كشف تقرير دولي جديد أن لبنان لا يزال بعيدًا بشكل كبير عن تحقيق التزامه بخفض عمليات قتل الطيور غير القانونية (IKB) بحلول عام 2030، رغم الوعود السابقة والخطوات المحدودة التي اتُخذت في مجال الحفاظ على البيئة. ويحمل التقرير عنوان ،“القتل 3.0: التقدم في القضاء على قتل الطيور غير القانوني في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا”،
وهو صادر عن منظمتي BirdLife International وEuroNatur، ويُسلّط الضوء على أن لبنان من بين الدول التي تسجّل مستويات مرتفعة ومستمرّة من قتل الطيور بشكل غير قانوني.
رغم الوعود والالتزامات الرسمية بحماية الطيور المهاجرة، تكشف دراسة جديدة أن معظم الدول لا تزال بعيدة بشكل مقلق عن تحقيق تعهداتها.
الدراسة الصادرة عن “بيردلايف إنترناشونال” (BirdLife International) ومؤسسة “يوروناتور” (EuroNatur)، تحت عنوان: “الصيد غير القانوني 3.0: التقدم المحرز نحو القضاء على الصيد غير القانوني للطيور في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا”، تكشف عن واقع مقلق، حيث إن الغالبية العظمى من الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط في أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط لم تنجح حتى الآن في الالتزام بتعهدها بخفض معدلات الصيد والاتجار غير القانونيين بالطيور إلى النصف بحلول عام 2030.
لقد انخفضت أعداد الطيور خلال العقود الأخيرة بشكل حاد ومقلق، بسبب الاستغلال المفرط لها والصيد غير القانوني، الذي يُعد ثاني أهم أسباب انقراض الطيور على مستوى العالم، ولا يسبقه في التأثير سوى فقدان الموائل الطبيعية[1]. حيث يتم صيد أو تسميم ملايين الطيور بشكل غير قانوني في أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط كل عام، مما يعرقل بشكل خطير جهود حماية الطيور على طول مسارات الهجرة[2] .
وإدراكًا لحجم هذه الأزمة، تعهّدت الحكومات باتخاذ إجراءات منسّقة في إطار اتفاقية بيرن وخطة روما الاستراجية -(2020 – 2023)التابعة لاتفاقية الأنواع المهاجرة (CMS) ، ومع تبقّي خمس سنوات فقط لتحقيق هدف خطة روما والمتمثّل في خفض الصيد غيرالقانوني للطيور إلى النصف بحلول عام 2030، لم يسجل أي تقدم محرز، حيث أن تنفيذ هذا الهدف لا يزال يشهد تأخّرًا مقلقًا، مما يسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات عاجلة؛ إذ إن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى خسائر كارثية في أعداد الطيور، وقد ينقرض بعض الأنواع إلى الأبد.
· الحمام القمري الأوروبي: (Streptopelia turtur)مُدرج حاليًا ضمن فئة الطيور المعرضة للإنقراض في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، حيث يتم إطلاق النار بشكل غير قانوني على عشرات الآلاف منه كل ربيع في جزر البحر الأيوني غرب اليونان.
· طائر الرخمة (Neophron percnopterus): مُصنَّف ضمن فئة “مهدد بالانقراض”، وتواجه جماعاته المتكاثرة في منطقة البلقان تهديدًا شديدًا بسبب التسمم، غالبًا نتيجة الاستخدام غير القانوني للطُعوم المسمومة التي تستهدف أنواعًا أخرى من الأحياء البرية.
· الحسون المذهب الأوروبي (Carduelis carduelis): على الرغم من أن هذا الطائر المغرد الذي كان شائعًا في السابق لا يزال مدرجاً ضمن فئة الطيور الأقل تهديدًا، فإن أعدادة تشهد تراجعًا في العديد من المناطق ويتم إصطيادة على نطاق واسع في شمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط لأغراض التجارة وبيعة في أقفاص الزينة.
قيَّم تقرير “الصيد غير القانوني 3.0” ستًا وأربعين دولة، مع دراسة معمقة لـ 22 دولة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي ينتشر فيها الصيد غير القانوني على نطاق واسع. وقد كانت النتائج صادمة، حيث تبيَّن أن 38 دولة لا تسير على الطريق الصحيح للوفاء بالتزاماتها لعام 2030، ويبدو أن الربح هو الدافع الأكبر وراء الصيد غير القانوني. وفي العديد من الدول الأكثر تضررًا، والمسؤولة عن نحو 90% من عمليات الصيد غير القانوني، لم يُحرَز أي تقدم يُذكر — بل ازداد الوضع سوءًا في بعض الدول.[3]
مع تقديرات تشير إلى مقتل نحو 2.6 مليون طائر بشكل غير قانوني سنويًا، يُصنّف لبنان ضمن الفئة الأعلى من حيث خطورة قتل الطيور غير القانوني (الفئة الأولى – Class I). ولم تُسجّل أي تحسّن ملموس في الوضع منذ عام 2015، سواء على المدى الطويل أو القصير.
