تتعرض سوريا لعدوان خارجي ذو أهداف بعيدة المدى يتعلق بوجودها وموقعها ودورها في المنطقة، ومَن ينفّذ العدوان هم بعض الأدوات المأجورة التي وضعت نفسها بتصرف العدو وارتضت أن تكون معوَل هدم في مشروع استعماري خطير، لا يستهدف سوريا وحدها وإنما يستهدف حلفاءها الذين وقفوا في وجه الهجمة الأميركية – الصهيونية على المنطقة التي تحاول تعويض إخفاقاتها في إرساء النظام العالمي الآحادي القطبية.
وأؤلئك الذين يتم تشغيلهم من قبل أعداء الأمة، ليسوا إلا عصابات إجرامية مسلحة تمارس الإرهاب بأدق تفاصيله وأبشع صوره، إرهاب يهدف الى تدمير كل شيء معنوي وفكري أو مادي وتراثي على مساحة الأرض السورية.
تقود أميركا أتباعها وهم حشد لمشروعها، وهناك أيضاً حفنة من أولئك الذين يحاولون تزوير الحقائق عبر أدواتهم المدربة على طرق التلفيق المبرمج المدعوم من إعلام متصهين، يقلب الأمور ويسمي الأشياء بعكس حقائقها، ويعتبر القتلة ثواراً والإرهاب ثورة ويطرحون شعارات مضللة أصبحت مكشوفة ومستهلكة، وأسقطها طبيعة القوى التي تمد هؤلاء بالسلاح والمال وهي دول لا عهد لها ولا إدراك عندها لشيء من الشعارات التي يرفعها مَن تدعمهم وتسميهم ثواراً.
صمدت سوريا في مواجهة العدوان وأدواته وسجّلت إنجازات ميدانية مؤكدة في مقابل وحشية وإجرام العصابات المسلحة، وهذا ساهم في كشف الحقائق، واضطر مَن يريد أن يفهم رؤية الأمور كما هي، والإقرار لسوريا بالصدق في القول والتوصيف، وأن ما حصل ليس ثورة وإنما كذب افتضح أمره، وهذا ما دفع رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز ومن منبر الأمم المتحدة لتؤكد بموقف واضح وجريء وفضحت ما تسميه أميركا “مجتمع دولي” بعد أن كشفت تزوير الحقائق، وأوضحت أبعاد الهجمة التي تتعرض لها سوريا.
إنتصرت سوريا وجاء الإقرار الدولي ليؤكد أنها على حق في توصيفها لما يجري من وقائع، انتصار تكامل مع إنجازاتها الميدانية، واجهت الإرهاب ومنعته من تحقيق أهدافه في الكثير من الساحات، أما أصحاب الهجمة والمشروع المعادي ومن تصفهم أميركا بالحلفاء، فقد اضطروا للمجاهرة بالإقرار بأن هناك إرهاب، وصادق مجلس الأمن على الإقرار وتقررت المواجهة، ولكن أي مواجهة؟
كان يفترض أن تتراجع أميركا ومَن معها عن عدوانها على سوريا إذا أرادت إثبات مصداقيتها، وأن يتم التوجه معها لمحاربة الإرهاب الذي تقول بخطره عليها وعلى العالم.
أميركا تتصرف من خلال ما تسميه “تحالف دولي” من خلال سلوك مغاير للمنطق، وفي الوقت الذي قررت فيه مواجهة إرهاب “داعش” و “النصرة”، قررت إنتاج إرهابيين جدد للحلول مكان هؤلاء، وكأنها عملية استبدال إرهابي، يجري إعدادهم خلال فترة السنوات التي حدّدت لمحاربة “داعش” حيث قررت أميركا دعم العصابات الإرهابية بملايين الدولارات (500 مليون دولار) تخصصها لمن سمّتهم بـ “المعارضة المعتدلة”، وهذا يعني الاستمرار بنفس الألعاب، ولجأت الى تشكيل تحالف دولي يعمل بقيادتها على حد ما جاء في قول وزير خارجيتها جون كيري: “إن العالم يعمل تحت القيادة الأميركية لمحاربة الإرهاب”، وفي واقع الأمر، هذا التحالف لا يشمل إلا تابع أو أدوات لأميركا وفق اختيارها.
