فاز رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية التي جرت يوم 10 آب 2014 بعد أن حصد 52 % من أصوات الناخبين، وهذه النتيجة جاءت بأقل مما كان متوقعاً حسب استطلاعات الرأي، ولا تسمح له أن يُدخل مشاريعه حيّز التنفيذ ومنها الإنتقال بتركيا من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي كما كان مخططاً من قبل، وهذه هي الهزيمة الأولى لخططه التي جاء بها الإستحقاق الإنتخابي.
جرت الإنتخابات الرئاسية التركية وأجواء المنطقة تغلي في أكثر من مكان وتكاد تكون مترابطة في دوافعها ومحصلاتها وخططها وتحالفاتها القريبة والبعيدة، وهناك جملة من التساؤلات حول دور تركيا في النظام الإقليمي الحالي، وما الجديد الذي سيأتي به أردوغان في ظل سياسة الإنخراط المباشر في أزمات المنطقة من خلال العمل على تأجيجها والاستفادة من الحالة الراهنة؟ وهل سيكون أردوغان رئيساً شكلياً ومقيّد الصلاحيات أم أنه سيعكس شخصيته التسلطية على منصبه الجديد وعلى مبدأ السلطة حيث يكون هو؟ ومن هنا سيحاول أن يترجم ويفسّر صلاحياته بموجب الدستور كما يحلو له ويمارسها على أنها حق له، وخاصة إذا لم يكن عبدالله غول رئيساً للحكومة التركية القادمة.
في خطاب الفوز، أطلق أردوغان العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، بأنه لن يكون رئيساً لفئة من الأتراك وأنه يريد عهداً من الانفتاح والمصالحة وحل المشاكل ومنها المشكلة الكردية، أي أنه أطلق جملة من الوعود المكررة التي وعد بها من قبل ولكنه لم ينفّذها، ولم يعطِ أي أمل بالتغيير الجدّي من أجل تلبية المطالب الداخلية المتعلقة بالحريات والديمقراطية، وهذا يعني كما يتوقع المراقبون، بأن تركيا ستكون أقل علمانية وأكثر “إخوانية” وعرقية ارتباطاً بعجلة المشاريع الأميركية في المنطقة، أي أن أردوغان سيجدّد وكالته هذه المرة وسيطلق المزيد من الوعود باتجاه المنطقة ودور تركيا، وبذلك سيحاول الاستفادة القصوى من الحالة الراهنة لإعادة إنتاج وتسويق السياسات السابقة التي ثبت فشلها في المحيط على صعيد السياسة الخارجية والعمل من خلال خطاب يفصل ما بين الأقوال والأفعال، فهو من ناحية يتحالف مع “إسرائيل” ويرتبط معها في عدد من العقود الضخمة والمبادلات التجارية المميزة، ومن ناحية أخرى استغلّ مناسبة فوزه وأعلن أنه سيعالج الجرحى الفلسطينيين من الحرب الإسرائيلية على غزة في المشافي التركية، أي أنه يتاجر بالقضية الفلسطينية وبدماء الفلسطينيين وهو بذلك يدخل باب المزايدة على بعض العرب، بينما هو العراب الحقيقي للتطبيع مع “إسرائيل” وصاحب الأدوار المعروفة، يريد تقديم خدماته المموّهة وحرصه المزيّف، وصولاً الى تحقيق أهدافه الموسومة بمواصفات المشاريع الأميركية التي تستهدف المنطقة.
أردوغان الرئيس الثاني عشر للجمهورية التركية، سيعزّز قبضته الداخلية وسيزيد التوتر مع الخارج وسيحتكر القرار في تركيا وسيتورّط أكثر في أزمات المنطقة، واللحظة الراهنة ستكون نقطة الإنطلاق لمحاولة إعادة تسويق مشروعه “الإخواني” والاعتماد على الجماعات المسلّحة القادمة من الخارج لزعزعة الاستقرار في المنطقة وإعادة إنتاج “دواعش”، ومثل هذه البيئة تناسب تطلعاته وهو يراهن على تأجيج الأزمات على أمل أن تفتح أبواب جديدة لإدارة الأزمة في المنطقة والرهان على وقائع جديدة ومفاجآت تصب في مصلحته.
مثل هذه التطلعات تتناسب مع أفكاره وممارساته، وهو ينسى أنه لم يعد اللاعب الوحيد في المنطقة، والمفاجآت المتوقعة بكل تأكيد لن تخدم مخططاته لأن مَن يراهن على الأزمات سيحصد الخيبة والخسران لأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء وأحلام الامبراطورية العثمانية الجديدة هي وهم وسراب خادع.