تستمر العيون شاخصة إلى سوريا ترقباً لما ستؤول إليها الاوضاع فيها بعد سقوط نظام بشار الاسد، وكيف ستتصرّف قوى المعارضة المسلحة التي تسلّمت السلطة تجاه لبنان، في وقت تقضم إسرائيل أراضي سورية جديدة وتدمّر كل مقومات الدولة السورية العسكرية والمدنية. واللافت انّ السلطة السورية الجديدة لم تستنكر هذا القضم، في وقت باشرت تشكيل حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد إلى مطلع آذار المقبل لتكوين سلطة دستورية تتحدّد معها طبيعة النظام الجديد.
أدخلت سوريا جميع الأطراف السياسية اللبنانية في اختلال كبير بمستوى استيعاب التطورات المتسارعة التى أخلّت بالمعادلات والحسابات ولعبة المصالح، ما دفع مصدر سياسي رفيع إلى تشبيه ما حاصل بـ«مولينكس» أحداث نزل منها الجميع في حالة دوار لم يستفقوا منها بعد. وقال المصدر لـ«الجمهورية»، انّ «من المبكر لأوانه معرفة حقيقة الامور، لكن لبنان يمكن ان يحتسب بأنّه سيشهد أقل الخسائر بعد اتفاق وقف اطلاق النار الذي لن يتأثر بضمانات اميركية ثابتة».
وفي ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي الذي اصبح اكثر من مفصلي بعد هذه التحولات قال المصدر: «سقوط نظام الاسد لم يغيّر في التوازنات الداخلية. فقوة النيران التي شهدناها منذ شهرين حتى الآن بالأحداث الدراماتيكية، لم تنعكس سيطرة جديدة او تغييراً كبيراً في التوازنات، فلا نزال في التموضعات السياسية مكانك راوح»…
وكشف المصدر «انّ كل الاتصالات الحاصلة حتى الآن لم تُظهر بعد أي توافق مبدئي على اسم. وانّ الرئيس نبيه بري يسعى جاهداً للخروج برئيس في جلسة التاسع من كانون الثاني. لكن هذا لا يلغي عامل ألّا يصل رئيس لأنّ المطلوب هو رئيس توافقي. وعملياً الاتصالات لم تنجح، والتوافقي يحتاج إلى حوار، وهناك حجم كبير من التناقض وانعدام الثقة بين الفريق المسيحي، لم يكسر ابداً الاصطفافات، وخصوصاً مع الفريق الشيعي، تمهيداً لدخول الكتل الاخرى وهذا يصعّب الامور لكن هناك متسعاً من الوقت ستتبلور فيه الامور اكثر.
مفعول الصدمة
وإلى ذلك، ومع تراجع مفعول الصدمة الناتجة من سقوط نظام الأسد، عاد الاهتمام اللبناني إلى المعالجات الداخلية التي جمّدها الحدث السوري إلى حدّ معين، ولا سيما منها تنفيذ اتفاق وقف النار مع إسرائيل والمشاورات الرامية إلى إنضاج «طبخة» انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدّد لهذه الغاية.
وإذ بدت أوساط نيابية أكثر تفاؤلاً بالمسار الذي ستسلكه الجلسة النيابية المقرّر عقدها في 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس، فإنّ مصادر سياسية مواكبة للملف الرئاسي عبّرت عن تحفظها في هذا المجال، واعتبرت أنّ المهلة المتبقية أمام الجلسة، والتي باتت أقل من شهر، لن تكون كافية لإنضاج المناخ الملائم لانتخاب رئيس للجمهورية». وقالت لـ«الجمهورية»: «واضح أنّ أولوية القوى الإقليمية والدولية حالياً هي إنجاح اتفاق وقف النار في لبنان، وتوفير الاستقرار في سوريا بعد دخولها الوضع الجديد. فلبنان لا يمكن إلّا أن يتأثر بهذا الوضع، سواء كان الاتجاه إيجابياً أو سلبياً». وأضافت: «إذا سلك هذان الملفان، في لبنان وسوريا، طريقهما إلى الاستقرار والإيجابية، فعندئذ ستكون هناك حظوظ حقيقية لانتخاب رئيس للجمهورية واستكمال بناء المؤسسات الدستورية. وإلا، فستبقى العملية السياسية الداخلية رهينة الانتظار لفترات غير محددة».
وزراء الخارجية العرب
وفي محاولة لتكوين موقف عربي وأوروبي دولي موحّد مما يجري في لبنان وسوريا، اتصل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب هاتفياً بالممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية ونائب رئيسة المفوضية الجديدة كايا كالاس، هنأها فيه على انتخابها، مبدياً استعداده لتطوير التعاون مع الفريق الجديد المنتخب في المفوضية الأوروبية خلال زيارته لبروكسل الاسبوع المقبل.
