يدرك القريب والبعيد استحالة وصول مؤتمر جنيف-2 لحل الازمة السورية، وتعذر الوصول إلى نتائج ذات جدوى بين القطبين الدوليين روسيا والولايات المتحدة ، لأن ذلك يحتاج لتحقيق شروط موضوعية، يؤدي توفرها من دون غيرها إلى نتائج ملموسة وحلول واقعية، وهذا لم يتوفر بعد.
ويعرف المسؤولون الدوليون والاقليميون ، أن نجاح المؤتمرات لا يتحقق بفصاحة اللسان والخطب الرنانة امام وسائل الاعلام ، وإنما بتوفر الشروط الضاغطة، التي يؤدي جدلها إلى نتائج فعالة، وهذا لم يكن يتحقق في الجولة الأولى لمؤتمر “جنيف-2″، الذي عقد في الشهر الماضي، حيث لم تكن الدولتان الراعيتان قد اتفقتا على إطار عام للمقررات المحتملة ،كما فشلتا في التوصل الى تسوية تصدر عن المؤتمر، فضلاً عن أن كلاً من الطرفين السوريين تقدم بمطالب متناقضة لا يجمع بينها اي قاسم مشترك فيما بينها ، وعلى ذلك كان لا بد من أن ينتهي المؤتمر إلى ما انتهى إليه، أي إلى لا شيء.
على النطاق السوري الداخلي لم يحسم الصراع حسماً جدياً، على الرغم من التقدم العسكري لقوات النظام ، كما لم يقتنع أهل “المعارضة” بالحل السياسي لأنهم لا يرغبون في التسوية السلمية، بل ما زالوا يرفضون أي تنازل عن أي من رغباتهم ومطامحهم ولو ادى ذلك لتدمير سوريا.
ولا ترى الجماعات التكفيرية المسلحة مثل “داعش” و جبهة “النصرة” وغيرها من المنظمات الارهابية بدورها انقساماتها السياسية والعسكرية والتناقضات التي تنهش جسمها، وما زالت تعتقد بإمكانية تحقيق أهدافها كاملة من دون أخذ التطورات الراهنة بعين الاعتبار.
وفي الحالات كلها، فإن الظروف المناسبة لم تتوفر ليتوصل الطرفان لحل ناتج عن رغبتهما وجهودهما الذاتية، وما زال الأمر ينتظر واقعياً قراراً دولياً، لم يُتخذ بعد. وفي هذه الظروف والتعقيدات، ليس للفصاحة والمظهرية الكلامية وقوة الحجة أي دور في الوصول إلى حل.
وفي حين يستأنف مؤتمر جنيف جولته الثانية ، غير ان الظروف والشروط ما زالت نفسها، وإذا لم يتفق الراعيان فمن غير المتوقع أن يحقق المؤتمر أي نتائج مهما تعددت جولاته، ويبدو أن اتفاقهما بعيد المنال.
كان من الواضح خلال الجولة الأولى، أن الوزير المعلم والوفد المرافق له مصر على إبعاد شبح هيئة الحكم الانتقالي عن جدول التفاوض، بهدف إبقاء الحال كما هو، ولذلك رفض الانصياع لمطالب
مفاوضي “المعارضة” الذين تركزت جهودهم على تشكيل الهيئة، وهكذا بقي الحال كما هو، وانتهى المؤتمر بلا نتائج، وبقي الشعب السوري يعيش مأساته ويغرق بدمائه.
من البديهي أنه إذا أريد لمؤتمر جنيف وجولاته تحقيق نتائج ملموسة وتسوية حقيقية للأزمة السورية، بإنهاء سيل الدماء، والدمار ، والتهجير ، والتنكيل ،والارهاب والوصول إلى نظام ديمقراطي عادل مستقر، فلا بد من توفر الظروف المناسبة أولاً، حيث يمكن بعدها الوصول إلى النتائج المرجوة.
لذلك يبدو أن حل الأزمة السورية سيبقى بعيد المنال، ما لم يقرر الروس والأميركان غير ذلك، وهذان الطرفان ـ لسوء الحظ ـ يصران على حل جميع خلافاتهما الأخرى، منها الملف النووي الإيراني، والأزمتان الأوكرانية والجورجية، ونصب الصواريخ في بولونيا، وغيرها من القضايا المتشابكة في أوروبا والشرق الأوسط. قبل الدخول إلى حل الأزمة السورية، بعد أن أدخلاها في بازار الاخذ والرد
وإذا بقيت الأمور على حالها، فعلى السوريين انتظار وصول الراعيين لاتفاقات على خلافاتهما ليأتي دور الأزمة السورية، وريثما يتحقق ذلك فالكل يخدع الكل، ويستهلك الوقت، ويكسب مُهلاً، يدفع الشعب السوري ثمنها غالياً، وعلى الجياع أن يبقوا جوعى، والمشردين في بقاع الأرض المختلفة أن يتعودوا التسول.
^