الوضع اللبناني، مرتبط بمسارين لم تتضح وجهتهما النهائية حتى الآن؛ على المسار الأول معلّق مصير الإستقرار السياسي، وما إذا كانت الأيام المقبلة ستشهد خطوات جدّية في اتجاه إعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية يليه إطلاق ورشة حكومية إنقاذية اصلاحية، تضع مؤسسات الدولة برمتها وإداراتها المشلولة على سكة النهوض من جديد. وعلى المسار الثاني معلّق مصير الإستقرار الأمني، وما إذا كان اتفاق وقف اطلاق النار سيخرج من دائرة التفلّت الإسرائيلي منه ويدخل مرحلة السّريان الحقيقي على نحو يُلزم إسرائيل بوقف خروقاتها المتمادية والمتعمّدة لهذا الاتفاق، وسحب جيشها من الأراضي الجنوبية التي توغل اليها، بما يفسح المجال لإكمال الجيش اللبناني انتشاره في منطقة عمل القرار 1701 بالتعاون والتنسيق مع قوات «اليونيفيل».
أسبوعان للرئاسة
رئاسياً، صارت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المحدّدة في التاسع من شهر كانون الثاني المقبل على بعد أسبوعين، وعلى الرغم من ضيق المسافة الزمنية الفاصلة عن تلك الجلسة، لم يبرز حتى الآن أيّ مؤشر حول الوجهة التي ستسلكها الجلسة الانتخابية أكان في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، أو في اتجاه الفشل في تحقيق هذا الهدف المنتظر منذ ما يزيد عن سنتين من الشغور في الموقع الرئاسي الأول. كما لم يبرز أيّ مؤشر يوحي بأنّ بناء توافق على عقد الجلسة وانتخاب الرئيس، ممكن في حقل سياسي ما زال مزروعاً بالألغام والإشتراطات.
فترة ميّتة
ووفق ما استخلصته «الجمهورية» من عاملين على خطّ الإتصالات الرئاسيّة، فإنّ الأمور ما زالت في المربّع الأول. وفترة الأربعين يوماً التي منحها رئيس مجلس النواب نبيه بري التي انطلقت مع مبادرته اواخر تشرين الثاني الماضي إلى تحديد جلسة الانتخاب، قد تآكلت، ويبقى التعويل على الاسبوعين المقبلين، المقسمّين بدورهما بين اسبوع يبدأ من اليوم وحتى نهاية كانون الاول، ويُعتبر فترة ميّتة لدخول البلد في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، وبين أسبوع يبدأ من أوّل السنة الجديدة، الذي يُعدّ أسبوع حكّ الر كاب والحسم. على ما يقول مسؤول كبير لـ»الجمهورية». ويضيف أنّه لا يستبعد أن يكون الاسبوع السابق لجلسة الانتخاب مفتوحاً على احتمالات ومفاجآت».
نقاشات
وإذا كان الرئيس بري ثابتاً على تأكيده بأنّ الجلسة الانتخابية ستُعقد في موعدها في 9 كانون الثاني ولا نية لديه لتأجيلها، وأنّ انتخاب رئيس للجمهورية يشكّل أولوية اساسية، ويحدوه أمل كبير في أن تكون جلسة 9 كانون2 مثمرة بانتخاب الرئيس، فإنّ المشهد الرئاسي الداخلي مزدحم بنقاشات، سواء حول نصاب الجلسة انعقاداً وانتخاباً، او حول شخصية ومواصفات رئيس الجمهورية العتيد.
وإزاء ذلك، تؤكّد مصادر سياسية موثوقة لـ»الجمهورية» أنّ نصاب الجلسة مؤمّن نظرياً، واما على ارض الواقع، فلا يمكن الجزم بذلك، برغم إيحاء أكثرية التوجّهات النيابية والسياسية بأنّها ستشارك في الجلسة. فهذا الأمر، أي الحضور والمشاركة في الجلسة والالتزام بالحفاظ على النصاب، يتأكّد فقط في جلسة 9 كانون الثاني عداً ونقداً. أما في ما خصّ شخص الرئيس فإنّ المفاضلة بين الأسماء المدرجة في نادي المرشّحين للرئاسة الأولى لم تبدأ بصورة جدّية بعد، وإنْ كان من بين هذه الأسماء من تتوفّر فيهم المواصفات الجاذبة للتوافق عليها».
فرص صعبة
وإذا كان الحسم الانتخابي منتظراً في الاسبوع السابق لجلسة الانتخاب، فإنّه لا يحدّد فقط مصير الجلسة والانتخاب، بل مصير الملف الرئاسي برمته، فجلسة 9 كانون الثاني تشكّل فرصة ثمينة لإتمام هذا الاستحقاق توافقياً، وهو ما يؤكّد عليه رئيس المجلس ويدعو إلى الاستفادة من هذه الفرصة. الّا أنّ مرور الجلسة من دون انتخاب رئيس الجمهورية، على ما يقول مرجع مسؤول لـ»الجمهورية» يعني الإمعان المتعمّد في العبث السياسي، واللعب بمصير الرئاسة الأولى وترحيل هذا الملف إلى أجل قد يكون بعيداً جداً، حتى لا نقول اكثر من ذلك، وفي هذا الجو تصبح فرص إعادة التقاط الزمام الرئاسي صعبة إنْ لم تكن منعدمة».
