لابد أن نعترف بأن المخرج الوحيد لمأزق الحيرة والتردد والارتباك الذى يسيطر على المشهد الداخلي منذ بداية الاستحقاق الرئاسي يكمن فى مدى القدرة على تضييق المسافات بين الحلم والواقع حتى يمكن للكتل النيابية التحرك على طريق الممكن بدلا من استمرار اللهث وراء سراب المستحيل واستمرار الرهان على إمكانية إعادة استنساخ ازمنة التسويات والصفقات المشبوهة.
وصحيح أن لبنان بات على يقين من حاجته الملحة لرئيس للجمهورية يتسلم زمام امور البلاد ، لكنه فى ذات الوقت لا يبحث عن بطل أسطورى يحيطه بأى نوع من القداسة وعدم الخضوع للمحاسبة والمساءلة تحت مظلة الدستور وراية القانون!
لبنان بحاجة إلى حاكم مهاب لم يسبق له أن تعرض لجروح فى هيبته وكبريائه وكرامته وتاريخه لكى يطمئن المواطن إلى قدرته على جلب الهيبة والاحترام وضمان الكرامة والسيادة لهذا الوطن الذى تعثرت خطاه منذ السنوات الاولى لعهد الرئيس سليمان الذي تحولت الجمهورية معه الى مجرد ديكور على حائط الزمن!
اللبنانيون يحلمون برئيس ينظر إلى الأمام بأكثر مما يلتفت إلى الوراء ويتبنى منهجا للتغيير والترميم بأكثر مما يخطط للانتقام وتصفية الحسابات من هنا وهناك ، فالوطن لن يقوى ولن يشتد عوده بتغذية روح الانقسام والعداء للمقاومة وإزاحة كل الخصوم والمنافسين السياسيين، ولكن الوطن سوف يأمن لحاضره ويراهن على مستقبله عندما يصبح الإقصاء استثناء مقصورا فقط على من تلوثت أيديهم بالدماء وانخرطوا فى مشروع تدمير لبنان والانقلاب على مقاومته التي دفعت الاثمان غالية ومازالت حفاظا على عزة اللبنانيين وكراماتهم .
اصوات كثيرة من النواب سوف تذهب في نهاية المطاف إلى مصلحة الرئيس الذي يدرك وعن اقتناع أهمية الوحدة الوطنية وقيمة الانتماء العربى وضرورة تعضيد الروابط مع الجوار العربي وتحديدا سوريا فضلا عن فهمه الكامل لحساسية التركيبة الاجتماعية وضرورات المواءمة بين محددات النمو الاقتصادى واستحقاقات العدالة الاجتماعية!
أن هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن تحتاج إلى رئيس ليس مطالبا بتسديد أى فواتير لأحد حتى تتوافر له القدرة على حماية حقوق الوطن والمواطنين بأكثر من الحاجة إلى رئيس ربما لديه الحق فى الشعور بالظلم من الماضى وغايته الأولى الانتقام والتجني على الآخر!