«الصفقة جنّبت لبنان فتنة داخلية، لكنّها علّقت قرار الدولة على خيط المفاوضات الأميركية-الإيرانية وتوازنات إسرائيل».
لم يكن ما جرى في جلسة الحكومة اللبنانية في الخامس من أيلول مجرّد اجتماع عابر، ولا حتى قراراً سيادياً تقليدياً. ما حدث هو نتاج صفقة دقيقة نُسجت بخيوط سرّية بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، هدفها الأوّل والأخير: منع انتقال الخلاف مع إسرائيل إلى فتنة داخلية بين الجيش و»حزب الله»، أو إلى صدام أهلي لا يملك لبنان ترف احتماله.
هذه الصفقة أخرجت الحزب والحكومة من مأزقَيهما، ووضعت الجميع أمام معادلة جديدة: قرار قائم شكلاً… ومعلّق عملياً.
الجيش والقرار المعلّق
خطة الجيش لترجمة قرار الحكومة حصر السلاح بيدها وحدها رُبطت بانسحاب إسرائيل من الجنوب، من دون أي مهلة زمنية. بعبارة أوضح، التنفيذ مؤجَّل إلى إشعار آخر. الجيش التزم بالقرار، لكن تحت سقف عدم التصادم مع «حزب الله»، في ظل غياب التوازن في العدد والعتاد، وفي ظل غياب ضمانات بانسحاب متزامن من الطرف الإسرائيلي.
رسائل متعدّدة
واشنطن رأت في الصفقة تكتيكاً ضرورياً لإبقاء خطة الموفد الأميركي توم برّاك حيّة: خطوة مقابل خطوة، سلاح مقابل انسحاب، إعادة إعمار مقابل تهدئة.
لم يكن ما جرى في بيروت منفصلاً عن حركة المفاوضات الكبرى. فطهران لم تُدخل لبنان إلى جدول أعمالها، لكنّ التزامن مع التحضيرات الأميركية-الإيرانية فتح نافذة لتمرير صفقة لم تكن لتحيا من دون «قبة باط» أميركية. هكذا تحوّل قرار حصر السلاح من ملف داخلي إلى ورقة ملحقة بالمساومات الإقليمية، حيث صار سلاح «حزب الله» جزءاً من لعبة أكبر تتجاوز حدود بيروت وتُدار على طاولة الصفقات الدولية.
إسرائيل بدت غير مقتنعة: ربط السلاح بانسحابها يُعطّل التنفيذ. لكنّها تترقّب، وستواصل عمليات اغتيال عناصر الحزب واستهداف قدراته، وتتطلّع إلى تهجير ممنهج لمزيد من أهالي القرى والبلدات جنوباً، وقد تختبر لاحقاً ما إذا كان لبنان جاداً في ترجمة هذه الصيغة.
الخلاصة: قرار بلا توقيت
الصفقة اللبنانية جنّبت البلاد فتنة داخلية، وأبقت القرار قائماً، لكنّها في الجوهر رحّلته إلى أجل غير مسمّى. هذا يعني أنّ لبنان دخل في مرحلة تعليق استراتيجي: القرار موجود، التنفيذ مؤجَّل، المستقبل مرهون بما سيجري بين واشنطن وطهران، وبما ستقرّره إسرائيل على الحدود.
ويبقى السؤال الأخطر:
هل يدفع هذا المسار «حزب الله» لاحقاً، وتحت ضغط التوازنات الدولية والإقليمية، إلى تسليم سلاحه طوعاً ضمن تسوية كبرى تحفظ وحدة الدولة؟
أم يترك المجال مفتوحاً أمام إسرائيل لفرض الحل بالقوة، حين ترى أنّ الوقت حان؟
المصدر:”الجمهورية”-جورج سولاج
*