من الآن وحتى آخر الشهر الجاري، يفترض أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وما إذا كان البلد ذاهب نحو التصعيد المتعدّد الأشكال والألوان، أو نحو الهدوء والتبريد على كل الجبهات. وذلك ربطاً بما سيعود به الموفد الأميركي توم برّاك من إسرائيل، من موافقة على الورقة الأميركية أو رفض لها أو تمييعها وإغراقها بشروط إسرائيلية جديدة. وفي موازاة هذا الحدث، يبرز حدث آخر لا يقلّ أهمية، ويتجلّى في زيارة مرتقبة للبابا لاوون الرابع عشر في وقت قريب إلى لبنان، وقبل شهر كانون الأول المقبل، كما كشف البطريرك الماروني مار بشارة الراعي.
ترقّب وحذر وتشكيك
وعلى رغم من أنّ برّاك، الذي يرجّح مَن التقاهم من المسؤولين اللبنانيِّين، أن يعود إلى بيروت أواسط الأسبوع المقبل، قد أبلغ هؤلاء المسؤولين قبل انتقاله إلى إسرائيل بأنّه يأمل أن يعود إليهم بما وصفها أخباراً طيّبة، فإنّ الأجواء الداخلية المحيطة بهذا الأمر، تعكس حالاً من الترقّب والحذر الشديد، وكذلك التشكيك في إمكان حصول اختراقات نوعية، على رغم من أنّ برّاك – في اللقاءات التي أجراها في بيروت الاثنين الماضي، ووُصِفت بأنّها الأهم والأكثر وضوحاً وصراحة بل والأكثر عمقاً وتفهّماً، قياساً مع اللقاءات التي أجراها في زياراته السابقة – قد أظهر حماسة ملحوظة هذه المرّة لتحقيقها، وبناء مساحة توافق مشتركة بين كل الأطراف حول ورقته التي يرعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصورة مباشرة، وخصوصاً أنّ التجارب مع إسرائيل لا تشجّع على الإطلاق، يُضاف إلى ذلك ما تقوم به من إجراءات عدوانية واستحكامات جديدة في منطقة الجنوب، وإعلانات متتالية من قِبل مستوياتها السياسية والعسكرية باستمرار إعتداءاتها وعدم انسحابها من الأراضي اللبنانية. ما يعني التفشيل المسبق لأي أوراق أو طروحات على على ما قال أحد كبار المسؤولين لـ«الجمهورية».
وفيما لم يُكشف النقاب عن المحادثات التي أجراها برّاك في إسرائيل، أو المستويات السياسية وغير السياسية التي التقاها هناك، اكتُفيَ بخبر عام عن لقاء حول الورقة الأميركية في باريس، جمع برّاك ومعه الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. وعلى ما يؤكّد متابعون لملف الورقة الأميركية لـ»الجمهورية»، فإنّه لم تبرز حتى الآن أي مؤشرات حول التجاوب الإسرائيلي مع الورقة الأميركية، كما لا توجد أي معطيات تجعل التفاؤل الذي حكى عنه برّاك قبل انتقاله إلى إسرائيل، من النوع القابل لأن يُبنى عليه».
الكرة في الملعب الأميركي
إذا كان برّاك في لقاءاته مع كبار المسؤولين قد أشعرهم بتطوّر في خطابه عندما تحدّث بصراحة عن أنّ الخطوة اللبنانية بإقرار الورقة الأميركية ينبغي أن تقابلها خطوة من قِبل إسرائيل، بما أوحى وكأنّه يرمي الكرة في الملعب الإسرائيلي، إلّا أنّ هذا التطوّر في الخطاب، كما يقول مصدر معني بالمحادثات مع برّاك لـ«الجمهورية»، يحتمل «أن يكون من النوع التخديري لمعارضي الورقة الأميركية والإيحاء بجدّية التنفيذ، كما يحتمل أن يكون غير واقعي، لسبب بسيط هو أنّ الورقة المطروحة أميركية، والأكيد الأكيد أنّ برّاك لم يطرحها بمعزل عن الإسرائيليِّين ومن دون معرفتهم بمندرجاتها، وبالتالي في يَد أميركا لَو شاءت، أن تفرض هذه الورقة – أو بالأحرى ورقتها – وتجعلها نافذة وتُلزم إسرائيل بها أو بشروط أخرى إضافية تبدّد هواجس ومخاوف كلّ الأطراف، ما يعني في الخلاصة أنّ كرة ما يعتبره برّاك الحل، هي في الملعب الأميركي وليست في أيّ ملعب آخر».
على أنّ اللافت للانتباه في موازاة ذلك، ما تكشفه مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» حول إشارات ترد إلى بعض المستويات السياسية والرسمية، تعكس دفعاً قوياً لدى إدارة الرئيس ترامب «لتبريد الجبهات وتلافي التوترات»، خصوصاً على جبهة لبنان.
ويُنقل في هذا السياق عن أحد الديبلوماسيِّين المطّلعين قوله «إنّ الأجواء الأميركية مشجّعة للغاية لورقة برّاك بوصفها فرصة لتبديد احتمالات التصعيد وإعادة ضبط إيقاع الأحداث في اتجاه التهدئة، وإدارة الرئيس ترامب مقدّرة لموقف الدولة اللبنانية وتجاوبها مع مقتضيات الحل المطروح، وأرسلت رسائل بهذا المعنى إلى المسؤولين اللبنانيِّين». وما قاله الموفد برّاك عن «خطوة مقابلة من قِبل إسرائيل» لم يطرحه بمعزل عن إدارته.
وهذا المنحى الأميركي، وفق ما يقول الديبلوماسي عينه، «يُعبّر عن رغبة باتت سارية في الأوساط الأميركية، في أنّ واشنطن لا تريد حروباً في لبنان أو في أي مكان آخر، والرئيس دونالد ترامب حضر بقوة على خط إنهاء الحرب في أوكرانيا، وفي غزّة الجهد متواصل لوقف الحرب، وفي لبنان تحديداً، تدرك واشنطن أنّ وضع هذا البلد شديد الحساسية، وهي تدعم أمنه واستقراره وسَيره نحو الإنتعاش والإزدهار، ولا ترغب في أن ترى أيّ توترات داخلية تحصل فيه».
*