دون اسباب موجبة او مفهومة يتولى رئيس الحكومة نواف سلام قلب الاولويات والهاء الناس بقضايا تبعدهم عن همومهم اليومية التي تتحمل مسؤوليتها حكومة لم تنتج شيئا تخفف عنهم الاعباء الاقتصادية او اقله تعيد لهم اموالهم المسروقة في المصارف، اما الاخطار الاستراتيجية فهي تتهدد البلد والمنطقة حيث «تطبخ» الخطط ويعاد رسم الخرائط في نيويورك، حيث يسود الترقب نتائج اجتماع رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وفيما نقل عن رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال لقاءاته في نيويورك، تاكيده انه لن يتم «نزع السلاح» بالقوة في لبنان، يتلهى سلام في معارك ضيقة الافق في ازقة بيروت.
فقد نجح رئيس الحكومة، في تحويل الوقفة الرمزية في سياق احياء ذكرى استشهاد الامينين العامين لحزب الله السيدين حسن نصرالله، وهاشم صفي الدين، قبالة «ًصخرة الروشة» في بيروت، الى «كباش» سياسي منح حزب الله منصة لاطلاق العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، لتسجيل انتصار معنوي لم يكن في الحسبان. فرئيس الحكومة احرج نفسه بعدما فشل في منع اضاءة «الصخرة» بصورة الشهيدين نصرالله وصفي الدين، وهي «معركة طواحين هواء» لم تكن في مكانها بحسب اقرب الوزراء المقربين منه والذين عاتبوه على ما اعتبروه «دعسة ناقصة». وهو توصيف يتبناه ايضا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يتفهم كل الدوافع التبريرية التي حاول سلام سوقها خلال الاتصال الهاتفي امس الاول، حيث انتهت المكالمة بتعبير «انشالله خير».
ووفق مصادر «الثنائي» لم يكن حزب الله في وارد التراجع عن اضاءة «صخرة الروشة» بصورة الشهيدين السيدين نصرالله وصفي الدين، لاسباب عديدة اهمها، ان النكد السياسي الذي مارسه «الخصوم» في الداخل، عبر الحملة الاعلامية المنظمة من قبل وسائل الاعلام المعادية في الداخل والخارج، او تصريحات عدد من القيادات السياسية التي حاولت ان تخلق فتنة داخلية، تجاوزت «الخطوط الحمراء» بعد تحولها الى سياسة رسمية للاضرار بهيبة الحزب، بعدما تبنى رئيس الحكومة نواف سلام، السردية التي تريد ان تطّيف بيروت او تجعلها حكرا على فئة دون اخرى، كما انه اراد تسجيل انتصار معنوي «يبيعها» الى الخارج قبل الداخل، فكان الرد»الرسالة»، ان الحزب لن يتهاون مع اي محاولة «لكسره» مهما كانت بسيطة، علما انه عندما اختار الروشة لاقامة الوقفة، لم يكن في نيته تحدي احد، وانما التاكيد ان شهادة قادته ليست لفئة دون غيرها، والعاصمة بيروت هي العنوان الاكثر تعبيرا عن هذا المعنى الوطني، لكن ثمة من اراد تحويل احتفال رمزي، كان ليمر دون اي ضجيج، الى «كباش» سياسي في غير مكانه، وهو دفع بالامس من هيبته الشخصية لا من هيبة الدولة لانه حاول توظيف القانون بغير وجه حق في «زواريب» ضيقة لا تليق بمسؤول يفترض ان يكون ممثلا لكافة الشرائح اللبنانية، لكنه اختار ان يكون «راس حربة» في مشروع داخلي لمحاصرة بيئة حتى في احياء احزانها، وعليه ان يتحمل مسؤولية خياراته الخاطئة.
وكانت لافتة قيام المنظمين باضاءة «صخرة الروشة» بصورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد في صورة تجمعهما مع السيد نصرالله في رسالة سياسية واضحة الى رئيس الحكومة نواف سلام ومن معه من نواب «الصدفة» ان من يمثل اهل بيروت السنة هو زعيما» تيار المستقبل»، وان هذه العلاقة التي بنيت على الثقة مع الرئيس الشهيد الحريري هي الاصل في العلاقة مع «البيارتة»، وفيها تذكير بان الرئيس سعد الحريري تمت معاقبته سياسيا وماليا لانه لم يقبل بان يلعب ادوارا يرضى بها البعض الان. اما بيروت فهويتها مقاومة، وليست اي شيء آخر، وهي لكل اللبنانيين وليست حكرا على احد طائفيا او سياسيا.
اما «الرسالة» الاكثر اهمية فهي امنية حيث مر الاحتفال دون اي اشكال يذكر على الرغم من الحشود الغفيرة الحاضرة والتي سبقها حملة تحريض كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وما حصل يعد اختبارا ناجحا لعلاقة حزب الله مع القوى الامنية وخصوصا قيادة الجيش التي اثبتت انها معنية بالحفاظ على السلم الاهلي، بعدما بلغ التنسيق مستوى عال قبل وخلال الوقفة الرمزية. كما ان المؤسسة العسكرية ومعها القوى الامنية اظهرت حكمة كبيرة في تعاملها مع الحدث وظهر انها في «واد» وبعض السلطة السياسية في «واد» آخر، ولم تكن في وارد منع اضاءة «الصخرة» تحت اي ظرف في ظل مخاطر حصول تصادم مع الناس.
اما ما تتوقف عنده مصادر دبلوماسية، فيرتبط بقدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ وعودها في ملف «حصر السلاح» دون التوافق مع حزب الله، فاذا كانت غير قادرة على منع اضاءة «صخرة» في بيروت، فهل تستطيع ان تنفذ قرارا استراتيجيا بحجم ملف السلاح؟!
وكان الحشد قد فاق توقعات المنظمين، حضر الالاف الى قبالة «صخرة الروشة» لاحياء ذكرى السيدين الشهيدين، وفي ظل انضباط لافت من قبل الحضور، لفتت مصادر معنية الى ان ارتفاع الاعداد كانت نتيجة الاستفزازات من قبل «خصوم» الحزب، فضلا عن قرار رئيس الحكومة غير المبرر. اما لماذا بيروت؟ فان اختيار المكان لم يكن استفزازا لاحد، بل لاظهار هوية بيروت المقاومة للاحتلال، بعد محاولة الكثيرين تشويه تاريخها وحاضرها.وقد رفع العلم اللبناني واعلام حزب الله، وشاركت قوارب صيد حملت صور الشهيدين في احياء المناسبة. كما تمت اضاء صورة للعلم اللبناني، وصورة اخرى تجمع السيد نصرالله مع الرئيسين رفيق وسعد الحريري، وكذلك صورة تجمع السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري.