في الوقائع والتطورات الميدانية في المنطقة، تكاد ملفات النزاع والصراع أن تكون مترابطة الى درجة التكامل، وفي حساباتها مازال التناقض هو العامل المسيطر، وعند التفكير في الحلول الممكنة، نعود للتأكيد بأن الحل النظري، هو ما يأخذ كافة الملفات رزمة واحدة.
وبعيداً عن التعقيدات العملية، هناك عامل ثابت ورابط واحد لكافة الملفات، أي إنفراج في أحد الملفات من شأنه أن يؤثّر على كافة الملفات الإقليمية والدولية أيضاً.
أحد الملفات الساخنة في الإقليم، الملف النووي الإيراني وتكاد تداعيات الفشل أو النجاح، أن تكون ممراً إجبارياً للعبور الى كافة الملفات الأخرى والتأثير سلبياً أو إيجابياً.
وما بين المؤشرات وحساب الإحتمالات، يمكن التأكيد على الحقائق التالية: في الملف النووي الإيراني والمفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة من جهة وما بين إيران ودول 5+1 بشكل عام، فإن تداعيات هذا الملف لا تنحصر بالعلاقات الثنائية بين إيران وأميركا وإنما يتداعى ذلك الى بقية الملفات الأخرى التي تتعلق بالأزمة السورية وبأوضاع العراق واليمن ولبنان والقضية الفلسطينية.
ومن هنا، فإن احتمالات التوصل الى إتفاقية دائمة في الملف النووي الإيراني، هي متدنية للغاية، لصالح إعلان إتفاق ما، أو إتفاق إطار، وذلك لأسباب تتعلق بالجانب الأميركي، بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وكذلك إبقاء أدوات العقوبات الاقتصادية سارية على إيران، والهدف الأميركي، استنزاف القدرات الإيرانية وخاصة الاقتصادية منها والسعي لعرقلة الدور الإقليمي لإيران وهو دور صاعد، ولن تتمكن تلك العقوبات من ثني إيران عن تحقيق رؤيتها وخياراتها العملية لحل المشاكل العالقة في المنطقة.
والسؤال أيضاً، ما دور عامل الوقت في تحقيق نتائج إيجابية في المفاوضات النووية الإيرانية؟ هذا الأمر يتوقف على ما يجري في بقية الملفات الأخرى.
ونقول، نجحت سوريا في فرض رؤيتها، بفضل التضحيات التي قدمتها ومع الوقت تتضح الحقائق تباعاً، بعد محاولة أعداء سوريا، خلط الأوراق في المنطقة، ويبدو بعد صمود سوريا ومواجهتها الإرهاب، أن مسار الحلول السياسية، بدأ يفرض نفسه في الوقائع والميدان، وأصبح هدف محاربة الإرهاب أولوية، والإقرار بدور سوريا الفاعل في هذا المجال من المسلمات التي تؤخذ في الحساب إذا ما أريد هزيمة الإرهاب الذي تمثله “داعش” وأخواتها، ولا مناص هنا للولايات المتحدة من الاعتراف بالدور السوري وأهميته وفاعليته، وهذا يصب في صالح إيران وروسيا أيضاً، ويضاف الى ذلك التحرك الدبلوماسي الذي يمثّله ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الذي خلف الأخضر الإبراهيمي، وهو يحمل مبادرة، ويرى بأن محاربة “داعش” كأولوية حاسمة وعلى خلاف الإبراهيمي الذي سعى الى تنفيذ أجندة مغايرة تخدم أهداف سياسية معينة وتصب في خانة أعداء سوريا، من خلال قراءة بيان جنيف – 1 بطريقة لا تخدم الاستقرار وتساهم في تحقيق أهداف المؤامرة ضد سوريا.
وبالتأكيد، وبالضرورة إن المفاوضات النووية الإيرانية مع دول 5+1 والولايات المتحدة، ترتبط بالملفات الإقليمية مثل، محاربة الإرهاب الذي تمثّله “داعش” وهذا يتفق مع الرؤية الإيرانية والروسية في هذا المجال، وتتضح أهمية الدور الإيراني في حل المشاكل العالقة في المنطقة وهذا ما أشار إليه دي ميستورا، إشراك إيران في أية حلول في سوريا، ولذلك لن يكون أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما سوى الإقرار بهذا الدور، إذا ما أريد لملفات المنطقة أن تجد الحل، فرادى أو رزمة واحدة، ضمن اتفاق شامل، هذا هو الخيار العملي المتاح في الظروف الراهنة.