يعيش الرئيس المكلف تمام سلام منذ أكثر من عشرة أشهر، مأزق ولادة حكومته العتيدة ، الذي يزعم مراراً على الثوابت المعتمدة في تشكيلها، لجهة ميثاقيتها وتمثيل جميع الاطراف السياسية الفاعلة في إطار حكومة تعددية جامعة. لكن الشروط والشروط المضادة التي مورست من طرفي الانقسام أفضت إلى عدم الإعلان عنها، وكثر الحديث عن حكومة تكنوقراط أو حكومة أمر واقع.
وفي ظل نظام سياسي بُني على توازنات طائفية ومذهبية هشة، باتت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عفنة وعاجزة عن تشكيل الحكومة. وبدا اللبنانيون في حالة إحباط ينتظرون التوافق الدولي والإقليمي على حل ازمتهم الداخلية ، بسبب فشل زعماء الطوائف والمسؤولين في إدارة شؤونهم وإدخال وطنهم في فراغ سياسي بالغ الخطورة، وسط ظروف عربية متفجرة.
وبدا واضحاً أن الطبقة السياسية بجميع تلاوينها فقدت الحس بالمسؤولية الوطنية، ما يجعل المظلة الخارجية لحماية لبنان وتجنيبه مخاطر الفتنة واستمرار التفجيرات الارهابية مسألة بالغة الصعوبة في غياب حكومة وطنية جامعة ودستورية للحد من الفوضى والفتن ومن تأثير الأزمة السورية التي هزت لبنان عبر الكثير من العمليات الإرهابية والانتحارية.
يتجه لبنان اليوم نحو أزمة كبيرة في حال لم ينجح سلام في تشكيل حكومة تطمئن اللبنانيين بعيدا عن كل اشكال المجابهة العلنية، بين الفريقين المتناحرين على السلطة، فظروف لبنان الداخلية والحرب المستمرة في سوريا، لا تسمح باعتماد رهانات خاطئة قد تجر البلد الى ما لا تخمد عقباه.
فهذا الصخب الذي يدور في لبنان حاليا بشأن الوضع الحكومي لا يفيد أحدا ولا يقدمنا خطوة واحدة نحو الأمام بل يعيدنا عشرات السنوات إلى الخلف. لا يوجد اسهل من البقاء في منطقة الكانتونات والدويلات التي اعتدنا عليها منذ 25 سنة وأكثر كما أن تبادل الاتهامات بالعمالة وانعدام الولاء وشيطنة الآخر هي الخيار الأسهل في الهروب من مواجهة الواقع ناهيك عن الرغبة الدائمة عند المسؤولين في القفز وراء الحقائق والاكتفاء بالخطابات التعبوية التحريضية أو الإنشائية الدفاعية التي قد تستدعي الكثير من التصفيق ولكن القليل من المضمون المفيد!
فيا ايها الزعماء الافاضل انتم اليوم امام الكثير من التحديات والأسئلة التي سيتم طرحها عليكم سواء شئتم أم أبيتم، وفي حال قررتم أن نتجاهلوا وجودها فهي ستأخذكم على حين غرة وتجتاحكم ضمن أجندة من خارج صناعتكم أما إذا تحليتم بالجرأة والشجاعة في التواصل السليم واحترام الرأي الآخر والوصول إلى حد معقول من التوافق الوطني فإنكم ستتمكنون داخل مجتمعاتكم ودويلاتكم من التعامل مع التحديات القادمة بالشكل السليم. أهم هذه الأسئلة هي:
1- هل هنالك مخاطر وجودية تهدد الدولة اللبنانية حاليا وتشكل “أولوية وطنية” وما هي وما مدى تأثيرها الحقيقي على النظام السياسي والمجتمع والبنية الاقتصادية للدولة؟
2- ما هي أوراق الضغط السياسية الحقيقية التي يمكن للبنان الرسمي والشعبي استخدامها في الظروف السياسية الاقليمية والدولية الحالية بخاصة في سياق التعامل مع مستجدات المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية؟
3- ما هي تداعيات الوصول إلى نقاط داخلية مشتركة بين الاطراف المتنازعين بخاصة في مجال الاستحقاقات الحكومية والدستورية الضاغطة ؟
4- ما هي التداعيات طويلة الأمد للهجرة السورية على لبنان ، وما هي النقطة التي يمكن أن تقول فيها الدولة كفى لا يمكن استقبال المزيد، وما هي نسبة اللاجئين السوريين الذين سيستمر بقاؤهم على الاراضي اللبنانية ؟
5- هل توجد نية لدى القوى السياسية في الوصول إلى قانون انتخاب يتجاوز التمثيل الاكثري ويمنح الأغلبية للعمل السياسي الحزبي القادر على تشكيل حكومات حقيقية خاضعة للمساءلة؟
6- ما هو المستقبل السياسي-الاقتصادي للبنان ؟ هل سيتم الإبقاء على سياسات الهدر العام و الفساد والزبائنية التي شكلت معادلة الولاء والعمل السياسي التقليدي أم سيتم التحول نحو دولة مدنية إنتاجية حديثة؟
7- ما هي حدود القبول بدور للقوى والاحزاب غير التقليدية في الحياة السياسية وهل التيارات الرجعية في لبنان قادرة على الخروج من معسكرها الفكري والتعامل مع الأطراف الأخرى كشركاء تماما وليس كملحقين؟
8- ما هي العوامل الأساسية التي ساهمت بتحريك الشارع اللبناني في فترة الحراك المرافقة لبدايات “الربيع العربي”، وهل تم التعامل سياسيا من قبل الدولة مع هذه العوامل للرد على هواجس المواطنين ؟
كما قلنا، الخيار الأسهل هو تجاهل تلك الأسئلة، ولكن في هذه الحالة سيتم تقديم الإجابات عليها من قبل جهات أخرى قد لا تحمل في داخلها حرصا على استمرار هذا الوضع الهش. لا داعي للبقاء في الوضع الساكن وحذاري من شيطنة من يتجرأ لطرح وجهة نظر حول الكثير من المسائل الداخلية منها والخارجية .
^