واختارت أميركا البدء بعملياتها ضد “داعش” على الأرض السورية، وقامت بالتنسيق غير المباشر، أي الإبلاغ المسبق عن أي نشاط عسكري في الميدان لمنع مواجهة وتآكل القدرات، وذلك بخلاف التنسيق الذي يتّجه لتوزيع المهام بما يشكّل تكاملاً للطاقات والقدرات ويسرّع في تحقيق الأهداف.
وهذا العمل يفسر بأنه غير مشروع وفقاً للقانون الدولي لأنه لم يحصل بناء لطلب الدولة صاحبة السيادة أو بناء لقرار من مجلس الأمن الدولي، ولكنه اعتراف بالسلطة الشرعية القائمة في سوريا لأنه تمّ بالتنسيق السلبي وارتبط بتعقيدات مختلفة.
وهدف محاربة الإرهاب يحظى باهتمام دولي وإقليمي وهو في صلب الأهداف السورية، لكن المخاطر الكامنة تتمثل في نية أميركية أكيدة في العدوان على سوريا والتدخل في شؤونها وهي تنتظر الفرصة المناسبة أو عندما يتم خلط الأوراق من جديد.
وبالنسبة لمواقف حلفاء سوريا مثل روسيا وإيران، كانت مواقفهم واضحة، تمثّلت في رفض السلوك الأميركي وحذّرت منه ودعت الى العودة الى مجلس الأمن الدولي ليكون العمل منسجماً مع ميثاق الأمم المتحدة، ويشكّل هذا الرفض تكاملاً بين سوريا وحلفائها، ونظرة موحدة للربط بين الاستراتيجية والتكتيك، ومن مصلحة سوريا من الناحية الميدانية الآنية، أن يتم ضرب “داعش” وهو يعني ضرب الأدوات التي راهن عليها أعداء سوريا.
إن القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي لمواجهة الإرهاب في سوريا والعراق، إن لجهة توصيفه وتسمية عصاباته (القرار 2170)، أو لجهة منع تنقل الإرهابيين ودعمهم (القرار 2178)، وفي غياب آلية عمل تمكّن من الوصول الى تحقيق أهداف القرارين اللذين اعتمدا تحت الفصل السابع بشكل ملزم لكل الأعضاء، وهي قرارات واضحة تحدد المسار المجدي لإجتثاث الإرهاب من المنطقة وسوريا مع التمسك بتلك الثوابت.
والعمل الفاعل في مواجهة الإرهاب يقتضي العمل على الأرض إلا إذا كانت الأهداف الحقيقية غير واضحة، والقوات البرية المؤهلة للعمل ضد الإرهاب هي القوات السورية ومَن معها من قوات حليفة ورديفة.
أما الوعود الأميركية بتدريب ما بين 5 آلاف و15 ألف مسلح من أجل إتمام العملية هو عبارة عن مماطلة وإطالة للعمليات تخفي وراءها ما يثير الريبة ويزرع الشكوك خاصة وأن أميركا موصوفة بالغدر والإنقلاب على الشرائع في سبيل مصالحها.
وفي حربها على العراق ورغم حجم الخسائر المادية والبشرية، حاولت الولايات المتحدة فرض عملية سياسية من خلال رؤيتها الآحادية وفلسفتها الاستعمارية في طريقة التعامل مع المكونات، لعبت على التناقضات وأعطتها الأهمية ونفخت في كل ما يؤدي الى إضعاف العراق وتجزئته، الشيء الوحيد الذي نجحت في تحقيقه هو مساهمتها في تأمين بيئة حاضنة للإرهاب، اصطنعتها من خلال ما قامت به من أساليب القتل والتدمير والتعذيب وإثارة الفتن بين الأطراف كافة، وهي بذلك مَن يملك براءة الإختراع في إنشاء مجموعات الإرهاب المتعدد الجنسيات رغم أن الإرهاب لا جنسية له.
