عادت روسيا اليوم لتفرض مكانتها كقوة كبرى فاعلة ومؤثرة إقليمياً ودولياً، قادرة على الدفاع عن مصالحها وحلفائها وفرض إراداتها في هذا الخصوص، ولتلعب دوراً وتتخذ مواقفاً واضحة في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، واستطاعت موسكو تحجيم الولايات المتحدة وإعاقة حركتها فى مواقف عدة أبرزها اليوم الأزمة السورية، الأمر الذي أكسبها احترام الدول الأخرى وأعاد الثقة في روسيا كشريك فاعل وهام.
وشهدت المصالح المتبادلة بين روسيا ودول المنطقة نمواً واضحاً، واستطاعت موسكو إعادة بناء علاقاتها مع عدد كبير من الدول العربية تتضمن حلفائها التقليديين وفي مقدمتهم الجزائر وسوريا وليبيا ومصر، والشركاء الجدد مثل دول الخليج والأردن والسودان. وأصبح لروسيا مصالح حقيقة تسعى للحفاظ عليها وتنميتها حتى مع تغيير النظم الحاكمة في بعض الدول العربية في أعقاب الثورات. وترتبط المصالح الروسية بثلاثة قطاعات رئيسية، وهي: الطاقة (النفط والغاز)، والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية، والتعاون العسكري، مؤكّدة بذلك على معارضتها الدائمة “للنظام الأحادي القطبية” وأهمية وجود نظام دولي متعدد القوى، يتسم بالعدالة واحترام القانون الدولي والشرعية الدولية وبدور أوسع للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
روسيا تواجه تحديات كبيرة في المنطقة والعالم وهي ماضية في تحقيق إنجازات في أكثر من مكان، ساعدها على ذلك متانة اقتصادها وحكمة قيادتها، وما يجري من أحداث متسارعة يتطلّب منها الوقوف بحزم في وجه المخططات والمشاريع التي تستهدف المنطقة، وهناك مَن يعول عليها.
إن عودة روسيا وبقوة، كشريك وفاعل رئيسي في قضايا المنطقة، أحد أبعاد ميلاد نظام عالمي جديد متعدد القوى أكثر توازناً، وأكثر عدلاً وإنصافاً، وعلينا نحن العرب القراءة المبكرة للمتغيرات الإقليمية والدولية حتى نستطيع تعظيم فرصنا ومكاسبنا من هذه التغيرات.
تعاظم الدور الروسي في المنطقة ودوره في الأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا وغيرها من الملفات كانت محور لقائنا مع السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين في حوار هنا نصه:
من خلال الضربات التي بدأها التحالف الدولي بالأمس على الإرهاب، هل يمكننا القول بأن أميركا جدية في القضاء على الإرهاب بالرغم من حربها الإنتقائية إن كان على صعيد سوريا والعراق أو على صعيد التنظيمات الإرهابية؟
نتمنى أن يكون الموقف الأميركي جدياً ضد الإرهاب طالما نعتبر ذلك من مسؤولية أعضاء المجتمع الدولي ككل، إلا أن تجربة الماضي تدل على أن الأميركيين في تصرفاتهم في الشرق الأوسط طرحوا كأولوية لمصالحهم الجيوسياسية محاربة بعض الأنظمة العربية، وحتى الآونة الأخيرة على الصعيد السوري كان الهدف الأساسي إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، لذلك لدينا شكوك بالنسبة لهذه الحملة لأن الصورة لازالت غامضة في مجال التنسيق مع السلطات السورية ونحن نريد التنسيق الواضح معها، كما أن مواصلة الدعم لما يسمّى “المعارضة المعتدلة” قد يؤدي الى انتقال هذه المساعدات من تلك المجموعات الى الأطراف المستهدفة اليوم بالضربات الأميركية، إضافة الى إمكانية إنتقال عناصر مجموعات “المعارضة المعتدلة” الى تلك الأطراف الإرهابية. كما تعتبر كافة المجموعات المسلحة غير شرعية بغض النظر عن منطلقاتها الإيديولوجية.
