سقط نظام الأسد وسقطت معه سلاسل معدنية طوّقت أعناق العدو والحليف في لبنان. سقط نظام البعث العربي السوري ومشتقاته، فاحتار اللبنانيّون كيف يتعاملون مع هذا السقوط! وفي الوقت الذي انشغل هؤلاء بالاحتفال، انشغل البعض الآخر بالتساؤل عن كيفية «تقريش» السقوط المدوّي للنظام السوري ومدى إمكانية الاستفادة منه على جبهات عدة! فبدأت المطالبة بإلغاء الاتفاقيات! فهل يُوفّقون؟ وهل من إمكانية لإلغاء الاتفاقيات المعقودة بين لبنان وسوريا؟
وفقاً للقانون الدولي، هناك مبادئ تحكم العلاقات بين الدول وتحديداً في ما يتعلّق بالاتفاقيات الدولية، فالقانون الدولي يَنصّ على مبدأ استمرارية الدولة، ممّا يعني أنّ التغييرات في الحكومة أو النظام السياسي لا تؤثّر عادةً على الالتزامات الدولية للدولة.
هذا يعني أنّ الاتفاقيات التي أبرمتها سوريا تحت نظام الأسد تظلّ سارية المفعول حتى بعد سقوط النظام، ما لم يتمّ الاتفاق على خلاف ذلك بين الأطراف المعنية.
من جهة أخرى، يمكن للبنان وسوريا، بعد سقوط النظام، أن يتفاوَضا على تعديل أو إلغاء بعض الاتفاقيات إذا كانت هناك رغبة مشتركة في ذلك، وهذا الأمر يتطلّب موافقة كلا الطرفَين، ويمكن أن يتمّ عبر القنوات الديبلوماسية أو من خلال اتفاقيات جديدة تحل محل القديمة.
أمّا في حال وجود نزاع حول الاتفاقيات، فيمكن اللجوء إلى التحكيم الدولي أو المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية، لحل النزاع بناءً على القانون الدولي والمعاهدات ذات الصلة.
فيما يرى حقوقيون أنّ من المهم أن يتمّ التعامل مع هذه المسائل بحذر وبالتنسيق مع المجتمع الدولي، لضمان الاستقرار والشرعية في العلاقات الثنائية.
أمّا بالنسبة إلى إلغاء الاتفاقيات الدولية بين الدولتَين اللبنانية والسورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، فالأمر يعتمد على عوامل عدة قانونية وسياسية.
فهل ستكون للبنان القدرة على إعادة النظر في الاتفاقيات الموقّعة مع سوريا خلال فترة حكمها؟
من الناحية القانونية، تظل الاتفاقيات الدولية سارية بغضّ النظر عن تغييرات الأنظمة، إلّا إذا تمّ إلغاؤها أو تعديلها باتفاق الطرفَين كما ذكرنا أو وفقاً لشروط محدّدة واردة في تلك الاتفاقيات.
أمّا في حال حدوث تغيير جذري في النظام السوري الجديد، فقد يسعى لبنان إلى إعادة تقييم بعض الاتفاقيات الثنائية، ولا سيما منها تلك التي يعتبرها غير متوازنة أو موقّعة تحت ضغوط سياسية. ويمكن للبنان في هذه الحالة الدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة بهدف تعديل أو إلغاء بعض الاتفاقيات، بما يتماشى مع مصالحه الوطنية.
وزير العدل
من جهته، يؤكّد وزير العدل هنري خوري لـ»الجمهورية»، أنّ اتفاقية الحدود بين الدولتَين لا يمكن إلغاؤها أو تعديلها. كما أنّ اتفاقية فضّ الاشتباك التي اتفق عليها لبنان وسوريا عام 1974 تبقى قائمة ولو تغيّر النظام. ولفت إلى أنّ الاتفاقيات لا تُلغى آحادياً، وأنّ الحدود بين الدول معترف بها ومحدّدة بموجب خرائط مبلّغة من الأمم المتحدة، بالتالي أي تعديل لهذه الاتفاقيات يجب أن يتمّ بموافقة الفريقَين وإبلاغ الأمم المتحدة.
أمّا بالنسبة إلى باقي الاتفاقيات المتعلقة مثلاً بالمياه والزراعة وما شابه، فمِن الممكن تعديلها، وقد تكون تلك الاتفاقيات خاضعة أساساً لمدة زمنية محدّدة، ولذلك يمكن تعديلها لكن أيضاً بموافقة الدولتَين.
من جهة أخرى، يلفت وزير العدل إلى أنّه يجب مراعاة أنّ أي خطوة لإلغاء أو تعديل اتفاقيات دولية قد تواجه تحدّيات قانونية وديبلوماسية. لذلك، يُنصح بأن تتمّ هذه العملية عبر القنوات الديبلوماسية وبالتوافق مع القوانين الدولية، لضمان تحقيق النتائج المرجوة من دون التسبب في توترات أو نزاعات جديدة.