اليوم لا تستفيد واشنطن من تجاربها السابقة، وهي أصبحت لا تملك أي تحالف حقيقي في المنطقة إلا ربيبتها الكيان الصهيوني الذي تسهر على تأمين راحته وحماية أمنه وهو حامي مصالحها في مرحلة طويلة، لكنها اليوم تأكدت بأن الأوضاع باتت تتطلب حضورها المباشر الى المنطقة وهذه المرة تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي تمثله “داعش” وغيرها، هذا من الناحية النظرية. أما أهدافها المستترة فهي لم تتغير وتسعى الى تحقيقها بكافة السبل وهي ترى بأن فرصتها سانحة وكيف لا، وقد وجدت “شركاء” على استعداد تام لتغطية نفقات حروبها في المنطقة.
وفي الشرق الأوسط الذي تعمّه الفوضى، اختارت الولايات المتحدة إعادة إنتاج الفشل وعدم الاستفادة من تجارب الماضي القريب، وهي تعمل من خلال استراتيجية جديدة تدور على ما سبق اختبار فشله، ابتكار “حلفاء” ومدّهم بالسلاح والمال، والحلفاء اليوم في سوريا “معتدلون”، واقترع الكونغرس الأميركي لتدريبهم على أساس أن هؤلاء ليسوا مخيفين مثل الآخرين، وأن عددهم لا يزيد عن 5 آلاف، هذا العام سيتم تدريبهم ومهمة هؤلاء مقاتلة الجيش العربي السوري و”داعش” على حد سواء؟!
مثل هذا التصور الأميركي هو الأقرب الى “تراجيديا عبثية”، وتدرك الإدارة الأميركية أنها ليست أمام خيارات ناجحة على المدى القصير والأمر يحتاج لسنوات.
وفي الولايات المتحدة أيضاً مَن يرى، أن إلحاق الهزيمة بـ “داعش” في سوريا يقتضي أكثر من إلقاء بضع قنابل عليها ودعم مجموعة صغيرة معتدلة درّبتها، يقتضي تدخل قوات برية أو التحالف مع سوريا، وثمة مؤيدين لهذين الخيارين في أوساط الحزب الجمهوري وعدد كبير من الصقور يميل الى إرسال قوات برية الى أرض المعركة مثل جون ماكين، والبعض يريد التحالف مع سوريا لمحاربة الإرهاب مثل “راند بول”، لكن مقاربة الحالين ترجح كفة وجهة نظر ماكين، وترمي الى التصعيد تدريجياً، تبدأ بالقصف ثم قوات خاصة، وربما تتّجه الأمور الى الصدام على الآرض والحرب على أكثر من جبهة.
ويرى مراقبون، أن بوسع الرئيس الأميركي التراجع والعودة الى استراتيجية الاحتواء والتقويض في العراق وتفادي التزام كبير في سوريا، وهذه الاستراتيجية لا تطيح “داعش” الى حين ترتيب تحالفات جديدة في المنطقة أو العودة لمحاولة تجريب الحرب البرية (تركيا) أو العودة عن الخطط السابقة والتحالف مع سوريا لمحاربة الإرهاب، وتجنّب الوقوع في براثن الأوهام كما حصل في العراق عام 2003.
