضد “داعش” وغيرها، وفقدان أميركا السيطرة على الحركات الإرهابية جعلت ظروفها غير طبيعية، والأميركيون أيقنوا أنهم بحاجة ماسة لإيران من أجل السيطرة على أوضاع المنطقة الأمنية والسياسية.
ومسار عملية التفاوض خلال المرحلة السابقة، لعب لصالح إيران، التي أصبحت منفتحة أكثر على العالم ولها دول صديقة إقليمياً وعالمياً، ومحور المقاومة يشكّل قوة هامة يحسب حسابها، وبدا بأن التفاوض جرى بشكل عملي بين إيران وأميركا، ولإيران دور كبير في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال علاقاتها، وكذلك الولايات المتحدة لها حساباتها وسبق لها أن تورّطت في فرض عقوبات اقتصادية على الشعب الإيراني.
ولو فرضنا جدلاً، السؤال التالي، مَن أحوج الى التوصل لإتفاق، إيران أم الالولايات المتحدة؟
بالتأكيد وفي ظل الحرب التي يشنها التحالف على “داعش”، وعلى ضوء تراجع قدرة الولايات المتحدة وهي تنخفض بسرعة، وهي لم تستطع النجاح في الأزمة الأوكرانية بسبب صلابة الموقف الروسي، وتحاول الولايات المتحدة استخدام نتائج إنتخابات الكونغرس من أجل الضغط على إيران وأوباما يتذرّع بضغط الجمهوريين ويطالب بالتنازلات، لكن إيران أيضاً تطالبه بالتنازلات من أجل مساعدته لحل مشاكل الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، ومن مصلحة أميركا وشخص أوباما حل المشاكل مع إيران، لهذا تصرّ إيران على الحصول على إتفاق جيد، ومناسب وإلا فاستمرار الحالة الراهنة أيضاً سيتيح لها فرص لا تقل أهمية عن اللحظة الراهنة.