أصبح مؤكّداً أن حروب التحالف الدولي في منطقة “الشرق الأوسط” مدفوعة الثمن وبشكل مسبق والسياسة الخارجية الأميركية حددت وكما هو معلن سقفاً معيناً، يتمحور في الحفاظ على المصالح القومية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهي بذلت جهودها لتشكيل تحالف دولي وهذه المرة تحت مسمى “محاربة داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية.
والجديد في الاستراتيجية الأميركية، أن الرئيس باراك أوباما أشار الى أنه يعتبر الصومال واليمن نموذجين للحرب المقبلة ضد “داعش” وهذا يعني، أن الحرب ستكون طويلة وأن أميركا ستتولى قيادة الحلف الدولي الذي سيتصدّى للإرهاب المفترض.
في الوقائع، رأينا أن الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق كانت مكلفة وطويلة ولا تتناسب مع نتائجها، الإمكانيات المالية والعسكرية والخسائر البشرية في كلا البلدين وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الى حد الكارثة الحقيقية، ولماذ هذه الحرب الجديدة؟
والتوصيف الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني للجولة الجديدة في الحرب ضد الإرهاب، هو “لا حرب ولكن حرب”، هو توصيف يختصر الاستراتيجية الأميركية للرئيس باراك أوباما لمحاربة الإرهاب، وهذا يعني أن غالبية أطراف التحالف، لم توافق على الانضمام إلا بعد أن تأكّدت من هذا الوصف “لن نحارب ولكن سنجد مَن يحارب” وهي راضية بقيادة أميركا رغم علمها أن لأميركا أهدافاً خاصة في هذه الحرب، وبعضها لا يعي طبيعة التغيّرات التي يمكن أن تحدث في منطقة الشرق الأوسط ومكوناتها وتركيباتها المتنوعة نتيجة الحرب، فالمنطقة تغلي وضغوط ومؤثرات وعمليات تهجير ومؤامرات، والرأي العام في المنطقة يدرك المآرب الأميركية.
لذلك، هذه الحرب مسرحية خطيرة جاءت بالأميركي من جديد الى المنطقة بعد أن استدعته بعض الدول التي تلعب أدواراً تابعة في التحالف الذي تقوده أميركا التي بدأت تطالب باعتمادات مالية ضخمة للإنفاق على عمليات التحالف في حربها المزعومة.
وكان للموقف الروسي الرافض أي عمل دولي من دون ترخيص من مجلس الأمن تأثيره البالغ، وهذا أيضاً ما أضعف مكانة التحالف، ويعرّض التحالف لخطر الإنقسام المبكر، والموقف الإيراني كان واضحاً وأشار الى أهداف الهيمنة والسيطرة الأميركية.
ويسأل البعض عن السبب الرئيسي وراء نشأة “داعش” وما قبله من تنظيمات متطرفة؟ وتشير دراسات الخبراء الى “حدثين اجتازتهما المنطقة خلال العقد الماضي، الأول: هي السياسة الأميركية التي بدأت باحتلال العراق عام 2003، والثاني: الهزة السياسية – الاجتماعية – الدينية التي ضربت العالم العربي منذ عام 2011″، ومن تلك الارتجاجات السياسية ولد تنظيم “داعش”، الذي استقطب خمسة آلاف مجنّد تقاطروا إليه من أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية الذين تعرضوا لعمليات غسل أدمغة بأيديولوجيات متطرفة وباتت الأنظمة التي خرجوا منها تخشى عودتهم وتأثيرهم في أمنها ومجتمعاتها، ويضاف إليهم الآلاف من أبناء البيئات الحاضنة الذين غرّر بهم أيضاً بأفكار تكفيرية والإسلام منها براء.
ما يحصل الآن هو النتيجة، أن سياسة الكيل بمكيالين لدى السياسة الأميركية والأوروبية هو مَن ساهم في الوصول الى الحالة الراهنة، من خلال دعم التكفيريين في الشرق الأوسط، ومن ثمّ ترتيب مسرحية محكمة الحبكة حول حربهم المزعومة ضد الإرهاب.
مثل هذه المزاعم لن تنطلي على أحد، والبعض في المنطقة يريد تغيير اتجاه البوصلة ومسار الصراع في المنطقة لكنه سيدفع الثمن مرتين عندما تنجلي الحقائق.
إن أميركا اليوم هي غير أميركا التي خرجت مجروحة من “غزوتي نيويورك وواشنطن” وهي التي أنفقت من الأموال والدم في العراق وأفغانستان، لن تأتي لتحارب برجالها، إنما تريد من شعوب المنطقة مجرد أدوات وللتغطية على سياسة الهيمنة الأميركية وسرقة مقدرات الشعوب وثرواتها.
يأتي الأميركي اليوم الى المنطقة وبعد أن تمزّقت وتغيّرت، ولا تستطيع المنطقة احتمال “داعش” وما تعنيه من تخلّف وظلامية وإجرام، والحديث عن حرب طويلة يفسّر المآرب والأهداف وبشكل واضح، أن عودة الأميركي الى المنطقة، لا تعني وجوده على الأرض، وهو لن يرسل جنوده ليحارب على الأرض، لأن أهل المنطقة مَن سيدفع الثمن هذه المرة ومضاعفاً، والبعض مَن سمح للأميركي بالعودة من أجل مصالح ضيقة ولمزيداً من خلط الأوراق، الأوراق وهدف “داعش” وغيرها، محاربة الجيوش العربية والعودة بالمنطقة الى عصور ما قبل الدولة، وبالتأكيد إن مثل هذه الأفكار والمشاريع التدميرية ليس قدراً، وإرادة أهل المنطقة هي مَن سيعطي الجواب ويحدّد خيارات المواجهة، هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على كرامة الأمة.
إنه قانون طبيعي: الاحتلال يواجه بالمقاومة.