فرضت الأولويات الأميركية المبرمجة جدول أعمالها المتمثّل في المصالح والهيمنة على بقية مشاغل أطراف التحالف تحت عنوان محاربة “داعش”، والأولويات الأميركية مختلفة تماماً عن أولويات بعض الدول العربية التي شاركت في التحالف، وفي حين تسعى الولايات المتحدة الى الاستمرار في محاولات التفاهم والتهادن مع إيران، تأمل تلك الدول التي انجرّت الى تحقيق بعض ما تراه فوائد وشيكة في أن تؤدي “الشراكة” مع الولايات المتحدة الى التأثير واستيعاب الطموحات الإيرانية في ساحة الحرب المفترضة في العراق وسوريا.
يرى البعض أن دور الدول العربية التي شاركت في العمليات العسكرية في سوريا ضد “داعش” لا يتعدّى “إثبات الجدارة” في تحميل المسؤوليات، وهي تهدف أيضاً الى منع دور سوري في مكافحة الإرهاب وقطع الطريق على دور سوري فاعل في المنطقة، ومن ثم إدخال الولايات المتحدة كطرف مباشر في أعقاب التردد والتراجع الذي رافق مواقف الرئيس باراك أوباما.
وهناك مَن يراهن على دور أميركي جديد، يتمثل في الدعم العملي “للمعارضة المعتدلة” عبر السماح لحلفائها “العرب” بتوفير السلاح والقيام بالتدريب والمعونات، وهذا ما يعتبرونه تحوّلاً نوعياً من شأنه أن يغيّر الموازين العسكرية على الأرض كي يكون بالإمكان استئناف العمل على حلول سياسية.
وهناك بعض الأهداف المستترة من وراء هذا “التحالف” ووعود أميركية، بأنها لن تستغني عن دور الدول العربية المشاركة وهي شريك أساسي “وهي المؤثر الرئيسي في دور المحارب على الأرض” الذي لا يستغنى عنه في الحرب ضد “داعش” ألا وهو العشائر السّنّية في العراق وحاجة واشنطن للرياض؟!، وحسب هذه الفرضية، “المحارب الذي لا يمكن الاستغناء عنه في سوريا هو “المعارضة المعتدلة”.
أليست هذه الحرب التي أعلنها الرئيس باراك أوباما من منبر الجمعية العامة ومن قاعة مجلس الأمن الدولي وقال: “إنه لن يمكنه خوضها من دون الشركاء “العرب” دولاً و”معارضة سورية”، والسؤال، ما هي الضمانات التي قدمها أوباما لهؤلاء الشركاء؟ بالتأكيد لا شيء، لأن الحرب تجري وفق الأولويات الأميركية، ويأمل هؤلاء بأن الحرب لن تتوقف عند موقع “داعش” ومشتقات القاعدة، وفي حدها الأدنى، فإن المغامرة التي يخوضها هؤلاء ضد “داعش” بسبب ما تشكله من خطر مباشر يهددهم في عقر دارهم ويهدد مبدأ الدولة.
نحن أمام حرب استنزاف أميركية بمشاركة عربية مباشرة، لذلك ستطول الحرب في المنطقة، وستطول في غياب التفاهمات السياسية بين إيران والولايلات المتحدة من ناحية وبين واشنطن وموسكو.
واستراتيجية حرب أوباما تأتي من خلال المسؤولية العربية ولم يتطرق الى الدور الإيراني في المنطقة، وهو بذلك أعلن حرباً ناقصة على الإرهاب، كما أعلن حرباً فارغة على روسيا عندما وضعها في قائمة التحديات الثلاث الرئيسية، “دور روسيا في أوكرانيا، وإرهاب “داعش” وأمثاله، ووباء إيبولا”.
مثل هذه الاستراتيجية لا تدل على رؤية صائبة ومثل هذه السياسة هي بمثابة رد فعل لا غير ولا تصل الى مستوى التحديات التي تتمثل باستراتيجية متكاملة.
