عناوين الندوة التي حاضر فيها رئيس حزب التوحيد العربي الوزير وئام وهاب في المركز الثقافي في مدينة حلب بعنوان “سوريا والشرق الأوسط الجديد”، كانت بداية المقابلة المطوّلة التي أجراها معه الإعلامي عبد الخالق قلعجي للتلفزيون السوري الرسمي بحيث قال وهاب: “العناوين الرئيسية للندوة، تناولت التحديّات التي تواجه سوريا اليوم، والتي لم تتوقف منذ سنوات، إذ ما زالت المعاناة هي نفسها، ولكن الآداة تتغير وكذلك ساحة الإستهداف، ففي البداية كانت عبر العراق، ثم انتقلت إلى لبنان، والآن إلى الداخل السوري. ربّما أراد جورج بوش تنفيذ الشرق الأوسط الجديد بوحشية، بينما أوباما اليوم أذكى، ويستعمل الأساليب الناعمة في تنفيذ ذلك، حتى ولو كانت هي نفسها، لافتاً إلى أنّ “الأميركي لا يرى المنطقة العربية إلا بعيون إسرائيلية، ولكن كل بلد عربي يختار الأسلوب المناسب له، ففي تونس أعتقد أن النظام لم يعد نافعاً للأميركي بل أصبح مترهّلاً، وكذلك في ليبيا حتى ولو اختلف الأسلوب وأخذ شكل عدوان جوي وتدمير وقصف وعمليات قتل واغتيال، وما حصل في الأيام الأخيرة فيها يوضح أنّ هناك عمليات اغتيال تتم، وهذا خارج عن كل المواثيق الدولية، ولكن مشكلتنا أنّ الأميركي هو الذي يضع النظام الدولي الذي يريد ويستعمل كل مؤسسات الأمم المتحدة السياسية والأمنية والمالية كما يشاء”.
وتابع: “لقد اعتقد البعض أنه يستطيع إسقاط سوريا بمجرد الوصول إلى حدودها عبر العراق، ومن ثم إسقاطها من خلال لبنان، لم ينجحوا، لذلك يحاولون اليوم إسقاطها عبر الفوضى والفتنة الداخلية”.
وعن أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، قال وهاب: “من الواضح تمرير تسوية في المنطقة، هي أقرب إلى المصالح الإسرائيلية حتماً وليس إلى المصالح العربية، وهناك دولة تعيق ذلك هي سوريا، وتؤثر على الوجود الأميركي وتمديده في العراق. كما أنّ هناك مشروع للهيمنة على لبنان، وتمرير سلام فلسطيني إسرائيلي لا يُعيد الحقوق الفللسطينية كاملة. لقد أصبحت سوريا دولة مزعجة لهم على كافة الساحات العربية، لأنها تمدّ يدها إلى كل بلد يحتاجها، من هنا، المطلوب في حدّه الأدنى قطع الأيادي السورية عن الساحات الأخرى، أي وقف النفوذ الإقليمي السوري، وربما إبقاء سوريا داخل حدودها تعاني من مشاكلها، طبعاً مع حصار اقتصادي ومالي واجتماعي لخلق مشاكل في الداخل السوري”، مؤكداً أنّ “سوريا أصبحت عقبة أساسية، فقد حرّكت المقاومة العراقية ودعمتها في كل الوسائل، واحتضنت حماس والجهاد، وأبقت شعلة الثورة الفلسطينية مضيئة”.
أضاف وهاب: “هناك تحريك لجهات عربية إعلامياً ومالياً وعبر السلاح الذي يصل إلى سوريا، فهي العقبة الوحيدة بوجه جميع المؤامرات، وإذا سقطت سيتسيّد الإسرائيلي المنطقة لمئة عام، وستصبح المنطقة كاملة مجرّد دويلات، ستبدأ من العراق إلى حدود فلسطين وصولاً إلى السعودية، لذلك مع سقوط سوريا، الكل سيضطر لطلب ودّ “إسرائيل”.
وأجاب وهاب حول سؤال عن وظيفة الفضائيات العربية: “لا شك أنّ هناك ضعف في الإعلام السوري، وضغط في الإعلام الآخر، هذا الأمر كان يجب أن نستعدّ له قبل اليوم، إذ تبيّن بأنه لا إمكانية للوصول إلى ما يريدون إلا بإضعاف سوريا عبر الإعلام. فسوريا لا تستطيع الموافقة لا مباشرة ولا مداورة على احتلال العراق، ولا تشريع الوجود الأميركي فيها. وكذلك في الموضوع الفلسطيني، فقد قُدِّمت مئات العروض للرئيس حافظ الأسد، حول موضوع الجولان أيضاً، لكنه رفض الإنسحاب من القضية المركزية، وهنا الأهم، فالقضية المركزية هي فلسطين واستعادة القدس، لذلك هناك خطوط حمر سوريّة معيّنة، هي من ثوابت سياستها، وهذا الأمر أصبح يُحرج العرب الذين أصبح الموضوع الفلسطيني والعراقي في آخر أولويّاتهم، فقد تعايشوا معه، وكذلك فموضوع المقاومة في لبنان يزعجهم أيضاً لأنه يمنع هيمنة السعودي الذي له مصالح فيه، ويحاول ممارسة نفوذه هناك. لقد عرفوا أنّ عقدة الحلّ في المنطقة هي “السوري”، لذلك يحاولون إسقاط سوريا، كي لا تكون المعركة ثانوية إن في فلسطين أو في لبنان أو في العراق، ويحاولون تسمية المحور بـ”محور الشر” في حين أنه “محور الممانعة أو محور ما تبقّى من صمود عربي. نحن في مرحلة يائسة، لأنه لم يعد هناك حد أدنى من المشروع العربي، بل ما تبقّى هو المشروع السوري الذي يستند إلى المقاومات العربية.