يبدو أن الهدف الأميركي من تشكيل تحالف دولي لمحاربة “داعش” هو المصالح الأميركية في المنطقة وربما استهداف سوريا في استعادة للسيناريو الليبي، ما تعليقكم على ذلك؟
هذه المخاوف منتشرة في المنطقة، لذلك نتابع موضوع تطبيق القرار الخاص بمكافحة “داعش” و”النصرة” والأطراف المستهدفة بشكل دقيق، وأية مخالفة في هذا الشأن مرفوضة من قبلنا.
ما أهداف العقوبات الأميركية والأوروبية ضد روسيا؟
ما يحدث في أوكرانيا من زاوية التصرفات الأميركية هو بالدرجة الأولى للضغط على روسيا من أجل تغيير السياسة الخارجية الروسية وإعادة الهيمنة الأميركية في العالم بعد ما بذلته روسيا من جهود لإعادة التوازن والسير الى تأليف نظام تعددية الأقطاب في العالم.
وقد استخدمت أميركا الأزمة الداخلية في أوكرانيا لتصعيد الأوضاع حول روسيا بأشكال متنوعة بما في ذلك في المجال الأمني والعسكري عبر توسع الناتو وفي المجال الاقتصادي عبر العقوبات لفصل روسيا عن أوروبا وفي المجال الحضاري كان التركيز على صعود الراديكالية القومية الأوكرانية للوقوف ضد ما يسمى العالم الروسي والحضارة الروسية.
الأزمة في أوكرانيا في حالة تزايد مستمر وخاصة في شرق البلاد، ما هي مطالب المقاطعات الشرقية والجنوبية في أوكرانيا؟
أصحاب هذه المطالب هم أهالي البلد، وروسيا لا علاقة لها بهذه المطالب لأنها “صنع محلي”، نحن متضامنون مع الشعب الذي وقف ضد خطر الراديكالية القومية ودفاعاً عن ثقافته ولغته وحقوقه، ونتيجة الأزمة كما يبدو توجّه نحو استقلال هذه المقاطعات.
أما بالنسبة للموقف الروسي، فمنذ اليوم الأول كان الى جانب الفيدرالية في أوكرانيا لأن روسيا ترى ضرورة احترام حقوق كافة فئات المجتمع الأوكراني وجغرافية كافة الأقاليم وإعطاء صلاحيات أوسع لها.
الآن تمّ الاتفاق بين الجمهوريتين الشرقية والجنوبية والسلطات في كييف وفي إطار هذه العملية سوف يتم البحث عن صفة هذه المناطق ونتمنى أن يكون هناك توافق لاستمرار وقف العنف.
إذا عدنا الى أسباب الأزمة، بالتأكيد الدول الأوروبية هي مَن ساهم في خلق الحالة، والهدف التأثير على روسيا في مكان آخر من العالم (سوريا) مثلاً وربما هناك أهداف أخرى للدول الأوروبية كمحاولة إضعاف روسيا، هل تستطيع الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية من انتزاع التنازل الروسي في أوكرانيا في سبيل تحقيق إنجاز ما في سوريا والعكس (أي انتزاع التنازل الروسي في سوريا في سبيل تحقيق إنجاز ما في أوكرانيا)؟
طالما روسيا تدرك تماماً أن هذا الهجوم الغربي متكامل جغرافياً ويشمل كافة المجالات يجب أن يكون رد الفعل الروسي على نفس المستوى.
ونؤكّد أن روسيا لا تشارك في أية مقايضات، والمطلوب في كل الحالات إتّخاذ الموقف المبدئي والتمسك بالثوابت الروسية، لذلك أستبعد كلياً أي تنازل في مكان أو مسألة ما لنربح في مكان آخر، نحن ننطلق من أن مبدأ العدالة يجب أن يتحقق بشكل كامل.