وعندما حدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما مدة الحرب “الإفتراضية” هذه التي تُشن على “داعش” بثلاث سنوات، إنما أراد أن يحيل تبعاتها الى خلفه الرئيس المقبل بعد 20 كانون الثاني 2017، وخلال هذه الفترة من المحتمل أن تدخل قوى جديدة في عملية تشكيل التحالف الدولي تحت عنوان المشاركة في إرساء دعائم عالم خالٍ من النزاعات الإقليمية والقومية والطائفية وغيرها.
ومن هنا يرى البعض، أن الولايات المتحدة ستركّز في حربها المعلنة على استقطاب أكبر عدد من الدول المشاركة في سبيل دحر “داعش” و”القاعدة” باعتبارها الحاضنة الأولى لكل منظمات الإرهاب، وخاصة في دول معرضة لإضطرابات سياسية واجتماعية بسبب تدخل “داعش” في شؤونها المحلية، لذلك حدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما الخطوط العريضة لخطته الهادفة الى تصفية “داعش” وقال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إن هذه المهمة تستدعي استنفار كل الدول المعتدلة الرافضة مبدأ توظيف الدين للقيام بعمليات القتل والتشريد والتهجير”.
وفي حديث عن تنظيم “داعش” أجراه وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، قال: “تجاوز “داعش” الوصف القائل إنه قوة إرهابية فقط والسبب أنه نجح في عملية الدمج بين الإيديولوجيا المتزمتة والبراعة العسكرية والتكتيكية والاستراتيجية المتطورة، إضافة الى هذا، فإن عناصره تحكم مدناً وتجمع الضرائب من المواطنين، وتحصل على 3 ملايين دولار يومياً من بيع النفط، لذلك يجب أن نستعد لكل المفاجآت”.
والسؤال الذي يكرره المراقبون، لماذا تجاهلت واشنطن التنسيق الذي دعا إليه وزير الخارجية السورية وليد المعلم في مؤتمره الصحافي حيث أعلن استعداد بلاده للتشاور مع الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الإقليمية، من أجل مكافحة الإرهاب، واشترط إجراء تنسيق مع بلاده حفاظاً على السيادة الوطنية.
لكن القيادة الأميركية حاولت تبرير ذلك بطريقة لافتة وهي محل انتقاد كبير لأنها تجافي الموضوعية ومنطق الأشياء وتنم عن حسابات مغلوطة عندما قالت إن هذا الجزء من البلاد يخضع لسلطة الإرهابيين، وهنا يبرز السؤال التالي، هل أن مثل هذه الذرائع تسمح بانتهاك سيادة الدول وكيف لو تمّ تعميم مثل هذه الأمثلة على أكثر من مكان في العالم؟ أليس هذا ما يمثل شريعة الغاب الأميركية؟!
ويبدو واضحاً من التصريحات المتكررة من الجانب الأميركي ونوعية ما يراد تسويقه يتمثل في تكبير حجم المخاطر التي يمثلها تنظيم “داعش”، ومحاولة إطالة أمد الحرب الافتراضية وعلى أمل خلق وقائع جديدة خلال تلك الفترة، ومثل هذا يشير الى أن الخطة الأميركية تعاني من وجود ثغرتين واسعتين يصعب ترميمهما: مثل “إعلان مدة الحرب من قبل واشنطن بطريقة غامضة ومقلقة تبدأ بثلاث سنوات مفتوحة على المجهول، ومثل هذا الغموض سيعطي “داعش” وحلفاءه فرصة استغلال الوقت الطويل لاجتذاب مناصرين واستقبال عناصر جديدة من المنظمات المتطرفة في الشرق الأوسط وأفريقيا”، وكذلك أيضاً هناك “غياب خطة سياسية وأمنية بديلة تسمح للدول المشاركة في الحرب بإعادة ترتيب الوضع الإقليمي في شكل مستقر وناجز”، أي أن الخطة والحال المتبعة ستؤدي الى المزيد من الفوضى وتعظيم حالة عدم الاستقرار والاستفادة من الفوضى في عملية خلط الأوراق في المنطقة وترسيخ هيمنة أميركية كاملة على الدول العربية المشاركة في التحالف.