وتابع عن سيناريو الهجوم على سوريا، أنّ “مشكلتنا مع أوروبا باستمرار أننا نتحاور معها، ولكن عندما نصل إلى السياسية نراها قارة عجوز غير قادرة على اتخاذ أي موقف بمعزل عن الأميركيين. فالأميركي يستعمل كل الأساليب، من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وباقي المؤسسات الدولية، من ثم يتحدّث عن حقوق الإنسان، فإذا نظرنا إلى كل السياسة الأميركية في المنطقة، من السجون الأميركية إلى عمليات القتل التي تمارسها يومياً في العراق وباكستان منذ 2001، نرى أنّ الأميركي هو الأحق بهذه التصنيفات بين الجميع، علماً أنني لا أدافع عن الآخرين، حتى عمليات الإغتيال التي تحصل اليوم في ليبيا، كيف تحصل؟ وبأي قانون دولي يعملون؟ ووفقاً لأي شرعية؟ إلا إذا كانت تلك الشرعية هي شرعية “الجاسوس” عمرو موسى الذي يحاول اليوم التسلل إلى الثورة المصرية لأخذ مكانه، والذي لا يتحرك مع كل عمليات القتل بحق الشعوب العربية، بل تحرّك ليعطي شرعية عربية لقرار ضرب ليبيا وتدميرها”.
وعن الفضائيات العربية، قال وهاب: “هناك ضعف في الإعلام السوري، وضغط في الإعلام الآخر المواجه، وهو أمر كان يجب أن نستعدّ له، ونعرف أن المعركة هي معركة “إعلام” اليوم، ليتم إسقاط الشعوب عبره، وليس بالطائرات والصواريخ. هذه مهمة الفضائيات العربية. كان يجب أن ندرك أهمية الإعلام باكراً، وأن نعرف أنه السلاح العصري اليوم. هناك تقدّم في الإعلام السوري، لكنه ليس التقدّم المطلوب، بل تنقصه الكفاءات الكثيرة”.
أما عن قراءته للمشهد السوري، فقال وهاب: “مَن يعتقد بأنّ المعركة ستتوقف من تلقاء نفسها واهم، فالاستهداف أكبر مما نتصوّر، خاصة مع وجود معارضتين إحداها محقة والأخرى ذات أهداف تخريبية. بالطبع، لا يستطيع الرئيس الأسد أن يحدث كل الإصلاح المطلوب في سوريا، لكن لا ننسى أنه أعطى سوريا دوراً دولياً كبيراً. من هنا، يجب الفصل اليوم بين عمليات التخريب والمطالب المحقة. ويجب أن نكون جريئيين في مواجهة الفساد كاملاً في العالم العربي. الأهم أنّ الجيش السوري متماسك ووطني فهو جزء من النظام الممانع، وهذا ما سيعقِّد المعركة على المتآمرين على سوريا. من هنا أدعو الجميع إلى التعقّل في هذه التحرّكات من أجل حماية بلدهم”.
وتابع: “الأيام القادمة سيُحدّدها الشعب السوري، لكنني أقول أنّ سوريا قوية وهناك تماسك على صعيد مؤسساتها الرسمية، وهذا يساعد كثيراً. وعلى الشعب السوري أن يعي أن وحدته الداخلية تقفل أبواب التآمر الدولي على بلده. لقد تحدّثتُ لدى استقبالي السفير الصيني في لبنان منذ أيام، بأهمية استخدام الصين وروسيا لحقها في مجلس الأمن ضد أطماع أميركا بالسيطرة على المنطقة العربية، وتحريكها لمجلس الأمن والمؤسسات الدولية كما تشاء، وهذا ما يجب المطالبة به دائماً”.
وحول سؤال عن بعض رجال الدين الذي نصّبوا أنفسهم أوصياء من الله، أجاب وهاب: “إذا كان المقصود بالسؤال “الشيخ يوسف القرضاوي”، فأعتبر أنه ضمن مشروع يهودي إسرائيلي في المنطقة. لا أدري ما هي إنجازاته الإسلامية ليُفتي للمسلمين، ولا مَن يعطيه الحق بتصنيف الشعوب والأنظمة، ونراه في النهاية يتصرف وكأنّ فلسطين ليست مغتصبة والعراق ليس مُحتل، ومنابع النفظ في العالم العربي ليست منهوبة من الأميركيين. أما ما نراه من إعلام عربي، والذي تملكه السعودية بنسبة 98% منه، فمهمّته أن يكون خادماً للأميركيين كما النظام الذي يحرّكه، وبالتالي هذا الإعلام يتحرك في هذه اللحظات للتحريض”.
وختم وهاب: “متفائل بأنّ سوريا ستخرج من هذه الأزمة، وستصبح أقوى بكثير مما كانت عليه. ولكن أكرر بأنه على السوريين أن يختاروا بين بلد قوي أو بلد خاضع للخارج. كلنا نحبّ سوريا، لكن على هذا الشعب تقرير مصير بلده، وكل الأمة العربية تنتظر خروج سوريا من هذه المحنة”.
**