ما هي الإجراءات التي بدأت روسيا اتخاذها ردّا على العقوبات الأوروبية؟
نحن نواصل النهج المبدئي ذاته ولا يوجد لدينا أي خوف أو أي تردد بل على العكس زاد التلاحم في المجتمع الروسي الذي نعتبره مكسباً لنا، ولا نريد أن نتخذ أية إجراءات اصطناعية بل نعتمد على العوامل الطبيعية للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، وفي نفس الوقت كان المطلوب اتخاذ إجراءات لتعويض ما خسرناه من التعاون العسكري مع أوكرانيا مثلاً عبر اعتماد خطة لإنتاج كل معدات وقطع الغيار المستوردة من أوكرانيا محلياً، كما أنه تمّ على سبيل المثال اتخاذ إجراءات لمنع استيراد المواد الزراعية من الدول المشاركة في العقوبات ضد روسيا طالما هناك احتياطات وبدائل خارجية وأيضاً فرص لتطوير الزراعة المحلية.
كيف تتوقعون مستقبل أوكرانيا وما هي الحلول التي تقترحها روسيا لإيجاد حل جذري للأزمة هناك؟
تؤيّد روسيا ولاتزال كل الاتفاقات الموقعة في سبيل الحل السياسي في أوكرانيا طوال فترة الأزمة الأوكرانية ابتداء من شهر شباط الماضي حتى اليوم، ونسعى دائماً الى تسوية سياسية في أوكرانيا، إلا أن إيجاد الحلول في ظل هذا التصعيد والضحايا والدمار، أصبح أصعب بكثير، لكن سوف نواصل التأييد لعملية التفاوض بين الجمهوريتين الأوكرانيتين الشرقية والجنوبية والسلطات في كييف، والعمل بأسرع وقت ممكن لترميم ما دُمّر خلال العمليات الحربية وإحياء الحياة الطبيعية في الجمهوريتين الأوكرانيتين الجنوبية والشرقية لأن هذا يتعلق بحياة ملايين الناس، وفي ما يتعلق بالإتفاقات السياسية تعمل روسيا على عدم التدخل فيها لأن ذلك يتوقف على أطراف التفاوض الأوكرانية.
في قمة ويلز الأخيرة للدول الأوروبية، ظهر العجز الأوروبي واضحاً، تفاقم الأزمات في أكثر من مكان، وتمّ ترك أوكرانيا تدفع لوحدها فاتورة الأزمة التي شاركت تلك الدول في تأجيجها، ما هي التأثيرات المباشرة على الدول الأوروبية وعلى روسيا؟
بحسب تقييمات الخبراء، من الطبيعي أن تؤثر العقوبات سلباً على جميع الاقتصاديات الروسية والأوروبية، الأمر الذي يشكّل خسارة لأي تعاون، وهذا – كما هو معروف – ليس خياراً روسياً بل هو ناجم عن مبادرات أوروبية بحجج تعتبرها روسيا باطلة، إلا أنه في الوقت ذاته روسيا سوف تخرج من هذا الصراع أقوى مما كانت، وذلك يعود:
أولاً: للاهتمام أكثر بالقدرات الذاتية وتطويرها آخذة في الاعتبار الإمكانيات الضخمة الروسية.
ثانياً: من خلال الاستفادة أكثر من العلاقات مع دول “البريكس” ومناطق أخرى في العالم كالشرق الأدنى وأميركا اللاتينية وإجمالاً المنطقة الآسيوية.
