في عين العرب (كوباني) تتطلع جميع الأطراف المنخرطة في الصراع وفي أزمة المنطقة الى تحقيق بعض الأهداف، وهناك رهانات الحكومة التركية وشخص أردوغان الذي عمل خلال مراحل الأزمة على تحقيق إنجاز ما ولكنه خرج خاسراً، فشل مشروع “مجلس اسطنبول” وتمّ استبداله بـ “الإئتلاف” الذي تزامن إنشاؤه مع إعطاء دور للمتطرفين التكفيريين، أداة التدمير والقتل، في سبيل تحقيق أجندة أميركية من خلال إعادة رسم خرائط ومعادلات جديدة ولكنها فشلت جميعها في تحقيق أي إنجاز هام، وهذا واضح من خلال الإنخراط الأميركي مباشرة في الصراع وهدفه الهيمنة على المنطقة وإدارة أزمة الى أجل مسمى.
المرحلة الحالية وبالتزامن مع تطور حروب “داعش” على مساحة معينة من الأرض العراقية والسورية وانخراط دول الخليج تحت راية “التحالف الدولي” بقيادة أميركية، دخلت تركيا أردوغان على الخط وهي تحمل أجندتها محملة بالفوائد المتوخاة، وهي تتقاطع مع بقية الأطراف بهدف التدمير والاستفادة من الأزمة أو الاستثمار فيها، وهذا ما سمح بتقارب “داعش” و”النصرة” في بعض المناطق.
وعند مفترق عين العرب (كوباني)، “داعش” في مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي، وتركيا أردوغان وجدت فرصتها وهي تحاول أن تلعب لعبتها بعد أن دعمت “داعش” وسمحت لها بالتمدد على حدودها وتأمين كافة متطلباتها اللوجستية وغيرها، تركيا هذه تدعو لتشكيل منطقة عازلة ضمن الأراضي السورية وعلى طول حدودها مع سوريا، وهي تبغي تحقيق جملة من الأهداف، وتنتظر من “التحالف الدولي” الأميركي بإعطائها إشارة البدء، لكن هناك عوائق وحسابات أخرى مختلفة بين كافة الأطراف المنخرطة.
تراهن تركيا على أن الضربات الجوية لا تؤتي ثمارها المرجوة ضد “داعش” وهي تفترض أن يتم فرض “منطقة عازلة”، وهذا ما تحدث به الرئيس التركي أردوغان الذي وعد بإعادة مليون ونصف سوري الى داخل سوريا، وهو يدرك أنه لن يجد أفضل من الورقة الكردية للضغط على المجتمع الدولي.
ما يراه الجانب التركي من فوائد، لا يراها الجانب الأميركي الذي لم يجد الجواب بعد حول كيفية حل الأزمة الأساس في المنطقة وخاصة بعد أن سقطت ذرائع التدخل الأميركي وخططه للتأثير في السياسة السورية أو فرض التنازلات عليها، ويتذرّع أردوغان بأنه سيحمي الأكراد وحقوقهم، بينما هو يخدم الأجندة الأميركية لتحقيق الشرق الأوسط الجديد، ويحاول فرض شروطه من خلال التفاوض مع الأكراد من خلال شروط أفضل، وهذا ما دفع حزب الاتحاد الديمقراطي لطلب مساعدة تركيا وتوجه “صالح مسلم” الى أنقرة.
وهدف تركيا دفع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي الى القبول بفرض منطقة عازلة بذريعة حماية “الأكراد” على غرار ما حصل عام 1991 لأكراد العراق.
وفي الحقائق، ما تشكّله “داعش” هو مجرد حلقة من المركب الضخم للتناقضات الإقليمية والدولية والمحلية، وقد انتقل هذه المرة الى “كوباني” في ظل معركة ميدانية، وكل طرف يحاول تحقيق الإنجازات على حساب هذه المدينة الصامدة وهي تقاوم بكل بسالة.
اللافت أيضاً، هو ما عبّر عنه أردوغان: “لن نتدخل بريّاً طالما أن الاستراتيجية الأميركية لا تشمل التدخل ضد سوريا…”.
ويراهن أردوغان على علاقته برئيس إقليم كردستان العراق “مسعود بارزاني” لمحاربة “داعش” في “كوباني” والعمل مع “المعارضة السورية” الواقعة تحت هيمنة “الإخوان المسلمين” وحتى الآن رفضت تركيا السماح لقوات بارزاني الدخول عن طريق تركيا.
وبعد أن صمدت “كوباني” أمام هجوم “داعش” بفضل مقاومتها، نذكر هنا شروط أردوغان لإيقاف هجوم “داعش”، طلب من المقاومين أن يقطعوا علاقتهم بالحكومة السورية وأن يتخلّوا عن الهوية الكردية وأن يوقفوا الكفاح المسلح دفاعاً عن حقوقهم.
وهذا يذكرنا بالشروط الأميركية على سوريا، مقابل وقف هجمات ما يسمى “المعارضة السورية والثوار”، وكان مطلوباً من سوريا أن تفك علاقتها مع محور المقاومة، وفي الأوضاع الحالية، تعني المواجهة في “كوباني” محور المقاومة وسوريا بالدرجة الأولى.
أثبتت الأحداث، أن ما يسمى عملية “السلام” بين حزب العمال الكردستاني وتركيا هي مجرد تكتيكات أردوغانية قصيرة المدى والأهداف إنتخابية ومرّ الاستحقاق الرئاسي التركي، وتركيا قدمت لـ “داعش” كل الدعم عن طريق منظمات خيرية داعمة للتنظيم وسمحت بالعمل بحرية على أراضيها ويسّرت انتشارها على الحدود.
تركيا تحاول إضعاف قدرة الأكراد على المقاومة في مواجهة “داعش” وبنفس الوقت تحاول إظهار مدى هشاشة الاستراتيجية الأميركية وعرضت إمكاناتها للمشاركة ولكن من خلال شروطها، وهذا يعني أن تركيا تنتقل من فشل الى آخر ورهاناتها غير قابلة للتحقيق ومؤشرات ذلك المظاهرات الحاشدة داخل تركيا ذاتها وهي تنذر بسقوط حكومة داوود أوغلو بأقرب وقت.