من جهتها أكّدت كالاس رغبة الاتحاد الأوروبي بمساعدة لبنان، وشجعت السلطات اللبنانية على اتخاذ خطوات لمساعدة أنفسهم لكي يساعدهم الاتحاد الاوروبي، من خلال الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، وإجراء إصلاحات إقتصادية. كما أبدت كالاس رغبتها بمساعدة لبنان في عملية إعادة الإعمار وتعزيز قدرات القوات المسلحة والادارات العامة.
وفي الوقت الذي تبادل بوحبيب وكالاس أهمية مواكبة ما يجري في سوريا، وانعكاسه على المنطقة وأوروبا، نظراً للترابط والتأثير المتبادل بين الشرق الاوسط وأوروبا، تلقّى بوحبيب إتصالاً هاتفياً من وزير خارجية قبرص كوستانتينوس كومبس الذي رحّب بوقف إطلاق النار في لبنان، ودعم بلاده لهذه الخطوة. وقد وضعه بوحبيب في أجواء الخروقات الاسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار. وتطرقا إلى الوضع في سوريا وأهمية استقرارها نظراً لما عاناه لبنان من تداعيات الأحداث السورية في مسألة النزوح.
وعطفاً على الاتصال الذي اجراه بوحبيب أول من أمس بنظيره المصري بدر عبد العاطي، حيث تشاورا في آخر المستجدات في سوريا، وضرورة التحرك العربي لمواكبة سوريا في هذه المرحلة الدقيقة، وتمّ التوافق على ضرورة إجراء مشاورات عربية، وعقد اجتماع وزاري نهاية الاسبوع، في ضوء المشاورات الجارية حالياً بين الوزراء العرب المعنيين لمواكبة الأحداث السورية.
وفي اتصال هاتفي تشاوري بين بوحبيب ونائب رئيس الحكومة ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، تمّ التطرق ايضاً إلى امكانية انعقاد اجتماع تشاوري وزاري عربي حول سوريا، بعدما عرضا الوضع في جنوب لبنان والعدوان الاسرائيلي المتمادي.
الاسد
في غضون ذلك، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إنّ «الرئيس السوري بشار الأسد هو في ضيافة روسيا»، وذلك في أول تأكيد حكومي روسي لذلك. ولفت ريابكوف خلال مقابلة أجرتها معه شبكة «ان بي سي» الأميركية، إلى أنّ «روسيا نقلت الأسد إلى أراضيها بأكثر الطرق أماناً».
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن الديبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، أنّ الأسد رفض الإتفاق مع الولايات المتحدة في شأن وقف التعاون مع إيران. وأوضح هذا الديبلوماسي أنّ الأسد رفض صفقة أميركية قبل سقوط نظامه، تضمنت إنهاء دمشق للمساعدات اللوجستية لطهران وتوفير أراضيها لإيصال المساعدات من إيران إلى «حزب الله»، في مقابل رفع العقوبات الأميركية تدريجياً عن سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجانب الأميركي قدّم عرضه للأسد عبر وسطاء من الإمارات قبل أسابيع قليلة من الهجوم الواسع للمعارضة المسلحة السورية، مقابل رفع تدريجي للعقوبات، إلّا أنّ الرئيس السوري السابق رفض العرض. ولفتت إلى «أنّ الأمر الذي كان أشدّ فتكاً ببشار الأسد، هو رفضه لتسوية علاقته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي عرض تطبيع العلاقات مع دمشق مقابل احتواء المجموعات الكردية وعودة بعض اللاجئين السوريين إلى بلادهم «على الأقل».
واشنطن والمعارضة السورية
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، أنّ «المسؤولين الأميركيين يجرون اتصالات وثيقة مع جماعات المعارضة السورية والمسؤولين الإسرائيليين في ظل تطور الأوضاع».
كذلك أعلن كيربي أنّ «الولايات المتحدة على اتصال وثيق مع تركيا في شأن انسحاب «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة من واشنطن من منبج في شمال سوريا بعد تقدّم جماعات معارضة مسلحة مدعومة من أنقرة».
وفي هذه الاثناء، أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ «الولايات المتحدة تدعم عملية الانتقال السياسي في سوريا دعماً تاماً، وتريد أن تؤدي العملية إلى حكم جدير بالثقة وشامل وغير طائفي يتوافق مع المعايير الدولية للشفافية والمساءلة».
واشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر الى أنّ بلينكن بحث امس مع نظرائه من الأردن والإمارات وقطر ومصر، الوضع في سوريا. وأوضح «أنّ «هيئة تحرير الشام» تستخدم الكلمات الصحيحة، لكن الولايات المتحدة ستحكم عليها من خلال أفعالها».
الموقف الإسرائيلي
وعلى صعيد الموقف الاسرائيلي، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، امس، انّه «سمح لسلاح الجو باستهداف القدرات الاستراتيجية للجيش السوري». وأضاف أنّ «نيتنا واضحة بمنع أي تهديد قادم من سوريا». وأردف «إذا سمح النظام الجديد في سوريا لإيران بالعودة للانتشار أو نقل أسلحة لحزب الله سنردّ بقوة». وقال: «نريد إقامة علاقات مع النظام الجديد في سوريا».
وكان الجيش الإسرائيلي قد ذكر أنّه «دمّر من 70 إلى 80% من قدرات الجيش السوري». وأشار إلى أنّ «350 طائرة مقاتلة شاركت في الغارات على سوريا».
واستكمل الجيش الإسرائيلي، «هاجمنا نحو 320 هدفاً في أنحاء سوريا من دمشق إلى طرطوس». ولفت إلى أنّ «قواتنا البرية لا تزال تعمل في المنطقة العازلة بسوريا».
«حزب الله»
في هذه الاثناء، قال «حزب الله» في بيان امس «إنّ احتلال الكيان الإسرائيلي لمزيد من الأراضي السورية وضرب القدرات العسكرية فيها هو عدوان خطير ومدان بشدة، يتحمّل مجلس الأمن والمجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية المسؤولية في رفضه وإنهائه وحماية الشعب السوري في مرحلة حساسة ومفصلية من تاريخه».
واضاف: «لطالما حذّرنا من الأطماع الإسرائيلية في كل المنطقة وقاومناها لمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه، وكرّرنا أنّ العدوان على غزة هو حرب إبادة ومنطلق لتغيير وجه المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية». واعتبر «إنّ الصمت المطبق عربياً وإسلامياً ودولياً تجاه العدوان الإجرامي على سوريا، بدعم أميركي غير محدود، وعدم اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة هذا العدوان ونصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، أدّى إلى التمادي الصهيوني والتطاول على دول المنطقة». وقال: «يجب اتخاذ كل الخطوات التي تمنع الكيان الإسرائيلي من تحقيق أهدافه، وعدم السكوت أو التفرّج على هذا العدوان الغاشم ضدّ سوريا وشعبها. فما يجري في سوريا اليوم على المستويين الشعبي والسياسي، وما سينتج عنه من خيارات سياسية داخلية وخارجية، هو حقّ حصري للشعب السوري بمعزل عن أي مؤثرات وضغوطات خارجية. نحن نأمل أن تستقر سوريا على خيارات أبنائها، وتحقق نهضتها، وأن تكون في موقع الرافض للاحتلال الإسرائيلي، مانعةً التدخلات الخارجية في شؤونها».
ميقاتي
ومن جهة ثانية، صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الآتي: «توضيحاً لما يتمّ تداوله عن دخول بعض المسؤولين السوريين السابقين او عبورهم إلى دول اخرى من لبنان، فإنّ سياسة الحكومة اللبنانية لطالما كانت الركون إلى القوانين اللبنانية والدولية وهو امر إنتهجته طيلة الفترة السابقة عندما استقبل لبنان مئات الآلاف من الأخوة السوريين.
إنّ دولة الرئيس يتابع هذا الموضوع عن كثب وقد اجرى لهذه الغاية اتصالات مكثفة بكل من وزير العدل هنري خوري، ومدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، والمدير العام للامن العام بالتكليف اللواء الياس البيسري، واعطى توجيهاته بأن يصار إلى الاحتكام بهذا الملف إلى ما تفرضه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وتحت إشراف القضاء المختص وفي ما يؤمّن مصلحة لبنان واللبنانيين ومستقبل العلاقات مع الشعب السوري».
ولفت وزير الداخلية بسام مولوي بعد اجتماع لمجلس الأمن الداخلي المركزي إلى أنّه لا يرى تحركات مقلقة تجاه لبنان، مشيراً إلى أنّ «كلّ الأجهزة الأمنية تتابع عملها والتعزيزات موجودة على الحدود لمنع أي تطورات تؤثر على الداخل اللبناني».
واشار مولوي الى «أنّ أي عنصر أمن في النظام السوري السابق لم يدخل إلى لبنان، والتعليمات المطبّقة على المعابر الشرعية صارمة».
وعن وصول معتقلين لبنانيين الى الأراضي اللبنانية، قال: «9 من المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وصلوا إلى لبنان».