آن الأوان لإنصاف اللبنانيين وآن الأوان للبنانيين أن ينصفوا نفسهم بنفسهم، فاللبنانيون يتحملون مسؤولية حماية مؤسساتهم وأرضهم، ويتحملون مسؤولية بناء الدولة المدنية حيث يستمدون هويتهم وثقافتهم من تراثهم العريق الممتد عبر التاريخ الطويل الذي يضرب جذوره في التاريخ البعيد ،ومن إطارهم الحضاري العربي الكبير.
الشعب اللبناني يحتوي كل المكونات الفكرية المنتشرة في الجوار العربي ، من إسلاميين وشيوعيين وقوميين ووطنيين، وعلمانيين وليبراليين واشتراكيين، وفيه مسلمون ومسيحيون، وفيه اختلافات عديدة واتجاهات كثيرة، وهو من المفترض ان يكون قادرا على إدارة الحراك الفكري والثقافي ضمن الإطار الوطني الواحد، وضمن إطار الدولة التي تعبّر عن أشواقهم وآمالهم في الحرية والديمقراطية والتعددية والعيش الكريم ، واللبنانيون يزخرون بالكفاءات والتخصصات القادرة على البناء ، والقادرة على العطاء والإنجاز المتميز في كل مجالات التحضر والتقدم الإنساني.
الشعب اللبناني مثله مثل الكثيرين من العرب الذين يلعنون الفرقة ويرفضون التفتيت التي مزقت الأمة وأضعفتها، وفي الوقت نفسه هذا الشعب يتحمل مسؤولية حماية التراب الوطني ، وحماية الأجيال القادمة التي ينبغي عليها أن تتولى بنفسها بناء المشروع الوطني وإدارته في الوقت الذي تمارس فيه استنكار النقسام الداخلي واستنكار التفجيرات الارهابية واستنكار التبعيةالمفروضة واستنكار التدخلات الخارجية في شؤونهم الداخلية.
المطلوب اليوم ونحن على ابواب الاستحقاق الرئاسي أن تتوقف آلة الاتهام والطعن والتشويه التي تحاول النيل من كل من يريد الانخراط في مشروع بناء الدولة بجدية، وكل من يريد الإسهام في الحفاظ على منعة لبنان ، وحفظ امنه واستقراره ومستقبله ،والاقلاع عن معارك التشهير والاستخفاف، التي يجيدها أصحاب الشعارات الرنانة، والذين امتهنوا احتكار سلطة القرار والصواب والوطنية والنضال، لعشرات السنين ، ولم يحصد المواطن اللبناني خلال هذه المدّة إلّا السراب وصفير الرياح، والتيه والضياع والبطالة والتقهقر .
بناء الدولة في لبنان مشروع مقدس بكل معنى الكلمة، ليس مقتصراً على فئة أو طائفة أو جماعة محددة، بل كل من يؤمن بهذا المشروع، وكل من ينتمي لهذا التراب، وكل من يريد أن يقاوم في بنائه ونمائه وازدهاره، بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي أو الفكري أو السياسي أو العرقي أو المناطقي، على قاعدة المواطنة العادلة المبنية على الانتماء الوطني العميق الذي لا يقبل المساومة أو الجدل.
اللبنانيون لا يحتاجون إلى مزيد من الوعظ في مجال انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية ، ولا في مجال الانتماء لوحدة الارض، بل إن هذا الشعب المقاوم يعطي دروساً عملية للآخرين من خلال الواقع والتاريخ، وهو متقدم على غيره في التضحية والفداء في الوقوف الى جانب الجيش العربي السوري في حربه ضد التكفيريين وفي الاستغراق في دعم القضايا العربية وفي طليعتها القضية القلسطينية ، ومن هنا يجب التوقف عن المعزوفات المخروقة والممجوجة التي ملتها الأجيال الجديدة.
نحن أمام تحدٍ كبير وعظيم، يتمثل في حفظ دولتنا في وسط هذا البحر التكفيري العاصف والمتلاطم من التغييرات التي تجتاح المنطقة ، وهذا التحدي يحتاج إلى جهود كل الغيارى من أجل مسابقة الوقت في عملية انجاز الاستحقاق الرئاسي ووقف الترشيحات الرئاسية الوهمية ووقف الاستمرار في معارك الجدل البيزنطي الأجوف الذي يعيد انتاج مراحل التمديد والفراغ على صعيد الاستحقاقات الوطنية وحصاد الفوضى والرجعية.
^