أعطت الإنتخابات النصفية الأميركية التي جرت في الرابع من تشرين الثاني 2014 الحزب الجمهوري الأكثرية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب. هذه النتائج وتداعياتها ستساهم في الضغط على الرئيس باراك أوباما والتضييق عليه في سياسته الخارجية واستغلال ما يرونه من ثغرات، وليس واضحاً ما هي الخيارات المتاحة لدى الشعب الأميركي في ظل الأوضاع الصعبة في أكثر من مكان وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لكن الواضح أن الأميركيين لا يريدون خوض الحروب بجنودهم هذا في المدى القريب، وإذا كان الرئيس الأميركي هو مَن يتّخذ قرار الحرب في نهاية المطاف وليس الكونغرس إلا أن الرئيس سيظل مقيداً على الأرجح، وحسب مراقبون “من المتوقع أن يتولى السيناتور جون ماكين قيادة لجنة القوات المسلحة وعندها ستكون استراتيجية الجمهوريين التضييق على وزير الدفاع تشاك هاغل ليكون أقل ضعفاً”.
الأميركيون يريدون من رئيسهم، أن يكون قائداً مرموقاً عند المفاصل الهامة، وأن يؤخذ بجدية بالغة دولياً، وليس متردداً في اتخاذ قراراته ومتراجعاً عند المفاصل الهامة، وهم بذلك حالمون دائماً وغطرسة القوة تبعدهم عن رؤية الواقع، وهم يريدون الولايات المتحدة قوية ذات مصالح مميزة وامتيازات عالمية، لكنهم لا يريدون تقديم الأثمان أو الإنخراط على حساب رفاهيتهم، لذلك يغضون النظر عن التجاوزات والحروب الأميركية التي خلّفت ملايين الضحايا في فييتنام وأفغانستان والعراق وغيرها.
ومن مزايا عهد الرئيس أوباما بالنسبة للأميركيين، الاقتصاد أفضل، والبطالة أقل، والتأمين الصحي تمّ إنجازه في بعض المحافظات، والإرهاب لم يدخل مجدداً الأراضي الأميركية، لكن كل هذا لم يكن كافياً للتصويت لصالح أوباما والديمقراطيين!
وما ميّز سياسة أوباما هو اعتمادها على المؤسسات التي تصنع السياسة الاستراتيجية البعيدة المدى للولايات المتحدة، فهو عمل على نسق وزارة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية، ورفض الإنخراط مجدداً في الشرق الأوسط وبشكل مباشر، ونفذ استراتيجية عدم عودة الإرهاب للولايات المتحدة، وخاض حروبه وبطريقته على حساب الغير، وهذا ما يميزه عن سلفه الرئيس جورج بوش الإبن الذي خاض الحرب المكلفة بالمال والجنود الأميركيين.
ويقود أوباما “تحالفاً دولياً” لمحاربة “داعش”، وهو يؤكّد: “أن العراق أولوية في الحرب على “داعش” لطرده من هناك، أما في سوريا، فإن أوباما يعتمد استراتيجية “عزل المتطرفين” وليس استراتيجية حل شامل في سوريا، أي يعمل على استنزاف خصومه في المنطقة وشن حرب استنزاف ضد روسيا وإيران وسوريا”.
وبعد الإنتخابات النصفية الأميركية، أصبح الرئيس أوباما بمثابة “بطة عرجاء” وهو التعبير الذي يستخدمه الأميركيون للإشارة الى أن الرئيس مضطر لمسايرة خصومه في الحزب المنافس (الجمهوري) كلما أراد سن قوانين أو رسم سياسات.
ومازال الرئيس أوباما يحاول إبرام اتفاق مع إيران بغية تسجيل إنجاز لحسابه ولمصلحة حزبه “بأنه جنب الأميركيين مخاطر نووية مصدرها الشرق الأوسط”، وهو يفاخر بقيادة تحالف لمحاربة “داعش”، إلا أنه فشل في إحضار أو جر اليمين الإسرائيلي الى إتفاق “سلام” جديد مع الفلسطينيين.
نجح أوباما في سحب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، وفشل في وعوده بإغلاق معتقل “غوانتنامو”، وهو سيواصل على الأرجح سياسات توافقية مضنية مع الكونغرس.
والجمهوريون من جهتهم، يزايدون على الرئيس أوباما من خلال سقفهم العالي كما يروّجون، وهم رحبوا باستخدام تخفيض أسعار النفط لإضعاف روسيا وإيران ويصرون على ضرورة المضي قدماً بهذه الأدوات، والاستمرار في فرض العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا وعلى إيران بسبب برنامجها النووي، ويريدون الحزم مع الصين في مختلف المجالات والكف عن إعفائها من المحاسبة بسبب مواقفها من إيران لجهة استيراد النفط رغم العقوبات الدولية المفروضة.
والجمهوريون أيضاً يرون بأن الدور التركي حاسم في الحرب على “داعش” ويمكن تسخير هذا الدور للقيام بتنفيذ أجنداتهم اللاحقة، لذلك لا مناص من تلبية المطالب التركية.
وينوي الجمهوريون أيضاً ممارسة ضغوط على قطر التي لها علاقات وطيدة مع “داعش والنصرة”، وهم يعتقدون أن دعم هذه الجهات يؤذي المصالح الأميركية وحظوظ التوصل الى تفاهمات فلسطينية مع الإسرائيليين، وهم أيضاً يصطفون تقليدياً وراء “إسرائيل” مهما فعلت، وبعضهم يتّهم الرئيس أوباما بأنه لا يعرف النسيج السياسي في الولايات المتحدة عندما يتعلّق الأمر بـ “إسرائيل”.
الكونغرس الجمهوري سيكون موضع ترحيب في “إسرائيل” وفي معظم دول الخليج، من خلال مواقفه من سوريا وإيران وروسيا ولبنان واليمن، لكن هناك اختلاف في المواقف تتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ولو من الناحية النظرية.
لكن من الناحية العملية فإن بناء المستوطنات كان مستمراً في عهد أوباما يضاف الى ذلك أحداث القدس والمسجد الأقصى التي جرت مؤخراً.
إستعاد الجمهوريون مطرقة مجلس الشيوخ (للمرة الأولى منذ عام 2006) وتعزيز غالبيتهم في مجلس النواب، وهم سيعملون على تقويض ما تبقى من أجندة الرئيس أوباما، وهذا يعني أن معركة الرئاسة لعام 2016 قد بدأت مبكراً هذه المرة.
السؤال، هل يمضي الرئيس أوباما في تثبيت أي إتفاق مع إيران يتعلّق بالملف النووي، مع تعاظم “الفيتو” الجمهوري على سياسته، أو ستبقى أجندته قابلة للتنفيذ، هي صعبة ولن تكون سهلة في مجلس الشيوخ الجديد، لكن أزمات المنطقة المفتوحة على بعضها وهي تهدد المصالح الأميركية وقد تجبر أوباما لإتخاذ قرار الاستمرار في إدارة المفاوضات بشأن النووي للوصول الى إتفاق ما، ربما يكون جزئياً.
الأحداث القادمة هي المقرر والحق يؤخذ ولا يُعطى.