ما حدث في أوكرانيا ، ليس حدثاً عابراً، هو حصيلة جهود أميركية وغربية هدفها الضغط على روسيا من خاصرتها ولي ذراعها واستنزاف قدرتها، كل هذا بسبب مواقفها المبدئية في سوريا وفي أكثر من مكان يواجه المشروع الإستعماري الغربي الصهيوني.
ما يحصل في أوكرانيا هو إنقلاب عسكري مدبّر واستخدام أدوات محلية متعصبة ومدعومة من الخارج بالمال والسلاح والخطط، يتباكى أولئك على وحدة تراب أوكرانيا بينما هم من خطط ودبّر لتقسيم السودان وشن حرب كونية مجنونة ضد سوريا وما تمثّله في وجدان أبناء أمتنا.
في أبعاد الإنقلاب الذي أطاح برئيس أوكرانيا الشرعي يانكوفيتش وتنصيب ألكسندر تورتشينوف الموالي لواشنطن، هو الخطة (ب) بعد أن انكشفت حقيقة الحرب الهمجية التي شُنّت ضد سوريا، أرادت واشنطن وحليفاتها من خلالها توجيه ضربة استراتيجية ضد روسيا، والهدف كبح نهوض القطب العالمي الجديد الذي تقوده روسيا والصين ومن بعدها دول “البريكس”، وهذا يؤكّد أيضاً، أن المعركة واحدة من أوكرانيا الى سوريا وليبيا ومصر وغيرها، ما يحصل في أوكرانيا بشّر به جون ماكين عندما قال: “إن ما يسمى “الربيع العربي” سينتقل الى روسيا والصين”.
الحدث في أوكرانيا ليس بالحدث العادي، وإذا ما نجحت هذه اللعبة الخطرة، فإن تداعياتها ستهدد روسيا بتغيير يستهدف بنيتها ووحدتها وخطر التفكك الداخلي، من هنا سارعت موسكو الى اتخاذ إجراءات صارمة لمعالجة أزمة الإرتدادات المتوقعة بإجراء أوسع مناورات حربية عرفتها موسكو منذ وقت طويل.
إن هدف احتواء أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة ودول الغرب الإستعماري كان قد تحدث عنه مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر “زبيغنيو بريجنسكي” وهو صاحب نظرية “احتواء أوكرانيا” عندما قال: “إن أوكرانيا تمثل قاعدة الإنطلاق لطموحات روسيا، وهو الذي يشجع الدول الغربية على اقتناص الفرصة لضم أوكرانيا الى الإتحاد الأوروبي، عندئذ تصبح روسيا معزولة وعاجزة عن تخطي حدودها الطبيعية”.
إن موافقة مجلس الإتحاد الروسي على طلب الرئيس فلاديمير بوتين إستخدام القوات المسلحة في أوكرانيا حتى عودة الإستقرار السياسي والإجتماعي، يعني أن روسيا جاهزة لكل الإحتمالات، لذلك أقدمت على إتخاذ خطوات عملية من أجل فرض سيطرتها السياسية وحمايتها الأمنية على شبه جزيرة القرم الواقعة في البحر الأسود وذلك نظراً لأهميتها الفائقة بالنسبة الى الأمن القومي الروسي.
وبين روسيا وأوكرانيا إتفاق تمّ توقيعه عام 1997، على تقسيم الأسطول السوفياتي سابقاً وبقاء السفن الروسية في القرم حتى عام 2017، وعندما تولى فيكتور يانكوفيتش رئاسة أوكرانيا، مدّد اتفاق إستئجار الموانئ خمسة وعشرين عاماً إضافية حتى عام 2042 مقابل تزويد أوكرانيا بالغاز الطبيعي المدعوم.
وبعد الأزمة الأخيرة، تحرّك الروس بقوة وبسرعة لضمان السيطرة الروسية على القرم الذي يمثل مدخل روسيا الوحيد الى المياه الدافئة والممر الإجباري لتواصلها مع العالم، وهو رئة روسيا الوحيدة جغرافياً وأغلب سكانه من الروس “ما نسبته 60 %).
روسيا اتخذت قرارها بالمضي قدماً غير آبهة بانزعاج الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي، لأن إنتقال المبارزة الروسية – الأميركية الى بطن روسيا الرخو لن يسمح بتوافقات أو تفاهمات في ما تراه روسيا تهديداً لأمنها القومي، وستتمسك بإستفتاء على مصير القرم بفرض إعلان استقلاله وضمه لاحقاً الى أراضيها كما كان سابقاً.
وفي المدى المنظور ستسود حالة التوتر في علاقات روسيا مع الجانب الأميركي والغربي، وهنا تختلف قراءة المراقبون لمسار الأحداث، في ظل ربط ملفات عديدة مع بعضها، الشيء المؤكّد، أن روسيا ماضية في إتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها القومي ولن تسمح لأحد باللعب في ملعبها وستبقى مواقفها واضحة وصادقة في تحالفاتها، وهي لن تسمح بإعادة عقارب الساعة الى الوراء بعد أن تغيّرت موازين القوى لمصلحتها في أكثر من مكان في العالم.