ورغم أن لبنان اتخذ خطوات أولية في هذا المجال، من خلال تأسيس لجنة وطنية عام 2017 واعتماد خطة عمل لمدة خمس سنوات بقيادة جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، إلا أن هذه اللجنة لم تعد نشطة، ولم تُقدَّم أي بيانات رسمية محدثة منذ عام 2018. ويُشير التقرير إلى أن الأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان ونقص الوقود قد ساهما في زيادة الاعتماد على وسائل صيد غير قانونية ورخيصة مثل الشباك الضبابية والفخاخ اللاصقة، إلى جانب الحدّ من قدرة فرق المراقبة على التنقل وممارسة دورها بفعالية.
ومع ذلك، لا تزال هناك بوادر تقدّم. فقد امتنع وزير البيئة عن فتح موسم الصيد لثلاث سنوات متتالية، في خطوة تعبّر عن توجه واضح نحو حماية الحياة البرية. وتواصل جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) لعب دور محوري في حملات التوعية والانخراط المجتمعي، مع التأكيد على أهمية الصيد الأخلاقي وتقديم بدائل عن فخاخ الطيور.
ومن بين التوصيات المقترحة للبنان:
تدريب الجهات الأمنية على التعرّف إلى أنواع الطيور والتعامل مع قضايا الجرائم البيئية؛
إعادة تفعيل التعاون بين الوزارات المعنية، مثل البيئة والداخلية والجمارك، لضمان تنفيذ مشترك وفعّال؛
دعم مصادر الدخل والهوايات البديلة في المناطق الريفية؛
تعزيز التوعية البيئية والتعليم العام حول أهمية حماية الطيور والتنوع البيولوجي.
يقول الدكتور باريند فان جيمردين، المنسق الدولي لبرنامج مسارات الطيور المهاجرة في بيردلايف إنترناشونال:
“إن الصيد غير القانوني للطيور ليس مجرد جريمة، بل هو مأساة لا تزال تهدد الطيور عبر مسارات الهجرة بأكملها. فارتفاع معدلات الصيد غير القانوني في بلدٍ ما قد يقضي على نجاحات الحفاظ على الطيور في بلدٍ آخر. نحن بحاجة ماسّة إلى إجراءات قوية عابرة للحدود على طول مسار هجرة الطيور“.
وأضاف: “إن تحقيق هدف عام 2030 يمثل تحديًا صعبًا، لكنه ليس مستحيلًا ومع ذلك، هناك ما يدعو إلى الأمل؛ فدول مثل إسبانيا والقواعد ذات السيادة في قبرص تُظهر أن التقدم الحقيقي ممكن بالإرادة السياسية القوية، والتخطيط المنسق، وتوفير الموارد المناسبة”.[4]
تقول الدكتورة جوستين فانسينجيل، مديرة المشاريع في يوروناتور: “لا يزال عدد الطيور التي يتم اصطيادها وقتلها سنويًا بشكل غير قانوني مرتفعًا على نحو غير مقبول. كما أن العديد من الطيور المهاجرة يتم صيدها أو قتلها قبل أن تصل إلى مناطق تكاثرها. لقد تم تطوير العديد من الأدوات والإرشادات لدعم المؤسسات الوطنية، والآن حان الوقت لاستخدامها بجدية وحزم لوقف المزيد من الدمار.”
خلال النصف الأول من عمر خطة روما الاستراتيجية، التي تمتد لعشر سنوات، وفي الوقت الذي تجتمع فيه الحكومات هذا الأسبوع (من 13 إلى 15 أيار/مايو) في بون، ألمانيا، لمراجعة التزاماتها من خلال الاجتماع المشترك لشبكة نقاط الاتصال الخاصة باتفاقية برن، وفريق العمل الحكومي الدولي المعني بالقضاء على الصيد غير القانوني للطيور المهاجرة والاتجار بها في منطقة البحر الأبيض المتوسط (MIKT6)، توجّه دراسة “الصيد غير القانوني 3.0” رسالة واضحة مفادها: لقد انتهى زمن الوعود، وبدون تحرّك عاجل، ستدفع ملايين الطيور الأخرى الثمن.
**