كلما اقترب موعد جلسة الانتخاب الرئاسي المقرّرة في 9 كانون الثاني المقبل كلما تفاعلت المواقف الداخلية والخارجية حول هذا الاستحقاق الدستوري، ولكنها لا تزال « جعجعة بلا طحين»، لأنّ المؤشرات تدلّ إلى الآن أنّ الرئيس التوافقي المطلوب لم يتحدّد بعد. في الوقت الذي يعيش الجميع هاجس مرور الجلسة بلا نتيجة بسبب ارتفاع منسوب المخاوف من حصول تطورات إقليمية مردها استمرار القضم الإسرائيلي لأراضٍ سورية والتلويح بتوجيه ضربات عسكرية لليمن وإيران والعراق، وفي ظل الوضع السوري الجديد والمفتوح على كل الاحتمالات بعد سقوط النظام.
وعبّرت مصادر ديبلوماسية عن مخاوفها من تطورات وصفتها بـ«الملتهبة»، قد تكون على وشك الوقوع في الشرق الأوسط، ومهّدت لها حكومة بنيامين نتنياهو بتسريبات إعلامية عن استعداد سلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ «مهمّة كبرى». وأوحت عبر «الجمهورية» بأنّ المستهدف هو طهران ومنشآتها النووية ومخازن صواريخها بهدف إضعاف النظام ونفوذه الإقليمي.
وتخشى المصادر من أن يكون ردّ إيران شاملاً على هذا الاستهداف، ما قد يؤدي إلى اهتزاز الهدوء الهش الذي يعيشه لبنان منذ بدء سريان الاتفاق على وقف النار، في ظل حال من الاضطراب والفوضى في الشرق الأوسط عموماً. ولذلك، تشير المصادر إلى أنّ عامل الوقت ثمين جداً بالنسبة إلى لبنان، ومن الضروري استثمار الفرصة القصيرة السانحة لتحقيق انفراجين: الأول ميداني، وهو تأمين ثبات وقف النار وعودة الأهالي إلى قراهم وبدء التفاهم على طريقة إعادة بناء ما دمّرته الحرب. والثاني سياسي، وهو انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة ببرنامج إنقاذي حقيقي.
الاستحقاق الرئاسي
وبالنسبة إلى الملف الرئاسي، أكّدت اوساط مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الرئيس نبيه بري مطمئن إلى انّ جلسة 9 كانون الثاني ستفضي إلى ولادة رئيس الجمهورية. لكنها توقعت ان يستمر مخاض التجاذب حول الاسم المقبول حتى عشية التاريخ المحدّد، فيما أبدت اوساط أخرى على صلة بهذا الملف، خشيتها من أن تلجأ المعارضة إلى تعطيل الجلسة إذا شعرت بأنّ رياحها ستجري بخلاف ما تشتهيه سفنها الرئاسية.
وفي السياق، كشفت مصادر المعارضة لـ«الجمهورية» أنّ «التعويل على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في جلسة 9 كانون الثاني المقبل لا يزال غير دقيق أو ربما سابق لأوانه». وردّت المصادر أسباب تأخّر التوافق على الرئيس العتيد إلى أنّ «الأسماء ما زالت تُطرح وأحياناً تزداد، وهنا تختلف الفوارق في المواصفات بين مرشح وآخر، واصطفاف وآخر، وحتى رأي وآخر بين مختلف أطراف المعارضة ومختلف الكتل النيابية الأخرى في المجلس».
وأكّدت المصادر «أنّ الجلسة ستنعقد ولا شك في ذلك، لكنّنا لم نصل بعد إلى خيوط دقيقة أو صورة واضحة لمعالم الرئيس التوافقي أو الرئاسي التنافسي. فالتوافق بات معقولًا اليوم أكثر ممّا سبق، لكنّ الشروط والعراقيل وأحياناً الأسماء باصطفافاتها لا تزال تضع العصي في الدواليب، لكن لا موانع أو استحالة لإزالتها قبل 9 كانون الثاني أو ربما في جلسة تالية غير بعيدة زمنياً عنها».
ميقاتي إلى أنقرة
وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر ديبلوماسية ووزارية انّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحمل معه إلى انقرة اليوم جدول أعمال حافلاً بالملفات المطروحة للبحث فيه مع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان ورئيس الحكومة التركية، وهي ملفات تتعلق بالتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وكذلك الوضع في جنوب لبنان وما انتهت اليه التحضيرات الجارية لتطبيق الاتفاق الخاص بوقف النار وسحب المقاتلين من جنوب الليطاني وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للقرى الجنوبية ونشر الجيش اللبناني وتعزيز وجوده على طول الحدود مع فلسطين المحتلة بالتعاون والتنسيق مع قوات «اليونيفيل».
وبين ما يحمله ميقاتي من ملفات إلى أنقرة، قضايا متصلة بالوضع في سوريا وما يمكن ان يساعد فيه الرئيس التركي لجهة مستقبل العلاقة بين لبنان والسلطة الجديدة في سوريا. وكذلك ملف الكشف عن مصير بعض المفقودين اللبنانيين ابان الحرب فيها.