في التحالف الدولي لمحاربة “داعش” رفضت روسيا وكذلك إيران المشاركة في هذا التحالف، لماذا وما هي الخيارات الأخرى لديكم؟
إن هذا الائتلاف – برأيي – نشأ كمبادرة فردية أميركية طُرحت بأهداف غير واضحة مبنية على فكرة أميركية تتعلق ليس فقط بالأهداف بل بالمشاركين، وكان هذا الإئتلاف يشمل بأغلبيته دول قريبة من النهج الأميركي، أما روسيا وإيران فهما تمارسان نهجاً مختلفاً، لذلك من الطبيعي أن لا تنضم روسيا الى هذا التحالف مع إصرار روسيا على أن مكافحة الإرهاب يجب أن تشمل كافة الأطراف القادرة على المشاركة دون استثناء وأن يكون الائتلاف تحت مراقبة الأمم المتحدة كما أن نشاط الائتلاف يجب أن يكون مدروساً لأن الأمر يتعلق باستخدام القوة ضد المجموعات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي ككل، فأي تفرد في هذا المجال يؤدي الى فقدان المصداقية للحملة ويزيد خطر الانحراف الى تحقيق الأهداف الأخرى التي لا تتعلق بمكافحة الإرهاب.
هل هناك تنسيق روسي مع إيران وسوريا في الآلية التي تُدرس لمحاربة الإرهاب في المنطقة؟
يجري هذا التنسيق بصورة متواصلة وطبيعية وكما سبق وذكرت، يجب أن تعتمد حملة مكافحة الإرهاب على تلاحم المجتمع الدولي ككل.
لماذا لم يطلب الرئيس بشار الأسد، حتّى الآن، بشكل رسمي من حليفه الروسي، ضرب “داعش”، وهل هناك تعاون بين روسيا وسوريا في ملف محاربة الإرهاب؟
في حالة سوريا لا يتطلّب التعاون العسكري معها مشاركة مباشرة لروسيا في أية عملية حربية لأنه أولاً على وجه العموم لا تقوم روسيا بعمليات حربية خارج البلاد وثانياً تدرك بأن قدرات الجيش النظامي السوري تكفي لمحاربة الإرهاب ميدانياً على الأراضي السورية، وروسيا تعرف جيداً موقف القيادة السورية في هذا الأمر.
ماذا عن العلاقات الروسية – الإيرانية ومستوى التنسيق والتعاون من أجل عودة الاستقرار الى المنطقة، وما هي الرؤى المشتركة للتعاون؟
نعتبر التعاون الروسي – الإيراني عنصراً هاماً ويجري بصورة متواصلة خلال السنوات الأخيرة ونقف الى جانب المشاركة الإيرانية البناءة في البحث عن حلول لقضايا الشرق الأوسط.
وفي الظروف الراهنة، ومع التطوّر السريع للأوضاع في المنطقة سوف يتعزز هذا التعاون لاحقا.
يتخوّف العالم من تنامي العلاقات الصينية- الروسية على أصعدة عدة: سياسية، عسكرية وإقتصادية والتي تثير حفيظة دول عدة، على رأسها الولايات المُتحدة الأميركية، ويتمثل هذا التخوّف بإزدياد نفوذ التحالف الصيني – الروسي، الذي إذا ما إستمر، قد يُشكّل ضربة قوية للسياسات الأميركية في المنطقة. فما هي طبيعة هذا التحالف؟ وما هو بعده الإستراتيجي سياسياً وعسكرياً واقتصاديا؟
إن طبيعة العلاقات الروسية – الصينية لا تهدد أحداً في العالم وكل الأقاويل حول المخاوف من تناميها غير صحيحة على الإطلاق.
روسيا لا تشارك في أية أحلاف والشيء الذي يجب أن يخافه المجتمع الدولي هو نشاطات حلف الناتو.
فالتعاون الروسي – الصيني مبني بالدرجة الأولى على المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، بحيث يتم الإعداد لأضخم المشاريع في مجال الطاقة وغيرها إضافة الى التفاهمات السياسية بين البلدين حول القضايا الأساسية المطروحة اليوم أمام البشرية، والتي تركّز على تعددية الأقطاب والمساواة في الحقوق بين جميع الدول الكبيرة والصغيرة وإقامة النظام العادل في العالم، وعلى هذا الأساس نتعاون ليس فقط مع الصين بل مع عدد من الدول الأخرى.
