تدخل المنطقة العربية مرحلة جديدة من التوترات غير المسبوقة، بعد المواجهة العسكرية الكبرى بين إسرائيل وإيران، التي تعيد رسم ملامح النظام الإقليمي لعقود قادمة. ما يحدث اليوم ليس مجرد تصعيد عابر أو خلاف تقليدي على الملفات النووية أو الصاروخية، بل هو انعطاف حاد نحو حرب وجودية هدفها المعلن إسقاط النظام الإيراني، وليس فقط كبح طموحاته العسكرية.
الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، أبدت انصياعاً واضحاً لرغبة إسرائيل في إسقاط النظام الإيراني بشكل قرار قيد التنفيذ، ومن المتوقع أن تُتخذ خطوات حاسمة نحو هذا الخيار ، رغم ما يُروج له من محاولات تدخل روسي أو صيني للتهدئة. غير أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان أي وساطة قد تعيد إيران إلى وضع ما قبل العدوان، ما يشير إلى أن الأفق الدبلوماسي بات مسدوداً.
هذه الحرب، وفق المعطيات الحالية، ليست تقليدية في أهدافها أو أدواتها، بل وجودية من حيث التأثيرات والنتائج. وإذا كانت إسرائيل تفضل حسمها بسرعة، إلا أن حسابات الميدان قد تفرض مسارات أطول وأكثر تعقيداً. وما يزيد من خطورة المشهد هو أن جميع الوسائل باتت مطروحة على الطاولة، بما فيها استخدام الأسلحة غير التقليدية إذا اقتضى الأمر، في ظل تصعيد غير مسبوق وشعور بأن الوقت قد حان لتصفية الحسابات الكبرى.
ورغم كل الضربات التي طالتها، لا تزال حركات المقاومة في العراق واليمن ولبنان تحتفظ بقدرة كبيرة على التأثير، وقد تتدخل في الوقت المناسب لتعديل كفة المعركة أو فتح جبهات مفاجئة، وهو ما يُبقي احتمال توسع الحرب قائماً في أي لحظة. هذه المقاومة التي تصفها أميركا وإسرائيل بأنها أدوات طهران، قد تُعيد ترتيب أولويات الصراع في حال دخولها المنسق أو المفاجئ.
في حال انتصار إسرائيل في هذه المعركة، فإن الشرق الأوسط سيشهد تحولات تتجاوز الجغرافيا والسياسة، نحو فرض منظومة قيمية واجتماعية جديدة. الانتصار الإسرائيلي قد يُمهّد لعصر جديد من الهيمنة الأيديولوجية التي تسعى إلى تفكيك البنى الاجتماعية التقليدية، بما في ذلك مفاهيم الأسرة والدين والقيم، تحت شعارات تتعلق بالحريات والمثلية والحداثة، في مشروع أكبر يستهدف تآكل الهويات الثقافية وخلق نماذج اجتماعية هشة يسهل التحكم فيها.
وفي قلب هذه التحولات، تبرز المخاوف على دول مثل باكستان وتركيا ومصر، ليس فقط باعتبارها دول مركزية في المعادلة الإقليمية، بل لأنها قد تواجه في المستقبل القريب ضغوطاً وجودية يصعب مواجهتها إذا ما اختلت موازين القوى بشكل حاد. فاستفراد إسرائيل بقيادة الإقليم دون توازنات مقابلة، يعني تحييد أي قوة عربية او إسلامية قادرة على التأثير، ما يضع هذه الدول الثلاث في دائرة الخطر الاستراتيجي.
نحن أمام لحظة مصيرية تُنذر بتغييرات كبرى في البنية السياسية والاجتماعية للمنطقة. ومع غياب مشروع عربي جامع وتراجع بعض المحاور التقليدية، تبدو الساحة مهيأة لفرض وقائع جديدة بقوة السلاح، لا بالحوار. لذلك، فإن التحرك العربي السريع والواعي لم يعد خياراً، بل ضرورة وجودية، قبل أن يُفرض على الشعوب واقع يصعب تغييره لاحقاً.