يحدِق خطر فشل الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد، نواف سلام، في مهمّته ووصوله إلى نقطة الاعتذار عن التأليف، لتُعاد حينذاك الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد، أو تقديم تشكيلة تواجه خطراً حقيقياً في قدرتها على نَيل الثقة في المجلس النيابي وحتى الدعم الخارجي، لدفع قطارها إلى العمل.
تُشدّد مصادر المعارضة لـ«الجمهورية»، على أنّها ليست في وارد «وضع عراقيل لانطلاقة عهد الرئيس المنتخب جوزاف عون، لأنّها عملت أساساً على ضمان نجاح تكليف الرئيس نواف سلام على مبدأ أنّه سيُشكّل حكومةً إصلاحية تغييرية لا تشبه حكومات الوحدة الوطنية أو الممانعة السابقة، لكنّ لا يبدو أنّه سيلتزم ببرنامجه حتى قبل نَيل الثقة. وهنا واجب ضمان اعتذاره عن التشكيل أو حجب الثقة عنه في أسرع وقت، لتكليف رئيس حكومة جديد من المعارضة، يكون قادراً على ضمان نجاح انطلاقة العهد».
فيتوات المعارضة
وكشفت مصادر معارضة بارزة، أنّ مسار التأليف «تعرّض لضربة قاسية، لا يزال في الإمكان معالجتها. فالقطار لم يفت أمام الرئيس سلام لسحب وزارة المال من نائب حركة «أمل» السابق ياسين جابر، وعدم توزير أفراد من «حزب الله» حمايةً للعهد من الضغوط الخارجية، بالإضافة إلى إبقاء الحقائب ضمن مَن هو موالٍ للعهد الذي يفترض انّه معاكس لما سبقه، وإلّا ما الذي سيضمَن عودة الخارج ليدعمنا؟».
وهنا يشدّد أكثر من مصدر في المعارضة، على أنّ إعطاء الثقة للحكومة سيكون بالدرجة الأولى مشروطاً بسحب وزارة المال نهائياً من «الثنائي الشيعي». وتضيف هذه المصادر أنّ «كُثُراً مَن هم من الطائفة الشيعية ومستقلّون أو معارضون تماماً لـ»الثنائي» ومن أهل الاختصاص ويتعاطون الشأن العام، فلتُطرَح أسماؤهم لتولّي حقيبة المال وسنكون من الداعمين».
وترى أطراف المعارضة أنّ سلام «انقلب على معاييره. فكيف له أن يُوَزِّر حزبياً في وزارة سيادية، ويحرم بقية الكتل من هذا الحَق. فهو أمر غير مقبول إطلاقاً، لأنّ أي توزيع للوزارات السيادية يجب أن يكون بعيداً من المحاصصة الطائفية أو الحزبية».
أمّا في ما يتعلّق بـ»حزب الله»، فقد أكّدت المصادر أنّ المعارضة تعتبر استبعاده كلياً من التشكيلة الحكومية شرطاً أساسياً، للتوافق مع الموقف الدولي، وخصوصاً الأميركي، وتفادي تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية. وأضافت أنّه «بينما كان التوجّه لتحضير أرضية كاملة لنَيل الثقة، أصبحنا أمام واقع يفرض علينا تأمين أرضية لحجب الثقة حمايةً لوجه العهد الجديد. لكن من الأفضل أن يعتذر الرئيس سلام على أن يفشل في نَيل الثقة، لأنّ المعارضة جاهزة لإيصال رئيس حكومة آخر لضمان نجاح انطلاقة العهد».
وتؤكّد المصادر أنّ هناك 30 نائباً جاهزون لحجب الثقة، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 35 خلال الـ24 ساعة المقبلة، فيما تسعى المعارضة إلى تأمين غالبية نيابية (65 صوتاً) لمنع إمرار أي حكومة لا تتماشى مع رؤيتها ومستفيدةً من فشل الرئيس المكلّف بإرضاء أكثر من كتلة، أبرزها كتلة «التيار الوطني الحر».
في ظل هذه الأجواء، بات الرئيس المكلّف أمام تحدٍّ كبير، إذ إنّ المعارضة ترى أنّه انقلب على التفاهمات الأولية التي أوصلته إلى التكليف، حيث كان يُفترض أن يشكّل حكومة تلبّي تطلعات المعارضة والقوى المستقلة، وليس حكومة «شراكة سياسية تقليدية».
ارتياب وغضب
وتؤكّد المصادر أنّ المعارضة باتت تشعر بتوجّس تجاه سلام، خصوصاً بعد تسريبات تفيد أنّه قد يتّجه إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة مختلف القوى، بما فيها «الثنائي الشيعي».
هذا التوجّه، إن صحّ، سيضع الرئيس المكلّف في مواجهة مع داعميه الأساسيِّين، وسيؤدّي إلى تصعيد سياسي قد يُعرقل ولادة الحكومة لأشهر، ما يفاقم الأزمة القائمة ويزيد من تعقيد المشهد السياسي. علماً أنّ الرجل لم يمضِ في مهمّة التشكيل شهراً حتى، وهي فترة غير طويلة مقارنةً برؤساء الحكومة الذين سبقوه.
تزامناً، تواجه أحزاب المعارضة والمجموعات التغييرية المنضوية فيها وغير المنضوية، حالة غضب في قواعدها الشعبية التي «كانت في حال صدمة ثم باتت مرتابة ممّا يتسرّب عن توجّهات سلام في الملف الحكومي»، حتى أنّ بعض النواب التغييريّين باتوا أمام واقع معارضة قواعدهم لمحاولة التبرير بأنّها «الواقعية السياسية».