ما هو موقف روسيا من القضية الفلسطينية؟ ولماذا لم تساهم في تحريك هذا الملف في الأمم المتحدة من خلال مبادرة روسية؟
روسيا تهتم دائماً بالقضية الفلسطينية ونرى أن عدم تسوية هذه القضية سبّب بشكل كبير تصعيد الأوضاع في المنطقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة لأن مشاعر اليأس كانت تسيطر في المشرق العربي، لذلك من الضروري تركيز الاهتمام على هذا الملف بغض النظر عما يحدث في المنطقة من صراعات أخرى لأن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية وخلال عشرات السنين تمّ وضع الأسس لحل هذه القضية عبر قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية.
وروسيا تتمسّك بالشرعية الدولية في هذا الملف وسوف تواصل الجهود ضمن مجموعة الأربع كما ستواصل العلاقات مع جميع الأطراف المعنية في هذا الملف.
ماذا عن العلاقات الروسية – المصرية، هل هناك من تقدم نحو علاقات أكثر تقدماً وعلى أي أسس ستقوم هذه العلاقة؟
هناك تطوّر إيجابي على صعيد العلاقات الروسية – المصرية ويمكننا القول، هناك عودة الى التقاليد الراسخة للتعاون بين البلدين ونعتبر دائماً التعاون مع مصر عاملاً بناءً ومساعداً للطرفين لمشاركة أكثر فعالية في كافة قضايا المنطقة.
هل الفرصة أصبحت سانحة لأن تقوم روسيا بدور هام في مد جسور العلاقات بين سوريا ومصر، خاصة وأن روسيا هي صديق تاريخي للبلدين والأوضاع باتت تتطلّب مثل هذه الخطوة لمواجهة الإرهاب في المنطقة؟
نؤيد تحسين العلاقات بين مصر وسوريا التي تساعد على تنشيط الجهود من أجل تنقية الأجواء وتسوية النزاعات في المنطقة ومكافحة التطرف والإرهاب.
ما رأيكم في اتفاق الشراكة الوطنية الأخير بين المكونات اليمنية لوقف العنف في اليمن؟ هل سيكون مدخلاً لحل الأزمات العالقة في المنطقة؟
في كل الأحوال نؤيّد الحوارات الوطنية في الدول الغارقة في الأزمات، وهذا يتعلق أيضاً باليمن بشكل خاص لأن الأزمة طويلة ويجب أن يكون هناك أفق للحل السلمي، ونتمنى أن يكون تحويل الوضع من المجابهة الى عملية سياسية.
ماذا عن دور روسيا في مساعدة لبنان ودعم استقراره وجيشه؟
التفاوض حول هذا الموضوع جارٍ، وخلال الفترة الأخيرة قام وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بزيارة لروسيا لمناقشة هذا الموضوع، ونتوقع زيارة وفد الجيش ما يدل على أن العمل مستمر آملين أن تكون نتائج هذا العمل في المستقبل القريب.
كيف قرأتم موافقة لبنان على اعلان جدة ومشاركته فيه؟ هل يمكن اعتبار ذلك خروجاً عن النأي بالنفس؟
بناء على التصريحات الرسمية الصادرة عن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، نرى أن لبنان أخذ بعين الاعتبار مكانه المتميّز في الشرق الأوسط، وبهدف الحصول على تأييد ومساعدة المجتمع الدولي يمارس لبنان نهجاً مرناً مرتكزاً على المشاركة في كل الجهود في مجال مكافحة الإرهاب وفي نفس الوقت يحدّد سياسياً وجهة نظر قريبة من الموقف الروسي خاصة بالنسبة للدور المركزي للأمم المتحدة في كل الجهود المعدة لمكافحة الإرهاب وعدم المشاركة في المحاور.
