ما حصل في بلدة بتبيات – المتن الأعلى، ليس مجرد عملية دهم روتينية بل حدث أمني بالغ الخطورة، يحمل في طياته مؤشرات مقلقة على تنامي نشاط مجموعات مسلّحة خارج سلطة الدولة، وتغلغلها في مناطق يفترض أنها آمنة ومستقرة. العملية التي نفذها الجيش اللبناني بمؤازرة من مديرية المخابرات، أدّت إلى توقيف عشرة أشخاص لبنانيين وغير لبنانيين، وضبط كمية من الأسلحة الفردية والذخائر، لكن الأخطر تمثّل في العثور على مستودع أسلحة متطورة في حرش البلدة، يحتوي على قاذفات صواريخ وطائرات مسيرة ومناظير ليلية، وهي تجهيزات لا يملكها إلا من يخطط لعمل أمني منظم يتجاوز الجريمة الفردية ويقترب من مشروع عسكري واضح المعالم.
شهود عيان تحدثوا عن تدريبات مشبوهة كانت تُجرى داخل الأحراش، بينما أظهرت التحقيقات الأولية وجود فارين ما زال الجيش يتعقبهم. هذا الواقع يطرح علامات استفهام حول من أمّن لهذه المجموعة الغطاء أو البيئة التي سمحت لها بالتمركز والتحضير والعمل في منطقة حساسة. من الخطأ التعامل مع هذه القضية كملف محلي محدود، فهي تكشف ثغرات حقيقية في المتابعة والرصد، وتعيد طرح الحاجة الملحة إلى تفعيل دور الأجهزة العسكرية والأمنية في كل المناطق اللبنانية من دون استثناء، وبشكل خاص في المناطق التي يعتقد البعض أنها خارج دائرة الاستهداف أو أنها محمية بطبيعتها.
بالمقابل؛لا يمكن قراءة ما جرى في بتبيات بمعزل عن ما يحصل في محافظة السويداء السورية، حيث يتعرّض أبناء طائفة الموحدين الدروز لاعتداء سافر من قبل مجموعات مسلحة مدعومة من فصائل أمنية وعسكرية تتبع للنظام السوري، تحت غطاء سياسي وأمني واضح. الاعتداءات التي تطال أهل السويداء، لم تكن مجرد اشتباك، بل محاولة منظمة لترهيب منطقة رفضت الخضوع لفصائل مسلحة تمارس ابشع انواع الإرهاب بحق الطوائف والمذاهب في سوريا.
ما كُشف في بتبيات يوجب إعادة تقييم شاملة لواقع الأمن المحلي، وأيضاً لتحصين المناطق من التسلل التنظيمي والمجموعاتي، عبر تمكين الأجهزة الرسمية من أداء مهامها بلا عوائق. من يتساهل اليوم مع حيازة السلاح والتدريب السري، سيفاجَأ غداً بخلايا تستهدف الوحدة الوطنية وتسعى لتمزيق ما تبقى من مؤسسات الدولة. والتجارب في سوريا والمنطقة تثبت أن أي تهاون مع هذه الظواهر، يفتح الباب واسعاً أمام التفكك والتقسيم.
المطلوب اليوم وعي عميق، والتفاف وطني حول دور الجيش والقوى الأمنية، واستثمار الغضب الشعبي في حماية الدولة لا بديلاً عنها. ففي السويداء كما في المتن الأعلى وكل لبنان، الرسالة واحدة، والخطر واحد، والمواجهة يجب أن تكون بمستوى التحدي.
**