الأسئلة كثيرة حول تنظيم “داعش”، مَن يتولى تدريبه وتسليحه بأفضل الأسلحة، ومَن يتولى جلب آلاف المقاتلين من ليبيا وتونس والمغرب والقوقاز والشيشان وبلدان الخليج ويتولى تأمين طرق عبورهم وانتقالهم الى سوريا والعراق من الدول المجاورة وفي مقدمتها تركيا؟ ومَن يقف وراء صناعة وحش مُعولم مثل “داعش” ويلجأ الى خلط الأوراق في المنطقة ومَن المستفيد في هذه الحالة؟!.
في المحصلة، نحن حيال جسم طارئ على كل البيئات والأنسجة الاجتماعية المعهودة، وهو يكتفي من الحال “الإسلامية” بعدد من شعائر العبادات يتّخذها كواجهات إعلانية ودعائية، وليس هناك من التقاليد الإسلامية ما يذكر، لكن، هناك استعراض للقوة والعنف والتنفيذ المبرمج لفتاوى جاهزة جرى تحضيرها وهي أشبه ما تكون بتقارير مراكز أبحاث تجمع ما بين السلطة وكيفية السيطرة على مجتمعات وبلدان يجدر التحكم بمكوناتها.
وهذا الطابع العولمي لـ “داعش” والمتغذي من ضخ عديد من المجتمعات كميات من الأفراد ومن هوامش يثير الكثير من الارتياب حول ماهية ما يجمع أولئك، ومَن يستخدمهم لتحقيق أهداف هدامة ومدمرة لبنية المجتمعات، وراء ذلك سياسات تركت الحرائق تشتعل أو ساهمت في إشعالها، كي تنسب لنفسها مهمة الإطفائي الكبير والمخلص.
الفاعل الأساسي والمستفيد واحد، ولو تعددت الوجوه إلا أنها بدأت تفصح عن ملامحها ونياتها من وراء فعلتها، تركيا الأردوغانية من خلال تصرفاتها وتناقضاتها، هذه الإدارات والمجاميع وتحت مسمى “التحالف”، قررت أخيراً أن معركتها المفترضة قد بدأت وحان موسم الحصاد وجني الثمار والقرار الدولي قد اتخذ وعندها لن يعبأ هؤلاء بسيادة الدول الوطنية طالما لديهم من الشركاء مَن يغطي فعلتهم ويُنسب زوراً على أنه من أهل المنطقة بينما يستدعي القوى الاستعمارية ويقدم لها كل الالتزامات وحسن الضيافة والمغانم.
“داعش” ليست سوى صناعة استخباراتية غربية لجر الدول العربية لحروب داخلية، وترفع شعار دعهم يقضون على أنفسهم بأنفسهم، وبالتأكيد، مَن دعم “داعش” وموّلها من “العرب”، ساهم بشكل مباشر في تغذية المصالح والأطماع الاستعمارية في المنطقة.
ولن يمضي كثير من الوقت حتى تتضح الأهداف الحقيقية البعيدة للحرب الأميركية تحت عنوان “تحالف دولي” وبغطاء “عربي” وتحت مسمى “شركاء”، والحرب على الإرهاب كما يدعون، يعني أن هؤلاء لا يعملون لمحو آثار ما ارتكبوه في المنطقة والعالم من دمار سيأتي إليهم وسيحاولون أيضاً خلق ذرائع وحجج للمضي قدماً في مشروعهم المتمثل في استهداف سوريا، هذا لن يمر أبداً وهو يعني بداية النهاية لكافة المشاريع الاستعمارية في المنطقة، وسوريا صمدت وقاومت وستنتصر لأنها تملك الإرادة لمقاومة الإرهاب وصانعيه وهي قدّمت الكثير من التضحيات دفاعاً عن الحق والكرامة.
محمود صالح