لذلك، نحن نعتبر موقف لبنان من إعلان جدة معقولاً جداً ويسمح للحصول على دعم لبنان دولياً آخذين بعين الاعتبار أن لبنان يواجه مباشرة الإرهاب، تقريباً على المستوى ذاته لكل من العراق وسوريا.
هل تقومون بلقاءات مع كافة الأطراف اللبنانية للعمل على المسارعة في انتخاب رئيس للجمهورية في ظل الأوضاع المحدقة بلبنان ما يجنّب الأخير وصول الحرائق المنتشرة في المنطقة إليه؟
بطبيعة الحال روسيا ضمن مجموعة دعم لبنان الدولية، ونقف موقفاً مبدئياً من أجل انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، ولكن موقف المجتمع الدولي لديه حدود وقواعد معينة على سبيل المثال نحن نؤيّد اللبنانيين على وجه العموم دون التركيز على مرشح معين لأن ذلك لا يصب في مصلحة لبنان.
وخلال نشاطاتنا ولقاءاتنا اليومية نبحث ونناقش هذا الموضوع مع المسؤولين والأحزاب السياسية وممثلي الأوساط الاجتماعية لتشجيع الحركة السياسية لتحقيق هذا الهدف.
ما تعقيلكم على موضوع أن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية لن يتم إلا بتسوية إيرانية – سعودية – سورية؟
هذه الفكرة معروفة ومنتشرة في لبنان، فإذا كان ذلك مفيد لتحقيق هذا الهدف فليُفهم بهذا الشكل، ولكن على اللبنانيين أن لا ينتظروا التوافقات الخارجية وعليهم اتخاذ القرارات لبنانياً أضمن وأصح لحل هذا الموضوع.
الولايات المتحدة بدأت باستخراج النفط الصخري وتصدير مشتقاته، وإنتاجها يقارب 3,5 مليون برميل يومياً، وهي تسعى دائماً الآن لمنافسة روسيا في مجالات النفط والغاز، ما تأثير ذلك على الأوضاع في المنطقة؟
إن بدء الولايات المتحدة باستخراج النفط الصخري وتصدير مشتقاته يؤثّر على الأوضاع في المنطقة وعلى عدد من العوامل وبالدرجة الأولى الإعتبارات الجيوسياسية، أي محاولات تغيير الأنظمة وإعادة رسم خريطة المنطقة ونقف ضد هذا السيناريو، كما يراد تأمين السيطرة المتواصلة للشركات الغربية الكبرى على موارد الطاقة، وفصل أوروبا عن موارد الطاقة الروسية ونعرف جيداً كل ذلك ونتخذ الإجراءات المناسبة لحماية مصالحنا.
ما هي الرؤية الروسية لحل الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط والتي أصبحت تهدّد مصالح جميع الدول؟ وما أفق التعاون بين الدول الكبرى والدول الإقليمية؟
نحن نفهم كل التطورات الحالية في الشرق الأوسط وفي المناطق الأخرى في العالم بما في ذلك في أوكرانيا وغيرها، كما أن تقدم العالم نحو نظام جديد متعدد الأقطاب أدّى الى وجود عراقيل وتعقيدات لا يمكن حلّها إلا بالاعتماد على الشراكة الدولية.
لذلك تريد روسيا تجاوز النزاعات الحالية بأسرع وقت ممكن وبأقل الأضرار، التي أصبحت غير محمولة بالنسبة للناس ولا بدّ من العودة الى تطبيع العلاقات واحترام مصالح وحقوق الآخرين لأن أية محاولة للاحتكار وعودة للقطب الواحد سوف تفشل، والمعالجة عندها ستتطلب جهداً أكبر.
لذلك تسعى روسيا الى إيجاد القواسم المشتركة المبنية على المبادئ والثوابت الأساسية كالتعايش السلمي والشرعية الدولية والشراكة، كما تريد أن يكون العامل الذي يوحّد الجميع هو التمسّك بالاعتدال والتصدي للتطرف لأنه المخرج الوحيد من الوضع الحالي.
حوار: ليديا أبودرغم