بعد اندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، يبرز سؤال محوري حول ما إذا كان حزب الله سيبقى على الحياد، أم سيكون طرفًا مباشرًا في الصراع. الواقع أن العلاقة بين حزب الله وإيران تتجاوز التحالف السياسي، فهي علاقة عضوية عقائدية واستراتيجية، حيث يعتبر الحزب نفسه جزءًا لا يتجزأ من “محور المقاومة” الذي تقوده طهران، ويعلن ولاءه العلني للقيادة الإيرانية، وهو ما يجعل احتمال وقوفه على الحياد في حال تعرضت إيران لهجوم واسع احتمالًا ضعيفًا.
وقد عبّر الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، عن هذا التوجّه بشكل واضح، حين قال في تصريح بالأمس إن “حزب الله ليس محايدًا في الصراع بين إيران وإسرائيل”، مؤكدًا أن الحزب جزء من المحور الذي يواجه إسرائيل والولايات المتحدة، ومشيرًا إلى أن أي عدوان على أحد أطراف هذا المحور قد يستدعي ردًا موحدًا. هذا التصريح يعكس موقفًا مبدئيًا لدى قيادة الحزب بأن الحياد غير مطروح، بل إن الموقف مرهون فقط بتقدير التوقيت وظروف الرد.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال الحسابات اللبنانية الداخلية. فلبنان اليوم يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، وانقسام سياسي عميق، وانهيار مؤسساتي شبه شامل. هذه العوامل تشكل ضغطًا كبيرًا على حزب الله للتفكير مليًا قبل الزج بالبلاد في حرب جديدة، خاصة أن المجتمع اللبناني منقسم في موقفه من الحزب وسياسته الإقليمية. لكن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن حزب الله يعطي الأولوية لما يراه تهديدًا استراتيجيًا على مستوى الإقليم، وأن الحسابات اللبنانية قد تتراجع عندما تفرض المعادلة الإقليمية نفسها بقوة.
الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله يلعب دورًا مهمًا في هذه المعادلة. إسرائيل تدرك أن استمرار عدوانها على ايران قد يؤدي إلى فتح جبهة الجنوب اللبناني، خاصة أن حزب الله مازال يملك القدرة العسكرية واللوجستية على تنفيذ عمليات واسعة النطاق، قد تغير قواعد الاشتباك في أكثر من ساحة.
ولا يمكن تجاهل أن لبنان نفسه، وبصرف النظر عن الصراع الإيراني الإسرائيلي، لا يزال عرضة للتهديدات الإسرائيلية المستمرة. فإسرائيل تحتل أراضٍ لبنانية مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتنفذ اعتداءات دورية على الأراضي اللبنانية، سواء عبر الطيران أو القصف المدفعي. هذه الهجمات المتكررة تعزز في خطاب حزب الله مشروعية “الرد والدفاع”، وتوفر له قاعدة جماهيرية في بيئته تؤيد فكرة الرد على أي عدوان. من هذا المنطلق، فإن الحرب إذا اندلعت قد يُنظر إليها أيضًا كفرصة لتصفية حسابات مؤجلة بين الحزب وإسرائيل على الأرض اللبنانية.
تجربة حزب الله في التعامل مع الأزمات الإقليمية تشير إلى أنه قد يتبع نمطًا تصاعديًا في الرد، يبدأ برسائل سياسية أو ميدانية محدودة عبر حلفائه أو جبهات أخرى، قبل أن يتحول إلى تدخل مباشر واسع إذا تطورت الحرب وبلغت مرحلة تهديد وجودي لإيران أو للحزب نفسه. في المحصلة، من غير المرجح أن يبقى حزب الله على الحياد في حال اندلاع صراع مفتوح بين إيران وإسرائيل، لكنه قد يختار التوقيت والطريقة التي يشارك فيها، بما يخدم استراتيجيته الأوسع في الإقليم.