وكرّر ميقاتي لفت نظر لجنة المراقبة والسفراء الذين يجتمع معهم إلى «وجوب وقف الخروقات الاسرائيلية غير المقبولة، لأنّ الإجراءات المتخذة هدفها تأمين استقرار طويل الأمد في جنوب لبنان» . وقال خلال جلسة مجلس الوزراء: «غداً (اليوم) سيُعقد اجتماع للجنة المراقبة في الناقورة للنظر في كل هذه المواضيع ووضع حدّ للخروقات. ونؤكّد دائماً وجوب التطبيق الكامل لمضامين القرار 1701 برعاية لجنة المراقبة والدول التي ضمنت تنفيذ هذه الإجراءات استناداً إلى التطبيق الكامل للقرار 1701 بكل بنوده». واضاف: «في اجتماعي مع قداسة البابا تمنّى التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن، والحفاظ على دور لبنان ورسالته الجامعة». وقال: «نحن نقدّر تحديد رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري التاسع من الشهر المقبل موعداً لإنتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الامر نشدّد عليه في كل جلسة لمجلس الوزراء، آملين ان يتمّ اكتمال عقد المؤسسات الدستورية والبدء بعملية إنقاذ جماعية لكل الأوضاع التي طالما يعاني منها البلد».
وتطرّق ميقاتي إلى «التطورات السياسية في سوريا» وقال: «نتمنى للشعب السوري كل التوفيق والخير بما يتوافق مع خيارات الشعب ويضمن حسن العلاقة مع لبنان. وما نطلبه هو الاحترام المتبادل بين الدولتين واحترام حسن الجوار».
جنبلاط إلى دمشق
وفي غضون ذلك، يتوجّه الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى دمشق نهاية الاسبوع، في اول زيارة لقيادي لبناني للعاصمة السورية بعد سقوط النظام، وسيرافقه وفد من نواب «اللقاء الديموقراطي» والقيادة الحزبية وعدد كبير من المشايخ الدروز في لبنان وسوريا. وسيلتقي قائد العمليات العسكرية محمد الشرع للتهنئة بسقوط النظام والبحث في مستقبل الاوضاع على الساحتين السورية واللبنانية والمنطقة وكذلك مستقبل العلاقات بين لبنان وسوريا.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ جنبلاط سيطرح على الشرع مبادرة بعناوين عريضة تتصل برؤيته لشكل ومضمون العلاقات الواجب قيامها بين لبنان وسوريا الجديدة.
وكان جنبلاط، قال أمس خلال اجتماع استثنائي للهيئة العامّة للمجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدّروز، في دار الطّائفة في فردان- بيروت: «اليوم انتصر كمال جنبلاط والشّعب السّوري والحرّيّة في لبنان وسوريا، كما انتصر الصّحافي الرّاحل سمير قصير الذي كان على تواصل مع الأحرار في سوريا»، مشيرًا إلى أنّه «لا يمكن إلّا أن نتعاطى بإيجابيّة وانفتاح مع النّظام السّوري الجديد». وأكّد «أنّنا نريد سوريا ديموقراطيّة ومتعدّدة ومتنوّعة، يقرّر أهلها مستقبلها، ونحن نحترم الخصوصيّات السّوريّة وسنساعد من بعيد أو من قريب عند الضّرورة». لافتًا إلى أنّ «المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون تحدّث عن شيء غريب وهو القرار الأممي 2254، كأنّه يقول لنعيد الرّئيس السّوري السّابق بشار الأسد ولنسقط الحكم، وأعتقد أنّ هذه بدعة يريدها بعض الأجانب لأغراضهم الخاصّة، والمشبوهة أحيانًا». وشدّد على «أنّني لست متخوّفًا مثل بعض الصّحافة الأجنبيّة، من حكم أصولي إسلامي في سوريا، ولا أوافق على هذا الأمر. فلنعطِ الشّعب السّوري الّذي خرج بعد 61 عامًا من السّجن الكبير، فرصة للتنفّس».
في جبل الشيخ
وعلى الصعيد السوري، ذكر مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنّه عقد اجتماعاً أمنياً على سفح مرتفعات الجولان المحتلة التي ضمتها إسرائيل بعد أن سيطرت على منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية. وأكّد المكتب أنّ «نتنياهو أجرى تقييماً أمنياً في شأن سلسلة جبل الشيخ مع وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد القيادة الشمالية ورئيس جهاز الامن الداخلي «الشاباك».
وأوضح وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنّه زار ونتنياهو «لأول مرّة قمة جبل الشيخ» منذ سيطرة القوات الإسرائيلية عليها عقب الاطاحة بنظام الاسد. واشار الى أنّه «يجب استكمال التحصينات والإجراءات الدفاعية في جبل الشيخ تحسباً للبقاء هناك فترة طويلة».
الموقف الإيراني
وفي جديد الموقف الايراني، أكّد المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي، أنّ «تصوّر أميركا والكيان الصهيوني وبعض حلفائهم في شأن انتهاء المقاومة هو تصوّر خاطئ تمامًا»، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء «فارس» الإيرانية.
ولفت، خلال لقاء مع سيدات إيرانيات في طهران في مناسبة دينية، إلى أنّ «الكيان الصهيوني واهم بأنّه يحاصر «حزب الله» عن طريق سوريا ليقضي عليه، لكن من سيتمّ القضاء عليه فعليًا هي إسرائيل». وأضاف: «روح السيد حسن نصرالله حية وروح (زعيم حركة حماس السابق) يحيى السنوار حية، وشهادتهما لم تخرجهما من الساحة بل أبعدت حضورهما جسديًا فقط، لكن روحيهما باقيتان وفكرهما مستمر وطريقهما سيستمر». وشدّد على أنّ «غزة تتعرّض لاعتداءات يومية وتقدّم الشهداء ومع ذلك فهي صامدة وتقاوم ولبنان يقاوم أيضًا».