لا ثقة
على أنّ ما تشي به النقاشات الجارية حول الملف الرئاسي، يؤكّد انّ العقدة الماثلة في طريق الاستحقاق الرئاسي لا تتجلّى في الاسماء المدرجة في نادي المرشحين، بل في أنّ لكلّ طرف اسماً يتبنّاه ويريده رئيساً. وحول هذا الأمر توجّهت «الجمهورية» بسؤال إلى مسؤول كبير فقال: «انّ الحل الأمثل في هذه الحالة هو أن تنزل الاطراف إلى مجلس النواب مع سلة ترشيحات، وتترك اللعبة الديموقراطية والبرلمانية تأخذ مجراها، وانتخاب من ينال أكثرية الفوز. ولكن المشكلة تكمن في أمرين، الاول، هو أنّ الثقة معدومة بين الأطراف، والثاني هو انعدام منطق التراجع والتنازل، حيث أنّ كل طرف يريد للمرشح الذي يدعمه أن يفوز، ويعتبر فوز مرشح غير المرشح الذي يدعمه ويتبناه، انتصاراً وغلبة للطرف الآخر».
اسماء وتفسيرات
والجلي في موازاة ذلك، هو أنّ بيكار الترشيحات لم يشهد أي توسّع، بحيث ما زال نادي المرشحين المفترضين، محصوراً بالأسماء المتداولة (رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، الوزير السابق زياد بارود، السفير السابق جورج خوري، سمير عساف، ونعمة افرام المرشح رسمياً.. إلى جانب أسماء اخرى). على أنّ النقاشات في هذه الأسماء محصورة في نطاقات سياسية ضيّقة. فيما العدّ التنازلي لحسم التوافق على واحد منها أو أكثر، على ما يقول المسؤول الكبير عينه، مرجح قبل يومين او ثلاثة ايام من جلسة الانتخاب.
على أنّ صورة المواقف حتى الآن، وكما يعرضها عاملون على خط الاتصالات الرئاسية، تشي بأنّ ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» متمسكان مع نسبة كبيرة من النواب الحلفاء، بدعم ترشيح الوزير فرنجية طالما هو ماضٍ في المعركة الانتخابية. فيما في المقابل لم تحسم القوى المسيحية («القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» تحديداً) خياراتها وترشيحاتها بصورة علنية. والواضح اعتراضهما على فرنجية، والتيار واضح أيضاً في اعتراضه على ترشيح قائد الجيش، وثمة من يقول إنّ «القوات اللبنانية» تلتقي معه بصورة غير مباشرة في هذا الأمر، ويتأكّد ذلك من عدم تفاعل «القوات» ايجاباً مع مبادرة «الحزب التقدمي الاشتراكي» إلى تبني ترشيح قائد الجيش .
وفيما تؤكّد بعض الأوساط السياسية «انّ قائد الجيش يتحلّى بالمواصفات المؤهلة لانتخابه رئيساً للجمهورية، وبالتالي لا موانع قانونية او دستورية او سياسية او غير سياسية تحول دون انتخابه، والظروف الاستثنائية التي يمرّ فيها البلد تشكّل عاملاً إضافياً ومحفّزاً على انتخابه»، أكّدت مصادر رسمية رفيعة المستوى لـ»الجمهورية» أن لا اعتراض على الاطلاق على شخص قائد الجيش، ولكن انتخابه دونه عقبة جوهرية، تتجلّى في أنّ ترشيحه، وبالتالي انتخابه يتطلّب تعديلاً للدستور».
وأوضحت المصادر «أنّ وضع قائد الجيش مقيّد بنص المادة 49 من الدستور التي تضع اشتراطات محدّدة لانتخاب رئيس الجمهورية، وعلى موظفي الفئة الأولى (المدنيين والقضاة والعسكريين)، وفك هذا القيد يتطلّب تعديلاً لهذه المادة الدستورية. وعلى ما هو مؤكّد لا توجد نيّة في الوقت الحالي لتعديل الدستور».
وقالت المصادر عينها، انّه حتى ولو قرّ الرأي على السير بفكرة تعديل الدستور لصالح انتخاب قائد الجيش، فلتعديل الدستور آلية محدّدة غير متاحة في الوضع الحالي، اولاً بوجود حكومة تصريف اعمال، حيث للحكومة (الكاملة الصلاحيات والمواصفات) الدور الأساس في اقتراح تعديل الدستور، سواء جاء هذا الاقتراح بمبادرة منها او بمبادرة من مجلس النواب. وثانياً، انّ التعديل الدستوري يتمّ حصراً في عقود عادية لمجلس النواب، والمجلس اليوم في نهاية عقده العادي الثاني، حيث لم يبق منه سوى 7 ايام، ولا يحوم في أجواء هذه الايام اي توجّه لتعديل الدستور، ثم يصبح التعديل مستحيلاً اعتباراً من اول كانون الثاني، حيث يصبح المجلس خارج دور الانعقاد العادي. وثالثاً، وهنا الأهم، فإنّ تعديل الدستور يتطلب تصويت ثلثي اعضاء مجلس النواب مع التعديل الدستوري، لكن هذا الثلثين ليس متوفراً في المجلس».