غادر الرئيس سليمان قصر بعبدا لتدخل الجمهورية مرحلة شغور في موقع الرئاسة الأولى ،في حين اظهرت تعطيل جلسات الانتخاب وتطيير النصاب عدم رغبة وقدرة الكتل النيابية على انتخاب رئيس يعكس حداً من الوفاق بين المكونات اللبنانية .
الانقسام عميق من الناحية السياسية والتوازن المتقارب بين ضفتي الانقسام لا يسمح بإجراء عملية ديمقراطية عادية كما لا يسمح الآن بنوع من التفاهم والتوافق على شخصية محسوبة على أي من الطرفين.
من الناحية العملية احتاطت الطبقة السياسية لهذا الفراغ من خلال خطوة استباقية افضت الى تشكيل حكومة جامعة حتى لا يكون الخلل السياسي من النوع التصادمي . لكن حلول حكومة الرئيس تمام سلام محل صلاحيات رئيس الجمهورية يثير إشكالات دستورية كما إشكالات توصف بالميثاقية لجهة الموقع الخاص بالمسيحيين عموما وبالموارنة خصوصا في معادلة توزيع المناصب والحصص داخل السلطة .
فعلياً لا يريد أحد الشغور، لكنه يختاره بالتأكيد لمنع خصمه السياسي من الفوز . ولأن كلا الطرفين لا يملكان القدرة على الفوز بقواهما الذاتية، فالشغور أصبح أمراً واقعاً وسيطول إلى أن يحصل تفاهم سياسي على الرئيس إمّا من نادي المرشحين الأقوياء ،الصف الاول ، كما يقال وإما من خارج هذا النادي وهو المرجح تفادياً لفكرة انتصار فريق على آخر .
غالباً ما يشار إلى أن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان مسألة يتم إنتاجها في الخارج، وهو أمر ليس على هذا النحو من التبسيط . فالرئيس المنتخب يمكن ان يكون جزء من خيارات القوى الداخلية . وهذه المرة كان يمكن أن يكون كذلك لولا سياسة التعطيل التي مارستها بعض الكتل النيابية من خلال طرح فكرة التمديد لسليمان الذي امتاز عهده بحالة من التوتر السياسي بحدة تجاه المقاومة ولم يترك مجالاً للحوار والتفاهم مع قوى 8 آذار .
اما الحديث اليوم عن تأجيل الانتخابات الرئاسية بانتظار تسوية خارجية عملياً هو إعادة ربط المصير اللبناني بأزمات المنطقة وليس بأزمة واحدة فيها . ورغم الأجواء الإقليمية التي تتجه إلى إشكال من الحوار والتقارب بين المملكة العربية السعودية من جهة والجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة اخرى ، إلا أن النزاعات على الأرض ما زالت تتخذ صفة الرسائل التي يقدمها بعض الأطراف الفاعلون إقليمياً للدول الكبرى لعرض خدماتهم في سبيل ما يعتبرونه مصالح أو أهدافاً مشتركة . أما تلك الدول الكبرى فعلى الأقل لم نشهد أبداً استنفاراً أمريكياً ضد تدخل الاطراف التكفيرية المسلحة في الأزمة السورية، بل ربما سمعنا على لسان بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية أن هذا الوضع مثالي !
فهل سيبادر المجتمع الدولي لتدارك الفراغ الرئاسي والضغط لكي يتم انتخاب رئيس أم أن لبنان ليس أولوية راهنة على الاجندة الدولية التي تحاول إعادة ترتيب الأوضاع في عدد من البلدان العربية التي تشهد إعادة تكوين للسلطة؟
الأرجح أن الأولوية لقضايا دول عربية مؤثرة في المعادلات الإقليمية، اما ما يلحظه اللبنانيون هو أن العناوين الخلافية الكبرى تراجع استهلاكها لمصلحة مشكلات اقتصادية اجتماعية تزداد حضوراًيوما بعد يوم وربما تنذر بانفجار اجتماعي غير مسبوق .